بعد تأكيد التقرير على الأسُس الأربعة التي يتعيّن أن يرتكز عليها بناء سياسات أخلاقية وعادلة في مجال الذكاء الاصطناعي الموجّه لخدمة التعليم، ينتقل التقرير إلى تقديم تعريف للذكاء الاصطناعي. فهو "ليس شيئًا واحدًا ولكنه مصطلح شامل لمجموعة متزايدة من قدرات النمذجة"، كما أنّه ليس من المفيد اختزاله في تلك النظرة التي تعتبره "شبيهًا بالإنسان"، لأنّ "الذكاء الاصطناعي يعالج المعلومات بشكل مختلف عن كيفية معالجة الاشخاص للمعلومات، عندما تتغاضى عن الاختلافات بين الناس وأجهزة الكمبيوتر، فقد نضع سياسات ذكاء اصطناعي في التعليم تخطئ الهدف"، مضيفًا أيضًا أنّ الذكاء الاصطناعي هو أداةٌ للإدراك البشري، وبالتالي هو تعزيز للذكاء. ويساعد المعلّم على اتخاد القرار المناسب، كما يركز الذكاء الاصطناعي الانتباه على ما يمكن أن تفعله أجهزة الحاسوب.
يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي كذلك، من منظور النمذجة، حيث يساهم في صياغة نماذج للواقع، لكن نماذج الذكاء الاصطناعي ليست موفقة دائمًا في التوافق مع رؤى التعليم والتعلّم. ويمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي شريكًا للمعلّم في "إجراءات الفصل الدراسي المعقدة"، لكنه لا يستطيع أن يكون بديلًا عن المعلّم.
ينتهي التقرير إلى ضرورة اعتماد نهج يمكّن الإنسان من مراقبة قرارات الذكاء الاصطناعي وتجاوز مخاطر تحيّز الخوارزميات
ولتفادي جميع الإشكالات والمخاطر المرتبطة بعملية التعلّم عبر الذكاء الاصطناعي، يوصي التقرير باعتماد نهج أو فكرة "وضع الانسان في حلقة الذكاء الاصطناعي"، بحيث يكون المعلّم مسؤولًا عن القرارات التعليمية الرئيسية، كما تعني الفكرة، الاتجاه نحو مسار "الذكاء الاصطناعي المتمركز على الإنسان [Human-centred AI].
لا يتمتع الذكاء الاصطناعي بالصفات الواسعة للحكم السياقي، على غرار الصفات التي يمتلكها الانسان، فهناك ضرورة للحفاظ على سلامة المتعلّمين وبناء مجتمع أكثر مساواة وعدلًا، لهذا يؤكد التقرير على أهمية الذكاء الاصطناعي في تمكين الطلبة من التكيّف في التعلّم، بشكل أفضل من تكنولوجيا التعلّم التقليدية. وتُظهر نماذج الذكاء الاصطناعي مهارات أكبر بسبب التقدّم فيما يُسمى "نماذج اللغة الكبيرة" او ما يُسمى أحيانًا "النماذج الأساسية". ومن الأمثلة التي يشير إليها التقرير بخصوص نماذج الذكاء الاصطناعي، مثال "أنظمة دعم الدروس الذكية"؛ في مجال الرياضيات وحل مشاكلها.
نشأت نظريات بخصوص علاقة الذكاء الاصطناعي بالتعلّم، ومن ذلك نظرية الذكاء الاصطناعي لدعم تعلّم الطلاب ونظرية دعم التعلّم عن الذكاء الاصطناعي والتقنيات ذات الصلة. وتُخوّل النظرية الثانية للطلاب والمتعلّمين فهم وإدراك فرص ومخاطر الذكاء الاصطناعي، لذلك يقترح التقرير اعتماد ذلك في المدارس الابتدائية ثم المتوسطة والثانوية.
كما يقترح التقرير إعداد المعلّمين للتعامل مع الذكاء الاصطناعي وتوظيفه في التعلّم والتعليم، وامتلاك مهارات تصميم واختيار التقنيات المناسبة، وتدريب المعلّمين على فحص وتفسير قرارات الذكاء الاصطناعي. ذلك أنّ قابلية تفسير قرار نظام الذكاء الاصطناعي هي مفتاح قدرة المعلّم للحكم على هذا القرار الآلي. وهذه القابلية تمكن المعلّم من فهم وإدراك ميل الذكاء الاصطناعي إلى التحيّز وعدم العدالة.
يُشير التقرير إلى تقدّم "التقييم التكويني" و"حلقات التغذية الراجعة" عبر الذكاء الاصطناعي، ومن ذلك مثلًا، التقييم الآلي للمقالات، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي، أن يقدّم للباحثين والطلبة أدوات وتقنيات جديدة، تساعدهم على تطوير مهارة الكتابة والتحرير والنقد؛ لكن هذه التقنيات ستبقى بعيدة عن الوصول إلى الكفاءة البشرية في التذوق الجمالي والإحساس بالمعنى. ويوصي التقرير بإجراء البحوث من أجل تعزيز دور السياق في الذكاء الاصطناعي.
وعمومًا، فإنّ التقرير عبارة عن خلاصة وتجميع لملاحظات عدد من الطلاب والمعلّمين والخبراء، حول أهمية الذكاء الاصطناعي في عملية التعلّم. ولذلك ينتهي التقرير إلى ضرورة اعتماد سياسات أخلاقية وعادلة في مجال الذكاء الاصطناعي واعتماد نهج يمكّن الإنسان من مراقبة قرارات الذكاء الاصطناعي، وتجاوز مخاطر تحيّز الخوارزميات وبالتالي تمكين المعلّمين وقادة التعليم من فهم وإدراك الذكاء الاصطناعي والإشكالات التي يمكن أن تنجم عن توظيفه في التعليم.
من دون استثمار عربي في البحث والتطوير سنكرّس تبعية أخرى لمن يُصمّم نماذج التعلّم عبر الذكاء الاصطناعي
ويبدو جليًّا أنّ العالم العربي في حاجة إلى صياغة خطة وسياسات تعلمية تراعي الفرص والمخاطر المرتبطة بإدماج الذكاء الاصطناعي في التعليم. ولا شك أنّ السياسات التعليمية ستعمّق الفجوة بين الطلاب والمتعلّمين الذين يمتلكون مهارات توظيف الذكاء الاصطناعي في التعلّم والفئة العريضة من أقرانهم الذين لا يمتلكون ذلك.
ولذلك فإنّه من الضروري، لتقليص مساحة عدم المساواة في التعليم، أن يتم اعتماد سياسات عادلة قادرة على تمكين الجميع من هذه التقنيات الجديدة، التي تسمح بتعزيز قدرات المتعلّمين على الابتكار والإبداع وفهم القضايا المعقدة. ومن دون استثمار حقيقي في البحث والتطوير في مجال استعمال الذكاء الاصطناعي بما يتناسب مع قِيم وحضارة العالم العربي، فإنّنا سنكرّس تبعية أخرى لمن يُصمّم نماذج التعلّم عبر الذكاء الاصطناعي ونضيع فرصة مهمة لتمكين الأجيال الحاضرة والقادمة، من متابعة التطور العلمي والذي هو أساس الإقلاع الاقتصادي والتقدّم.
لقراءة الجزء الأول
(خاص "عروبة 22")