بصمات

من حرب الرقائق الإلكترونية إلى الحرب السحابيّة!

يطل العالم على مشارف "ثورة صناعية خامسة"، تتضمن بسماتها استثمارات ضخمة في تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والصور وتحليلها وإنترنت الأشياء والحوسبة السحابيّة، والسنوات المقبلة ستشهد آثارًا نوعيّة كاسحة وعميقة الأثر على وتائر النمو الاقتصادي وتطور المجتمعات، وستؤدي إلى أنماط مستحدثة للتنافس الدولي ولممارسة السيطرة السياسية والعسكرية والتحكم بحراك المجتمعات المعاصرة، وبينها المجتمعات العربية التي تبدي اهتمامًا في مستويات، تستوجبها الأدوار الإقليمية المحوريّة لهذه التكنولوجيّات.

من حرب الرقائق الإلكترونية إلى الحرب السحابيّة!

يمكن أن تتحوّل حرب الرقائق العالمية في أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى حرب سحابيّة ستغيّر الاقتصاد العالمي وأبحاث المستقبل، وستكون قادرة على تشكيل جديد من استراتيجيات القوة والسيطرة في الحروب المقبلة.

الفكرة ليست جديدة، سبقت الثورات الصناعية في العالم قرون انحصرت خلالها جهود القوى البشرية ضمن قطاعات الإنتاج الأوليّ التي استندت إلى استغلال الثروات الطبيعية على نحو مباشر. ونما قطاع الخدمات بعد الحربين العالميّتين في القرن الماضي، واستُخدمت خلال الحرب الباردة، حيث سمحت الولايات المتحدة الأميركية ببيع أجهزة الكومبيوتر للاتحاد السوفياتي بشرط أن تُستخدم بالتنبوء بالطقس وليس لمحاكاة نووية، وبقبول مراقبين دوليين ومراقبة البيانات من قبل الاستخبارات الأميركية.

تقوم الكثير من البلدان المتقدّمة بتحديث أطرها التنظيمية والقانونيّة لتتلائم مع متطلبات الفضاء السيبراني

مثل هذه الأجهزة يجري تطويرها اليوم بقدرات مدنية وعسكرية على حد سواء، وبتطبيقات مثل توصيل طلبات الطعام، وتحليل الأقمار الصناعية، وفي توجيه ضربات الطائرات من دون طيّار.

شرائح عالية الأداء مثل وحدات معالجة الرسومات والصور وأشباه الموصلات والصور، وتشهد السوق تفلتًا من دول مثل الصين وروسيا من الحظر الشامل الأميركي في تطوير شرائحها الخاصة.

تسعى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية إلى تعزيز طموحاتها باستضافة مراكز الذكاء الاصطناعي والاستثمار في بنية تحتية ضخمة، كذلك ترغب كازاخستان والهند بذلك، وتشهد ماليزيا ازدهار ظاهرة مراكز البيانات في استثمارات ضخمة من قبل شركات أميركية وصينية. وتقوم الكثير من البلدان المتقدّمة بتحديث أطرها التنظيمية والقانونيّة لتتلائم مع متطلبات الفضاء السيبراني لجهة ما تحدثه مثل هذه التكنولجيّات من تطور مستمر في جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وبالوصول إلى مستويات من السيطرة الاحتكارية ذات التبعات الأمنيّة والاقتصادية الشاسعة، والسياسات والاستراتيجيّات المعتمدة وتلك التي يجب تبنيها بغية استثمار هذه التكنولوجيات وتطبيقاتها في البلدان العربية.

تصل الاستثمارات في البنية التحتيّة للشركات إلى عشرات مليارات الدولارات، وتدفع الدول بتفوقها الاقتصادي والعسكري في الأسواق الدولية، وتتحرك السحابة الأميركية بقوة لبناء قواعد بيانات لإعاقة التكنولوجية الصينيّة، لا سيما في كينيا في القارة الأفريقية، ولتقديم "ميكروسوفت" خدمات الحوسبة السحابيّة فيها، وكذلك في الإمارات العربية (1.5 مليار دولار)، حيث كانت تعمل "هواوي" الصينيّة.

حرب الرقائق، تتبعها الحرب السحابية، نموذج لمشاريع السيطرة المستقبليّة، وتجعل الدول التي تخشى القيود الأميركية أكثر تأثرًا، ومنها الشركات الأوروبيّة. وليس معروفًا، إذا كانت شركات "هواوي" تستطيع المنافسة دون الشرائح الأميركية الأكثر تقدّمًا.

يثير التطور المتسارع العديد من المخاوف على مكوّنات الحياة وأثرها الاجتماعي والإنساني

الشرائح والسحابة ومراكز البيانات مترابطة بشكل وثيق، ما يشكل عصرًا من الأبحاث المستقبليّة (بمئات مليارات الدولارات)، والتي بدأت مع السيليكون، وتتغلغل الآن في طبيعة جديدة من طبقات السحابة وتطبيقاتها الخطيرة في حرب غزّة والحرب الأوكرانيّة والسيطرة العالمية، وفي طبقات الحوسبة وتأثيراتها على الاقتصاديات العالمية.

من المتوقع أن يربك استخدام تلك التطبيقات العديد من المفاهيم التقليدية، ويثير التطور المتسارع العديد من المخاوف على مكوّنات الحياة وأثرها الاجتماعي والإنساني، والتحديات المتعلقة بالسيطرة على البيانات الخصوصيّة وحماية البنى التحتيّة الحيوية، وقد يتطلب الأمر إعادة النظر فيها. كما لا بد من دراسة معمّقة لتبعات التصاميم المستخرجة آليًا بصورة كليّة أو غير كليّة، وقد يكون للتدخل البشري في تصميمها دور (أعطال مايكروسوفت الأخيرة، هي جزء من الحرب السحابيّة، وتسببّ عطل في برنامج تحديث الأمن السيبراني Growstike إلى خسائر مالية للشركات 4 و 5 مليار دولار). وتشير دراسات عديدة حول انتشار منتجات تكنولوجيات المعلومات والاتصالات وتطبيقاتها واستخدامها في الدول العربية إلى الحاجة لمزيد من الجهد ليتسنّى التوصل إلى نتائج أفضل من جرّاء الإنفاق الضخم على حيازتها، وما يوجب العمل على تحديد نسبة المرونة في إدارة المخاطر والتعامل معها عند الحاجة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن