لعل الغاز الطبيعي قد أصبح وقودًا ضروريًا لقطاع الطاقة ولتوليد الكهرباء، مقارنةً بما كان عليه الوضع سابقًا قبل أربعة عقود، حين كان الاستعمال الرئيسي للغاز تزويد الوقود للأفران والتدفئة المنزلية فقط، ويعزى سبب توسّع استهلاك الغاز إلى سعره المنافس لأنواع الوقود الأخرى، إذ يُستعمل حاليُا في مجالات صناعية عدة، منها الآلات الزراعية، وتغليف البضائع، وتصنيع الأدوات الأساسية في الهواتف الذكية.
وارتفعت نسبة استثمار الغاز المصاحب للإنتاج النفطي في العراق من 50% إلى 61%، وقد تم افتتاح مشروع معالجة الغاز المصاحب، في حقل الحلفاية بمحافظة ميسان، بسعة 300 مليون قدم مكعب قياسي يوميًا، والجهود مستمرة لاستثمار جميع ما يُنتج من الغاز، إذ إنّ الهدف هو الوصول إلى نسبة صفر للغاز المحروق بحلول عام 2028.
السعر المنافس للغاز وراء انتعاش الكثير من الصناعات وميزاته البيئية هي السبب في استعماله بديلًا لبعض أنواع الوقود
يندرج هذا المشروع النوعي ضمن جهود رفع الاستفادة من الثروة النفطية والغازية، وقد شهد متابعة مكثّفة لتفعيله وإكماله، ليتحقق اليوم على مسار الإصلاح الاقتصادي والاستثمار الأمثل، من أجل وقف حرق الغاز المصاحب، وما يتضمنه من هدر وأثر سلبي على البيئة والصحة، اذ إنّ الغاز الناتج سيسهم مباشرة في تشغيل المحطات الكهربائية ووقف الاستيراد وما يستنزفه من عملة صعبة سنويًا؛ علمًا أنّ إنتاج الغاز ارتفع بشكل واقعي من 2972 مليون قدم مكعب قياسي يوميًا عام 2022، إلى مستوى 3,700 مليار قدم مكعب قياسي يوميًا؛ (استنادًا إلى التقريرالاقتصادي العربي الموحّد 2023)، وما يُستثمر منه حاليًا لا يتعدى 1,800 مليارقدم مكعب قياسي يوميًا.
تجدر الاشارة إلى أنّ المشروع الذي أُنجز ضمن عقود جولات التراخيص النفطية، يتكوّن من وحدتَي طاقة؛ كل واحدة تمثل 150 مليون قدم مكعب قياسي، ويقوم المشروع بتحلية وتجفيف الغاز وفصل مكوناته الأساسية، للحصول على منتجات الغاز الجاف الذي يُستفاد منه في تزويد الشبكة الوطنية لتشغيل محطتَي: العمارة الحكومية، وميسان الاستثمارية.
ويتضمن المشروع، إنتاج الغاز السائل لتغطية احتياجات محافظة ميسان، بطاقة أولية 1100 طن يوميًا، في بداية التشغيل، وصولًا إلى 2200 طن يوميًا، للاستخدام المنزلي أو للسيارات، ونقل الكميات الفائضة إلى المحافظات الأخرى، وإنتاج مكثفات الغاز بطاقة إنتاجية تصل إلى 20 ألف برميل يوميًا، يتم مزجها مع النفط الخام المنتج لتحسين مواصفاته، وينتج المشروع أيضًا مادة الكبريت ناتجًا عرضيًا من عمليات المعالجة.
من الضروري استعمال الغاز لدعم استعمال الطاقات المستدامة في حال عدم كفاية الطاقة المتوفرة منها
ويكمن السعر المنافس للغاز وراء انتعاش الكثير من الصناعات، كما أنّ الميزات البيئية للغاز مقارنةً بغيره من الهيدروكربونات هي السبب في استعماله بديلًا لبعض أنواع الوقود الأخرى، فعلى سبيل المثال، انخفضت الانبعاثات الكربونية في أمريكا نحو أكثر من 55% نتيجة استعمال الغاز في محطات توليد الكهرباء الأميركية، بدلًا من استعمال الفحم الحجري، ومن ثم، يُعتبر دور الغاز مهمًا في تخفيض الانبعاثات، فعندما تخطط صناعة ما لتخفيض الانبعاثات، تلجأ إلى وقود منخفض الانبعاثات، كالغاز صاحب الأسعار المنافسة، هذا ناهيك عن ضرورة توفير الإمدادات باستمرار وبالكميات المطلوبة، وهذا أمر من الصعب تلبيته عن طريق الطاقات المستدامة من الشمس أو الرياح فقط، لذا فمن الضروري استعمال الغاز أيضًا لدعم استعمال الطاقات المستدامة في حال عدم كفاية الطاقة المتوفرة منها.
إنّ مشروع معالجة الغاز المنتَج في حقل الحلفاية يمثّل إضافة مهمة في صناعة واستثمار الغاز المصاحب للعمليات النفطية وإيقاف حرقه، كما افتتح مشروع وحدة الأزمرة لإنتاج البنزين المحسَّن في مصفى البصرة، بطاقة 11 ألف برميل يوميًا، وهذا المشروعِ يُسهم في خفضِ استيرادِ البنزين بمعدّل 1300 متر مكعب يوميًا، ويوفّر لخزينة الدولة ما يقرُب من 350 مليون دولار سنويًا، وهو يأتي ضمنَ خطط الوزارة لزيادة الطاقة التكريرية، والارتقاء بمواصفات المنتجات النفطية، وتحسين نوعيتها.
في الختام، أهمُّ ما يميّزُ هذه المشاريع أنها جاءت بالجهد الوطني في شركة مصافي الجنوب والجهات الساندة لها، ومن الضروري الاشارة إلى أنّ تشغيل مشروعات استثمار الغاز بحقول حلفاية والناصرية والغراف، يُعدّ الطاقة التي يمكن الاعتماد عليها في المستقبل.
(خاص "عروبة 22")