بصمات

اللحظة القوميّة العربيّة المتفجّرة!

أعادت القضية الفلسطينية زخم الحشد العربي / الإسلامي والعالمي حولها، باعتبار فلسطين قضية عربيّة أولى قبل كل شيء، وتتطور المسألة المركزية مع الأزمات، من مبادرة سلام عربية طرحت في القمة العربيّة في بيروت 2002، إلى "نقطة دم" فلسطينية متفجّرة عالميًا بعد "طوفان الأقصى" - 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، على يد مجاهدين فلسطييين طالهم الظلم التاريخي والإحتلال الاسرائيلي والإكراه الاستيطاني.

اللحظة القوميّة العربيّة المتفجّرة!

وتكرّست اللحظة مجددًا في المؤتمر الأول من نوعه، الذي عقد في المملكة العربية السعودية وجمع إليه أكبر حشد عربي وإسلامي من 57 دولة، وأعاد طرح مبادرة سلام عربية وإسلامية شاملة ومن موقع القوة الجديدة التي تمثّلها تلك الدول سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، ومنها العودة إلى فكرة القوميّة تحت عنوان واحد ولغة واحدة: رفض الحرب والعدوان الوحشي الإسرائيلي، وإيقاف الإنتهاكات الإنسانية والحرب الشاملة على الفلسطينيين، وتحمّل المجتمع الدولي مسؤولية دمار الإنسان والعمران، والعمل على تحقيق الأمن والاستقرار. ما يعني أنّ العروبة تحتاج إلى شريك أو شركاء حقيقيين من المؤسسات الدولية ومن العالمية الإنسانية، ومن أصوات مريدي السلام والعدل، وليس الحروب والفوضى المدمّرة والشعبويات الدينية والعرقية التي تكسّب عادةً في حالة الحروب.

حدثان تاريخيّان أنهيا اللحظة القومية العربية: النكسة أمام إسرائيل سنة 1967، والثورة الإسلامية الإيرانية سنة 1979

لا توجد قوميّة قديمة أو جديدة. لكن الظروف هي التي تجعلها قديمة أو جديدة. هي ليست مجرد معنى، وانما أثر مقيم، وأصل ومرجعية، ونقاشات من النوع الذي كان عرض له كتاب صادر حديثًا "اللحظة القوميّة العربيّة" ( عن دار النهار للنشر ) للمؤلف شارل رزق، أحد رموز الشهابية الأصيلة. الكتاب تناول أهم التحوّلات التي عصفت بالمنطقة في العقود الأخيرة، والقضية الفلسطينية كانت جزءًا من تلك التحوّلات والمتغيّرات. عمق القضية التي يعالجها هو انهيار الناصرية في ستينات القرن الماضي بالسرعة التي قامت بها في الخمسينات. كانت لحظة بدورها متفجّرة في التاريخ العربي الطويل، الذي أمل خلاله العرب تحقيق حلم قديم افتقدوه منذ مئات السنين منذ القرن الثامن الميلادي، الذي شهد سقوط دولة الأمويين. فاحتفاظهم بالخلافة طيلة العصر العباسي لم يمنع انتقال الحكم الفعلي إلى وزراء وبعدهم إلى سلاطين مثّلوا شعوبًا أعجمية فارسية أو تركية، كان لها الغلبة على العرب في دولة إسلامية من الأوسع انتشارًا في التاريخ.

العبرة من ذلك التاريخ العلمي، هي في استخراج الدروس من القدر الذي آلت إليه الأمور من قيام إيديولوجيا القومية العربية في القرن العشرين، مرحلة جمال عبد الناصر في خمسينات القرن، والقاعدة التي بنى عليها تجربته السياسية، مرورًا بالهزيمة العربية 1967، ونهج السادات التراجعي 1973، والثورة الإسلامية الايرانية التي ختمت التخلي عن هذه القومية العربية بامتدادها إلى الدول العربية.

الحداثة ليس أن تكون ضد القومية، بل أن تنطلق منها والبناء عليها

الخلاصة أنّ حدثين تاريخيّين أنهيا اللحظة القومية العربية: النكسة العربية أمام إسرائيل في الخامس من حزيران/يونيو 1967، والثورة الإسلامية الإيرانية سنة 1979. ويتزامن اصدار الكتاب في اللحظة التي أدخلت شارل رزق كمؤرخ يوميات معاصرة مع اندلاع الحرب على غزّة، كإحدى النواحي الأكثر تأثيرًا في رسم تحوّلات الشرق الأوسط، وفي مقاربة الجدلية نفسها، القومية والشعبوية التي انتظم التاريخ حولها، وصولًا إلى التحري عن ملامح إيديولوجيا القومية العربية في مفاهيمها المستحدثة، وما ستؤدي إليه الظروف الناشئة في المنطقة والعالم، ومصير الدولة الوطنية والقطرية.

المادة خاضعة للنقاش. فالحداثة ليس أن تكون ضد القومية، بل أن تنطلق منها والبناء عليها. وتحديدًا في كل ما يتعلق بتفاصيلها وتشنّجاتها وأزماتها المتلاحقة بعد كل هذه السنيين بشكل مفيد / أساسي في المراجعة لفكرة دخلت في فن الحذف والإلغاء والتحريف والتعصّب والتكرار حتى التلف، وثبت أنه لا يمكن الخروج منها . صارت ثابتة/الحقيقة المعاصرة مع القضية الفلسطينية على أرضها الصلبة. العالم سئم من صدام الهمجيات وفي محاولة كسر الجدار في لحظة إستثنائية، تحتكم إلى مبادرات تركّز على ما يريده فعلًا الشباب على الأرض وفي كل مكان.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن