تساؤلات كثيرة ما زالت تتردد في أوساط معظم الأوساط السياسية اللبنانية التي ما زالت "شبه مصدومة" من التصريحات والتعليقات التي أدلى بها مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سوريا ولبنان توماس برّاك، سفير الولايات المتحدة في تركيا، عقب لقائه مع الرئاسات اللبنانية الثلاث: رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس الحكومة الاثنين الماضي في بيروت وثنائه "المفرط" على الرد اللبناني الذي أعدته "اللجنة الرئاسية الثلاثية" على الورقة الأمريكية - الإسرائيلية وما احتوته من تحذيرات وتهديدات ومواقف التصعيد العسكرية ضد لبنان من دون أي أدنى درجة من الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته الولايات المتحدة بين "حزب الله" وإسرائيل، وإصرار إسرائيلي مدعوم أمريكياً بإتمام تسليم "حزب الله" كل أسلحته قبل أي تفكير إسرائيلي في وقف الهجمات والطلعات الجوية أو الانسحاب من أي من التلال الخمس التي احتلتها القوات الإسرائيلية.
ما جرى تسريبه من معلومات تتعلق بما تضمنه الرد اللبناني الذي أعدته "اللجنة الثلاثية" واعتمدته الرئاسات الثلاث وقدمته للمبعوث الأمريكي لم يتضمن استجابات صريحة للمطالب وللشروط الإسرائيلية، لكنه تضمَّن موقفاً وسطياً بين مواقف رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الملتزمة بأن تكون الدولة اللبنانية وحدها هي التي تستحوذ على الأسلحة من دون غيرها، ما يعني قبول ودعم لمطلب إرغام "حزب الله" بتسليم أسلحته وبين موقف "حزب الله" الذي جرى التعبير عنه عبر خطابات لأمينه العام الشيخ نعيم قاسم ومصادر وقيادات سياسية مسؤولة في الحزب ترفض بالمطلق ما تسميه "تسليم سلاح المقاومة".
فقد تضمن الرد الثلاثي الذي يعبّر عن "الرئاسات الثلاث" ومن ثم يعبّر عن الموقف الرسمي اللبناني مواقف مهمة أبرزها:
- تأكيد التزام لبنان من جانبه بكامل الموجبات المترتبة عليه بموجب تفاهمات «وقف الأعمال العدائية» الناتجة عن القرار 1701، فيما أقدمت إسرائيل على أكثر من 3000 خرق للقرار موثقة من جانب قيادة قوات الطوارئ الدولية "اليونيفيل" بما يشكل انتهاكاً صارخاً للسيادة اللبنانية وللقانون الدولي.
- يشدد لبنان على أهمية التجديد لقوات "اليونيفيل"، وتمكينها من أداء مهامها بالتنسيق مع الجيش اللبناني.
- يؤكد الجيش اللبناني أنه قام بتفكيك منشآت عسكرية غير نظامية (تابعة لحزب الله) في مناطق جنوب نهر الليطاني في سياق تعزيز سلطة الدولة وسيادتها وتثبيت منطقة خالية من أية مظاهر مسلحة خارج إطار الدولة، الأمر الذي يشكل خطوة جوهرية في اتجاه التهدئة وتنفيذ الالتزامات الدولية.
- يدعو لبنان إلى الانسحاب الفوري وغير المشروط لإسرائيل من النقاط (التلال) الخمس التي احتلتها داخل الأراضي اللبنانية وكذلك من المناطق الحدودية المتنازع عليها وعلى رأسها "مزارع شبعا" وتلال كفر شوبا، ويجدد المطالبة بإعادة الأسرى والموقوفين اللبنانيين لدى إسرائيل وبتوضيح مصير الموقوفين.
هذه البنود وغيرها متضمنة في الرد اللبناني الذي تسلمه توماس برّاك والذي "للغرابة" أثنى عليه بشكل غير متوقع بعبارات منها أنه "راضٍ للغاية عن رد الحكومة" وأنه "ممتن كثيراً للرد اللبناني" وأن الرد "مدروس وموزون" وأن "ما قدمته الحكومة (اللبنانية) كان رائعاً في وقت قصير جداً" و"أشعر برضى لا يصدق حيال هذا الرد"، ناهيك عن التطمينات التي بشّر بها وكلامه "غير المسيء" عن حزب الله، والتعامل معه ليس بصفته "إرهاباً" بل كحزب سياسي لبناني.
هذه التعليقات وخاصة حديثه عن أن "الحديث عن سلاح حزب الله شأن لبناني" وخاصة قوله: "لا نُملي على لبنان ما يجب عمله بخصوص حزب الله الذي يعتبر حزباً سياسياً وله جناح عسكري" وأن "على لبنان أن يتعامل مع الحزب وليس مع الولايات المتحدة"، كانت لها انعكاسات إيجابية على مجمل الأوساط اللبنانية باستثناء "حزب القوات اللبنانية" ورئيسه سمير جعجع الذي رفض "الرد اللبناني" شكلاً وموضوعاً. فقد رفض توافق الرئاسات اللبنانية الثلاث على "موقف وطني مشترك" ورفض مضمون الرد وهدد وزراؤه بالانسحاب من الحكومة الأمر الذي قد يؤدي إلى إسقاطها.
الانعكاسات الإيجابية لتعليقات الموفد الأمريكي، رغم أهميتها، فتحت الأبواب لتساؤلات من نوع: هل هذا الموقف الأمريكي "مراوغ" أم حقيقي، بمعنى أنه مهادنة لتمرير ملفات أخرى متشابكة معه مثل ملف وقف النار في غزة، وملف التفاوض الإيراني- الأمريكي المتوقع وملف دفع سوريا لمزيد من التقارب مع إسرائيل عبر مبادرات أمريكية لا تنقطع كان آخرها إلغاء اعتبار جبهة النصرة "منظمة إرهابية"، بعد إسقاط العقوبات عن سوريا.
من بين هذه الأسئلة أيضاً سؤال لم يغب عن أوساط حزب الله والمقاومة عموماً وهو أن صلابة موقف المقاومة والحزب هو الذي وضع الرئاسات الثلاث أمام مسؤولياتها وحفز الوسيط الأمريكي لما يمكن اعتباره "حلولاً وسطية". مضامين مهمة يمكن أن تشكِّل خلفيات مقبولة لتفاؤل لبناني حذِر، ضمن تساؤل كبير يقول: هل استطاع لبنان أن يفلت من "عنق الزجاجة؟".
(الخليج الإماراتية)