قضايا العرب

"تردي الخدمات" يعزّز انقسام المجلس الرئاسي اليمني: تطورات فاصلة!

اليمن - محمد الغباري

المشاركة

رغم مرور عامين على تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في اليمن من ثمانية أعضاء يمثّلون التشكيلات العسكرية والسياسية المناهضة للحوثيين، إلا أنّ تردي الخدمات والأوضاع الاقتصادية في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا زاد من الانقسام داخل المجلس الذي كان يراهَن عليه في قيادة عملية السلام مع الحوثيين.

كانت العلاقة بين دولتَيّ التحالف - السعودية والإمارات - مع الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي قد وصلت مرحلة "اللاعودة"، ومعها تدهورت الأوضاع الاقتصادية والخدمات في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا بشكل كبير، وقيل حينها إنه لم يبقَ خيار سوى إستقالة هادي ونقل السلطة إلى مجلس يمثل الفصائل المسلحة المتواجدة على الأرض.

رشاد العليمي، رئيس المجلس، حرص عقب توليه هذا المنصب على الإعلان أنّ مهمته مه زملائه هي قيادة البلاد نحو السلام مع الحوثيين، وهو الأمر الذي راهنت عليه الدول الغربية التي رأت في وجود قادة التشكيلات المسلّحة في عضوية مجلس القيادة أمرًا سيسرع في التوصل إلى اتفاق سلام قريب، غير أن كل تلك الرهانات والأمنيات تبخرت مع بروز الخلافات بين أعضاء المجلس، وتباين مصالح دول التحالف، فوصل المجلس إلى مرحلة العجز.

ويدور الحديث حاليًا عن توجّه لإعادة تشكيل هذا المجلس لتجاوز عجزه عن إحداث أي تحوّلات على الأرض في مناطق سيطرة الحكومة، إلا أن التوجهات المتعارضة لدى قيادة التحالف في المواجهة العسكرية مع الحوثيين، لا تزال تلقي بظلاها على أداء المجلس وساهمت في زيادة الانقسامات داخله. فالمجلس الانتقالي الجنوبي المطالِب بعودة جمهورية اليمن الديمقراطية والممثّل بثلاثة أعضاء في المجلس الرئاسي لا يخفي غضبه من تردي الخدمات وتراجع سعر العملة المحلية إلى مستويات قياسية (الدولار الأمريكي يعادل 1800 ريال) ويعتقد أنّ الغرض من عدم إيجاد حلول لتردي الوضع المعيشي والعملة والخدمات هو إثارة السكان ضده لأنه القوة المسيطرة على مدينة عدن التي تتخذها الحكومة عاصمة مؤقتة للبلاد، وقد هدّد أكثر من مرّة باتخاذ إجراءات لم يفصح عنها، محذرًا من أنّ صبره قد ينفد في أي لحظة.

ووسط خشية من إقدام الانتقالي على إعلان الادارة الذاتية كما حصل منتصف العام 2020 - قبل أن يتراجع بفعل الضغوط التي مارستها السعودية والإمارات ورعت الدولتان اتفاق الرياض بين الانتقالي والحكومة على تقاسم السلطة - ألقى سفراء الدول الغربية بكل ثقلهم خلف مجلس القيادة الرئاسي وحثا الطرفين على العمل معًا لمواجهة التحديات الاقتصادية وتردي الخدمات على وعد باستمرار دعم الحكومة لكن ذلك لم يتحقق حتى الآن.

وبالنظر إلى تطورات الوضع مع الهجمات التي ينفذها الحوثيون ضد السفن في البحر الأحمر، فإنّ المراقبين يرجحون إطالة أمد هذا الانقسام على أن تحول المصالح الدولية دون السماح له بالانفجار، ومع ذلك يؤكد هؤلاء أنّ المضي نحو السلام في ضوء التعديلات التي أدخلت أخيرًا على خارطة الطريق بالتوافق بين الولايات المتحدة وسلطنة عمان لن يكون ممكنًا، لأنّ الامارات العربية المتحدة وهي الشريك الرئيسي للسعودية في حرب اليمن تعتقد أنّ هذه الخارطة تستبعدها من أي دور مستقبلي في اليمن.

وإذ ترى الأوساط السياسية اليمنية أنّ الصيغة الحالية لمجلس القيادة أثبتت عدم فاعليتها، فقد فشل المجلس حتى اليوم في التوافق على وضع لائحة تنظّم أعماله وترعى اتخاذ قراراته كما ينص على ذلك إعلان نقل السلطة من الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى المجلس، كما أنّ التغيير الحكومي الأخير لم ينعكس بإجراءات عملية لتحسين خدمات الكهرباء التي تنقطع لأكثر من 12 ساعة في اليوم الواحد داخل العاصمة المؤقتة للبلاد، كما أنّ تراجع سعر العملة أدى إلى تدهور كبير في المستوى المعيشي لمعظم السكان.

ووسط هذه الانقسامات والتردي الاقتصادي والتراجع الكبير في الخدمات، تؤكد الأمم المتحدة أنّ اليمن تظل واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، حيث يقدّر عدد المحتاجين في هذا البلد إلى المساعدات الإنسانية وخدمات الحماية بنحو 18.2 مليون شخص خلال هذا العام.

وعلى الرغم من استمرار الهدنة بحكم الأمر الواقع على الأرض، لا تزال البلاد تواجه وطأة الصراع والنزوح ومخاوف الحماية وتغيّر المناخ والتدهور الاقتصادي. في حين أنّ خطة الاستجابة الإنسانية التي أعلنتها الامم المتحدة لم تحصل إلا على 16‎%‎ من إجمالي المبلغ المطلوب، 2.71 مليار دولار، لتنفيذ الأنشطة الأكثر أولوية اللازمة للأشخاص الأكثر ضعفًا. فيما ينبّه برنامج الأغذية العالمي إلى أنّ فرص الوصول إلى الغذاء لا يزال يشكل تحديًا رئيسيًا أمام ذوي الدخل المحدود في اليمن، وفق ما أفاد به 71 في المائة من سكان مناطق سيطرة الحوثيين، و60 في المائة من السكان في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة. ويُذكر أنّ عمق وشدة الحرمان الغذائي - سوء استهلاك الغذاء - بلغت ذروتهما في مايو (أيار) الماضي، بنسبة 32 في المائة بمناطق سيطرة الحوثيين، و31 في المائة بمناطق سيطرة الحكومة.

ولهذا فانّ تطورات الأسابيع القادمة ستكون فاصلة من شأنها أن تحدد المسار الذي ستمضي نحوه الأوضاع في اليمن، بخاصة وأنّ الأوضاع المعيشية والاقتصادية بلغت من السوء ما لم تعرفه البلاد منذ بداية الصراع، كما أنّ خارطة التحالفات السياسية الداخلية والخارجية باتت أكثر وضوحًا عما كانت عليه خلال العامين السابقين.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن