هنا تُطرح تساؤلات ملحّة حول مستقبل الشرق الأوسط، إذ إنّ الحرب توقفت ولم تنتهِ، فما مدى قدرة الأسواق على امتصاص الصدمات، لا سيما أنّ الصراع الحالي يمكن توصيفه بأنّه ثالث أزمة خلال ستة أشهر؟.
فقد سجلت أسعار "خام برنت" قفزاتٍ قويةً فور بدء الصراع بين إسرائيل وإيران، مسجّلةً زيادةً بلغت نحو 13%، لكنّها تراجعت لاحقًا لتستقرَّ عند زيادة بنحو 6% مقارنةً بمستويات ما قبل الأزمة. تجدر الإشارة إلى أنّ عودة الاستقرار قد تشير إلى أنّ الهجمات كانت مصممةً لإحداث اضطرابٍ في سوق الطاقة المحلية الإيرانية، من دون تعطيل الأسواق الدولية، إذ إنّ الأسواق معتادة على هذا النوع من الهجمات التي لم تكن تؤثر بشكل كبير في الأسعار والمتغيّرات الاقتصادية الأخرى في الشرق الأوسط، لكنّها كانت مؤثرةً جدًا في إيران، خصوصًا فيما يتعلق بالبنية التحتية للغاز الطبيعي، نظرًا لاعتماد إيران بشكلٍ كبيرٍ على الغاز في مزيج الطاقة المحلي، وسط نقص الاحتياطيّات الاستراتيجية لديها.
التوتّرات الحالية تمثّل الصدمة الثالثة للاقتصاد العالمي خلال ستة أشهر
وتشير التوقّعات الأحدث إلى أنّ أميركا ستحافظ على تقدّمها حتّى ثلاثينيّات القرن الـ21، إذْ تملك أميركا أكبر اقتصادٍ في العالم بناتجٍ محليّ إجماليّ يبلغ حوالى 28.8 تريليون دولار أميركي، تليها الصين بناتجٍ محليّ حوالى 18.5 تريليون دولار أميركي، ممّا يجعلها ثاني أكبر اقتصاد. والجدير بالذكر أن التعديلات الأخيرة في القائمة أدّت إلى تفوّق الاقتصاد الألماني على الاقتصاد الياباني ليصبح ثاني (أو ثالث) أكبر اقتصاد في العالم لعام 2023، في حين تقدّم الاقتصاد البرازيلي على الاقتصاد الإيطالي عام 2024، وحلّت المكسيك في المرتبة الـ12.
وفي ظلّ أهمية النفط في الاقتصاد العالمي، ودوره في التنمية في العالم، وفي ما يتعلق بإنتاج النفط الخام، فقد بلغ إنتاج النفط في أميركا 12,86 (مليون برميل/يوميًا)، وفي إيران 2,859 (مليون برميل/يوميًا)، والسعودية 9,606 (ملايين برميل/يوميًا) والعراق 4,117 (ملايين برميل/يوميًا)، ممّا يجعل الاقتصاد العالمي في ظلّ الصراع بين إسرائيل وإيران، يعاني مشاكل اقتصادية كبيرة قد تؤثر في العالم وفقًا للتقرير الاقتصادي العربي الموحّد 2024.
إنّ التوتّرات الحالية تمثّل الصدمة الثالثة للاقتصاد العالمي خلال ستة أشهر، بعد صدمات الرسوم الجمركية وتقلّبات الأسواق الماليّة، إذ إنّ الأزمة قد تتحوّل إلى صدمة طاقةٍ تضرب اقتصادات التصنيع وتزيد معدلات التضخّم عالميًا، لأنّ خطورة الأزمة تتضاعف بسبب دخول الاقتصاد العالمي هذه المرحلة. ومع تراجع مؤشرات مديري المشتريات في أسواقٍ رئيسيةٍ عدّة، وهو ما يعكس انكماش الأنشطة الاقتصادية قبل التصعيد الأخير، يعتمد تأثير صدمة أسعار النفط في التضخّم والنموّ على استمرار الاضطرابات، علمًا أنّ المخاطر قد تكون أكبر بالنسبة إلى الاقتصاد الأميركي مقارنةً بغيره، لأنّ أميركا تواجه صدمةً تضخّميةً مزدوجةً من ارتفاع أسعار النفط والرسوم الجمركية، ممّا يهدّد بتقييد قدرة مجلس الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة خلال الأشهر المقبلة.
يمكن أن تكون هناك آثار متباينة للتصعيد العسكري على الدولار
ويدرس المستثمرون سيناريوات عدّة للأسواق في حال زادت أميركا من تدخّلها في صراع الشرق الأوسط، مع احتمال حدوث تداعيات مضاعفة إذا ارتفعت أسعار الطاقة بشكل حاد، وركّزوا في هذا المجال على تطوّر القتال بين إسرائيل وإيران، فقد تؤدي السيناريوات المحتملة إلى ارتفاع التضخم، ممّا يضعف من ثقة المستهلكين ويقلّل فرصة خفض أسعار الفائدة، ومن المحتمل أن يتسبّب ذلك في عمليات بيعٍ أوّليةٍ للأسهم وإقبالٍ محتملٍ على الدولار كملاذٍ آمن.
في الختام، يمكن أن تكون هناك آثار متباينة للتصعيد العسكري على الدولار، وهو كان قد تراجع هذا العام وسط مخاوف من تضاؤل التفوّق الأميركي، وفي حال تعمّق انخراط أميركا بشكلٍ مباشرٍ في الحرب الإيرانية - الإسرائيلية، فقد يستفيد الدولار في البداية من الطلب، ومن المرجّح أن يقلق المتعاملون أكثر من التآكل الضمني لشروط التجارة الخاصّة بأوروبا وبريطانيا واليابان، بجانب الصدمة الاقتصادية لأميركا، وهي منتِج رئيسي للنفط.
(خاص "عروبة 22")