في تقرير أصدره نهاية العام الماضي عن المناخ والصراع في اليمن، ذكر مركز "مدنيون في الصراع" (سيفيك)، أنّ "آخر الإحصائيات تُظهر أن أربعة آلاف شخص يُقتلون سنويًا بسبب النزاع على الأراضي والمياه". ونبّه المركز إلى أنّ تغيّر المناخ جعل سكان البلاد يواجهون مخاطر كبيرة في الحصول على الموارد اللازمة للبقاء على قيد الحياة.
وأكد أنّ ذلك يحدث رغم أنه يجري مناقشة التهديد الذي يشكّله تغيّر المناخ في اليمن منذ عقود، بوصفه أحد أكثر البلدان فقرًا في المياه في العالم، ولأنّ هذا البلد معرّض لخطر الجفاف التام، مما سيترك سكانه الذين يزبد عددهم عن 32 مليون نسمة دون مياه.
الظواهر المناخية المتطرفة ستؤدي إلى خلافات وضغوط على الموارد الطبيعية
وخلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي كانت الأمم المتحدة قد رصدت تأثّر أكثر من 80 ألف شخص بالظروف الجوية القاسية في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك الأمطار الغزيرة والفيضانات. وبيّنت أنّ غالبية المتضرّرين يقيمون في مناطق يصعب الوصول إليها وهي مناطق تستضيف النازحين من الحرب.
وقبل ذلك، كان المعهد النرويجي للشؤون الدولية، قد حذّر من زيادة النزاعات المحلية داخل المجتمع اليمني؛ بسبب الظواهر المناخية المتطرفة، التي ستؤدي إلى خلافات على الموارد الطبيعية، لأنّ هذه المتغيّرات ستفرض ضغطًا إضافيًا على موارد المياه والأراضي، وسيزيد من شدّتها تفكّك آليات حلّ النزاع المحلية بسبب الحرب الدائرة في البلاد، حيث كانت تعمل منظومة قبلية اجتماعية على حلّ النزاعات وتنظيم عمليات استخدام المياه والأراضي.
فيضانات... وجفاف
المعهد، في دراسة عن الوضع في اليمن، نبّه إلى أنّ البلاد تواجه واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم؛ بسبب مجموعة من العوامل أبرزها النزاع المطوّل، والأزمة الاقتصادية التي تترتّب على الحرب، والمخاطر الطبيعية المتكرّرة المرتبطة بتغيّر المناخ. وحدّدت المخاطر المرتبطة بالتغيّر المناخي بارتفاع درجات الحرارة، وارتفاع مستوى سطح البحر، وتغيّر أنماط هطول الأمطار؛ وهو ما يتسبّب بحدوث فيضانات، وحالات جفاف، وانخفاض في توافر المياه، وتدهور التربة، حيث يؤدي تغيّر المناخ إلى تفاقم نقاط الضعف، ويهدّد سبل العيش، ويؤثّر في النزاعات القائمة.
ووفق هذه الدراسة، فإنّ الظواهر المناخية القاسية دمّرت مرافق الريّ، وأدت إلى فقدان سبل العيش الزراعية؛ ما أدى إلى زيادة انعدام الأمن الغذائي وسبل العيش، وإنه في ظل عدم وجود إدارة بيئية قوية، وأنظمة إنذار مبكر، رجّحت أن تؤدي الظواهر المناخية المتطرّفة المتعلّقة بالمناخ إلى زيادة الخلافات على الموارد الطبيعية.
مساحة الأراضي الزراعية 1,6 مليون هكتار من إجمالي 45,55 مليون هكتار
المعهد النرويجي أوصى السلطات اليمنية ومنظومة الأمم المتحدة بإجراء تقييم شامل لمخاطر السلام والأمن، المتعلقة بالمناخ والبيئة، مع مراعاة المخاطر التي تتعرّض لها الفئات الضعيفة بشكل خاص، مثل النساء والفتيات والشباب والمهاجرين والأقليات.
وقال إنه يمكن أن يسترشد التقييم بأنظمة الإنذار المبكر، والحدّ من مخاطر الكوارث، والاستجابات؛ للتخفيف من المخاطر المتعلقة بالمناخ والمساعدة في تعزيز النظم والآليات المحلية لمنع، وحل، وإدارة المظالم والصراعات المحلية المتعلقة بالأراضي والمياه والموارد الطبيعية.
مبادرة "حلم أخضر" المعنية بالحفاظ على الطبيعة قدّرت مساحة الأراضي الزراعية في اليمن، بحوالى 1,6 مليون هكتار من إجمالي مساحة البلاد المقدرة بـ45,55 مليون هكتار. منها 51% أراضي مطرية، و31% أراضي مروية من الآبار، و10% أراضي مروية من الفيضانات، و6% أراضي مروية من السدود، و2% أراضي مروية من الينابيع.
وبيّنت المبادرة أنّ التغيّرات المناخية في السنوات الأخيرة، أثّرت بشكل كبير على إنتاجية المحاصيل في مواسمها وتراجعت مساحة الأراضي ومنها الإنتاج الزراعي. وذكرت أنه خلال العقد الأخير وبفعل التغيّرات المناخية، بالإضافة إلى تداعيات الحرب، تراجعت المساحة المحصولية في الأراضي الزراعية. وحذّرت من أنّ هذا الانخفاض في المساحة من شأنه التأثير على إنتاجية القطاع الزراعي الذي يشكّل مصدرًا أساسيًا لتوفير جزء كبير من احتياجات السكان من الغذاء خاصة في المناطق الريفية.
حرب... وتغيّرات مناخية
البيانات الحكومية تُظهر تدنّي المساحة المزروعة من البلاد، حيث ان إجمالي ما يتم استثماره من الأراضي الزراعية لا يتجاوز مليونًا و600 ألف هكتار، وهذه المساحة لا تمثّل سوى 2.5% فقط من المساحة الإجمالية للبلاد. حيث تستحوذ الحبوب على أغلب المساحة المزروعة بنسبة 57%، بينما تتوزع نسبة 40% على الفاكهة والخضروات والمحاصيل النقدية والأعلاف والقات. وتبلغ مساحة البقوليات 3%.
شبكة الإنذار المبكر التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) نبّهت إلى أنّ المخاطر في اليمن عالية بشكل مثير للقلق وتتزايد باستمرار، وقال إنّ الدوافع الرئيسية للضعف الشديد منذ عام 2021، سببه انعدام الأمن الغذائي وندرة المياه والفسادـ وعدم كفاية تمويل التكيّف مع تغيّر المناخ.
وتظهر بيانات المنظمة أنّ اليمن شهد تدهورًا ملحوظًا في مخاطر المناخ، مدفوعًا بزيادة قدرها عشرة أضعاف الأثر البشري للكوارث الطبيعية. ومع ذلك فإن البلاد تبني ببطء قدرتها على الصمود في وجه مخاطر المناخ، إلى حد كبير، نتيجة لزيادة التدفقات المالية للتكيّف مع المناخ. وتؤكد أنّ اليمن أكثر عرضة لمخاطر الموارد الطبيعية، بسبب الاعتماد المتزايد على الزراعة، وهو قطاع معرّض بشكل خاص للتأثيرات المناخية الضارة. وذكرت أنه بدون إجراءات مناسبة لتخفيف المخاطر، فإنّ اليمن يواجه احتمالية عالية لوقوع "أعمال عنف".
(خاص "عروبة 22")