وفي العالم العربي تشكّل المياه موضوع منازعات بين مصر والسودان وأثيوبيا حول مياه النيل، كما يدور النزاع العربي الإسرائيلي حول تقاسم المياه كذلك. وصدرت سلسلة مقالات هنا في "عروبة 22" كتبها كل من أماني الطويل، ثامر محمود العاني، محمد المعزوز، بيّنت العوامل المختلفة التي تهدد الأمن المائي العربي وكيف أنّ المياه هي مصدر تحديات متنوعة ومتزايدة في العالم العربي الذي يضم 6 بالمئة من سكان العالم ولديه 2 بالمئة من المياه المتجددة وهو المنطقة الأكثر جفافًا في العالم.
لكن تحدي عرض المياه هو كذلك مشكلة عالمية اليوم بسبب التغيّر المناخي. فبلد مثل بريطانيا رغم أنه محاط بالمياه إلا أنه بدأ في اقتراح خطط من أجل ترشيد استخدام المياه منذ سنة 2021 بسبب مخاوف المناخ وتزايد الطلب على المياه، حيث وضعت الحكومة خطة تقييدية لاستخدام المياه من خلال وضع سقف استهلاكي لا يتجاوز 110 لتر للفرد في اليوم الواحد عوض 125 للفرد الواحد لليوم الواحد حاليًا. كما ذهب مجلس مقاطعة كامبردج في شهر ديسمبر 2023 بعيدًا في تحديد سقف الاستهلاك بـ99 لتر للفرد الواحد في اليوم الواحد.
تكنولوجيا المياه هي الحل لمواجهة تحدي انخفاض العرض المائي في المنطقة العربية
ومن أجل استخدام فعّال للمياه يحد من الهدر وضعت الحكومة قيودًا معيارية في تصنيع المرشات والحنفيات حتى تكون أقل تبذيرًا للمياه المستعملة كما تشجع الخطة إعادة استخدام مياه الأمطار والمياه المستعملة، وفي أفق 2050 تسعى الحكومة في إطار هدف "الصفر الكربوني" خفض استخدام الطاقة في استخدام المياه التي تستخدم حاليًا 17 بالمئة من الطاقة من أجل تسخينها.
لكن تغيّر المناخ يشكل مصدر قلق في العالم العربي أكثر من بريطانيا التي يحيط بها الماء من كل جانب، فالمنطقة العربية هي الأكثر ندرة في المياه بين جميع مناطق العالم، حيث تقع 19 من بين 22 دولة عربية في نطاق شح المياه، وتحصل 21 من 22 دولة عربية على مواردها المائية الأساسية من مياه عابرة للحدود مما يجعلها في قلق مائي مستمر. ووفقًا للسفيرة شهيرة وهبي، رئيسة قسم استدامة الموارد الطبيعية والشراكات والحد من مخاطر الكوارث بجامعة الدول العربية، فإنّ المنطقة العربية هي الأكثر تأثرًا في العالم بتغيّر المناخ، وأنّ تغير المناخ في تسارع مستمر.
وتتيح المبادرة العربية المشتركة بين جامعة الدول العربية والأمم المتحدة "ريكار" إجراء تقديرات عن تأثير تغيّـر المناخ وقابلية تأثّر القطاعات المعتمدة على المياه في المنطقة العربية، حيث يواجه 86 في المائة من السكان نُدرةً في المياه.
وإذا كان التغيّر المناخي يشكل أحد مصادر تهديد الأمن المائي العالمي فإنه لن تزداد المياه المتاحة في المنطقة العربية من المصادر التقليدية المعروفة لدينا جميعًا. ويكمن حل معالجة قضية الأمن المائي العربي وندرة المياه في استخدام الموارد المائية غير التقليدية في المنطقة العربية من مياه محلاة واستخدام المياه العادمة ومياه الصرف الصحي والزراعي، والاستخدام الآمن للمياه الجوفية والمياه شبه المالحة وحصاد مياه الأمطار حسب الخبراء العرب الذين شاركوا في مؤثمر الأمم المتحدة حول المياه الذي انعقد في 2023.
ولمواجهة تحدي انخفاض العرض المائي في المنطقة العربية، فإنّ تكنولوجيا المياه هي الحل سواء كانت تكنولوجيا تحلية المياه والري ومعالجة المياه. لكن هناك فروقًا في العالم العربي في الوصول لتكنولوجيا المياه وهي تتطلب استثمارات مكلفة في محطات تحلية مياه البحر. وهناك مبادرات عربية جديدة من أجل إيجاد حلول مبتكرة تحقق الاستدامة في تكنولوجيا تحلية المياه تعتمد على الطاقات البديلة (شمس ورياح وكتلة حيوية وطاقة تناضحية وحرارة أرضية) حيث أطلقت مؤسسة عربية إماراتية جوائز بقيمة 180 مليون دولار في سبيل تحفيز الابتكار في هذا المجال خلال هذا الشهر. كما أطلقت المملكة العربية السعودية السنة الماضية مبادرة إنشاء منظمة دولية تُعنى بالمياه ويكون مقرّها الرياض.
التفاهم يُعتبر "تكنولوجيا سياسية" من أجل توفير المياه التي هي أداة لتحقيق السلام
لكن تكنولوجيا تحلية المياه ليست متاحة لجميع الدول العربية وهي ليست الحل الوحيد لتحقيق الأمن المائي العربي، فالتعاون الإقليمي العربي في مجال المياه لا غنى عنه لمساعدة الدول العربية التي ليس لديها تكنولوجيا تحلية المياه، كما أن التعاون والاتفاقيات بين الدول حول مشاركة مياه الأنهار هي كذلك نوع من "التكنولوجيا الديبلوماسية" للوصول إلى المياه. وهنا يجب أن نذكر قصة نجاح موريتانيا في الوصول إلى مياه السنغال من خلال تقاسم نهر السنغال مع السنغال ومالي، وهي تجربة ناجحة مستدامة منذ 45 سنة حيث قامت الدول الثلاث بالمشاركة في إقامة بنى تحتية مشتركة مثل السدود والمحطات الكهربائية وانعكس هذا التعاون المائي بشكل إيجابي على شعوب المنطقة وساهم في تحقيق السلام
في الأخير، لمواجهة تحدي المياه على العالم العربي من جهة، تطوير تكنولوجيا تحلية المياه وخفض تكلفتها من خلال تشجيع الابتكار وإشراك القطاع الخاص في اقتراح حلول أقل تكلفة وفعالية في استخدام الموارد. ومن جهة أخرى، تعزيز التعاون والتفاهم مع بلدان أخرى في حالة تقاسم مياه الأنهار (نهر النيل مثلًا) لأنّ التفاهم يُعتبر بمثابة "تكنولوجيا سياسية" من أجل توفير المياه التي هي أداة لتحقيق السلام كما أنّ تحقيق السلام يؤدي في نهاية المطاف إلى الوصول للمياه بشكل مستدام.
(خاص "عروبة 22")