قضايا العرب

ألمانيا تخطف أبناءنا... "شاهد قبل الحذف"!

باريس - مزن مرشد

المشاركة

في مشهد درامي أقرب لأفلام "الأكشن"، انتشر منذ فترة، على منصات التواصل مقطع يظهر فيه رجال مكتب حماية الأطفال في ألمانيا، أثناء أخذهم لطفل من أسرته، تظهر فيه اثنتان من النسوة ترتديان ما يشي بانتمائهما الديني، وتصرخان بعويل كي يتركوا الطفل الذي لا يتجاوز الثامنة من عمره، بينما الطفل كان أيضًا يرفض مرافقة رجال المكتب.

ألمانيا تخطف أبناءنا...

انتشر المقطع كالنار في الهشيم مذيّلًا بعنوان جذّاب للبعض، مثل ألمانيا تخطف الأطفال من المسلمين، شاهد قبل الحذف كيف يخطفون الأطفال المسلمين من أهلهم، أسباب استقبال أوروبا للاجئين أنها تريد أولادهم ... إلخ من مثل هذه العناوين دون أي تنويه وإيضاح لأسباب أخذ الطفل، أو كيف وصل الحال به إلى هذه الدرجة.

على الرغم من مرور عدّة سنوات على الضجة المثارة في عدة دول أوروبية، حول سحب الأطفال في بعض الدول، وفي مقدّمتها السويد وألمانيا لأطفال سوريين وعرب، إلا أنّ القضية لا تزال تتفاعل بين الأسر السورية خاصةً والعربية عامةً في ألمانيا تحديدًا، خاصةً مع اتهام بعض العائلات لمكتب رعاية الشباب والأطفال في ألمانيا باختطاف الأطفال، بطرق غير قانونية، بهدف إبعادهم عن دينهم وقيم مجتمعاتهم الأصلية.

الخوف من "اليوغند آمت"

يُعتبر مكتب رعاية الشباب والأطفال في ألمانيا، أو "اليوغند آمت"، المؤسسة الأولى المعنيّة بالبحث في القضايا المتعلّقة بالأطفال والمراهقين تحت السن القانوني، لا سيّما فيما يتعلق بقضايا التعرّض للتعنيف أو سوء المعاملة أو التحرّش، بالإضافة إلى البحث في مدى تأمين الأسرة أجواء وبيئة صحية لنشأة الطفل أو المراهق، بما يضمن توفير الحماية اللازمة له.

لكن نظرة العرب عمومًا لعمل هذا المكتب ليست حيادية، فالخوف منه يطال الجميع بخاصة المنحدرين من بيئات محافظة، أو تلك التي ما تزال تعتبر أنّ الأطفال "ملكية شخصية"، فيتساءل "إبراهيم س"، وهو أب لطفل سحبته الدولة من رعاية الأسرة: "هل الألمان سيعرفون مصلحة أولادي أكثر منّي؟ هل ألمانيا أحنّ على ابني مني؟ أريد أن أربّي ابني، حتى لو قسوتُ عليه أو ضربتُه ما المانع؟ كلّنا ضُربنا في صغرنا وها نحن رجال وأطباء ومهندسون لم نمت من ضرب أهلنا"، ويضيف لـ"عروبة 22": "يا سيدتي أخذوا ابني لأنهم يريدون أبناءنا أن يصبحوا مثلهم".

"أبو محمد" الحانق جدًا على مكتب رعاية الأطفال، الذي من المحتمل أن يسحب منه أحد أطفاله قريبًا، يرى أنّ له الحق في تربية أولاده بما يراه هو مناسبًا لهم وليس للدولة الألمانية، ويعتبر أنّ إعطاءه حقّ اللجوء والسكن والمساعدات الاجتماعية والمساعدة الصحية (تم علاجه من إصابة كان من الممكن أن تودي بحياته) لا تعطي للدولة الحق أن تمنعه من اتباع أسلوبه في تربية أطفاله ويردف بغضب: "أولادي وأنا حرّ فيهم".

في السياق ذاته، وضمن تخوّفها من انصهار بناتها الثلاث بما أسمته "الانفلات الأوروبي"، تلوم نهيلة أبو حامد مكتب رعاية الأطفال وتجزم بأنه لا يتحقّق بشكل جدّي من شكاوى الجيران أو شكاوى الأطفال أنفسهم، فيتخذون قرار "سحب الطفل" بشكل سريع وغير عادل، على حسب ما سمعت من الناس.

وهنا يردّ "أيهم" (فضّل عدم ذكر اسمه الحقيقي كونه موظفًا في اليوغند آمت): "أحزن عندما أسمع هذه الآراء لأنني في هذا العمل منذ سنوات وأعرف تفاصيله جيدًا، لكن مع الأسف تعوّدنا كعرب بشكل عام، وسوريين بشكل خاص، على التشكيك بكل شيء، ورمي التهم جزافًا"، ويضيف موضحًا لـ"عروبة 22": "عمل "اليوغند آمت" مؤطّر بإطار قانوني لا يمكن تجاوزه، ولا يتم أخذ الطفل إلا بقرار محكمة، بعد عدة جلسات وتوثيقات أكيدة لحالة الطفل في أسرته، فالمكتب مهمّته بحسب القانون توثيق الحالات، والتأكد من الظروف الأسرية والمعيشية التي يعيشها الطفل، مع مراعاة خصوصية كل حالة من الحالات، والتعامل بشكل خاص معها، كما هو الحال مثلًا عند تعرّض الطفل لعنف بآثار ظاهرة على الجسد أو الوجه، عندها تكون الأولوية لتوفير الحماية للطفل من خلال سحبه ووضعه في مركز رعاية، إلى حين التأكد من الحالة التي يعيشها الطفل.

ويؤكد "أيهم" أنّ مخاوف الأسر العربية من قضية سحب الأطفال "مبالغ فيها بشكل كبير"، لافتًا إلى أنّ "معظم ما نُشر عن الموضوع على السوشال ميديا لم يذكر أبدًا التفاصيل كاملة للقصة، بغية تأجيج الرأي العام ضد مؤسسة "اليوغند أمت"، ورفض الاعتراف بوجود خلل كبير داخل هذه الأسر قاد إلى سحب الأطفال منها".

ويستطرد بالقول: "يجب أن تدرك الأسر السورية والعربية إجمالًا، أنّ هذه المؤسسة موجودة قبل وجودهم في البلاد بعقود، ومهمة "اليوغند آمت" تشمل جميع الأطفال الألمان قبل المهاجرين، والحالات التي يتحرّك فيها تكون بناءً على شكوى رسمية من أحد الجيران أو من المدرسة أو بموجب ضابط شرطة رسمي يوضح أنّ الطفل يعاني من وضع غير طبيعي، مثل المرض المتكرّر، أو آثار ضرب، أو تحرّش أو عدم ارتدائه ملابس مناسبة للطقس، أو وجود حالات شجار مستمرّة بين الوالدين ما قد يؤثّر على صحة الطفل النفسية"، لافتًا إلى أنه "في مثل تلك الحالات يمنح القانون الألماني لمكاتب رعاية الشباب الحق بالتدخل السريع لتوفير الحماية الملائمة للطفل ومن ثم الشروع في الخطوات القانونية اللاحقة".

أما الباحث في شؤون اللاجئين والخبير القانوني، محمد عبد المولى، فيرى أنّ منبع قلق الأسر السورية من سحب الأطفال هو "خشيتهم من إمكانية فقدان الطفل لهويته الدينية وهي الأهم بالنسبة لهذه الأسر"، مضيفًا لـ"عروبة 22": "الكثير من الأسر تأثّرت بالقصص التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، على الرغم من أنها كانت قصصًا من طرف واحد (الأسرة) ولم يتم النظر إلى الظروف التي يعيش فيها الطفل قبل سحبه، إذ إنّ هناك حالات كثيرة لأوضاع مأساوية يعيشها الأطفال داخل أسرهم، وبعض تلك الحالات كنتُ شخصيًا شاهدًا عليها، كأن يعاني الطفل من الضرب المبرح، أو البخل الشديد للأب، أو من حالة تفكّك أسري كبير".

إلا أنّ عبد المولى يعتبر في الوقت نفسه أنّ "الحديث عن وجود بعض التجاوزات القانونية لبعض الموظفين هو شيء محتمل الحدوث في الكثير من المؤسسات والمجالات الأخرى، غير أنّ ذلك لا يغيّر في جوهر القضية لناحية كون معظم الأطفال أو المراهقين الذين يتم سحبهم من أسرهم يعانون من ظروف سيّئة داخل تلك الأسرة لأسباب شتى، خصوصًا وأنّ الكثير من أولئك الأطفال والمراهقين يتوجهون بكامل إرادتهم إلى مكاتب الرعاية"، على حد قوله، مع الإشارة إلى أنّ المهمة الأساسية لمكتب الرعاية وفقًا للقانون، هي تأمين كل ما يحتاجه الطفل وتخصيص راتب شهري يغطي مصاريفه، وتعيين وصي عليه بموجب قرار محكمة حتى يبلغ سنّ الرشد.

"أبو محمود" يخشى هو الآخر على بناته، موضحًا أنّ الكثير من الأطفال السوريين الذين نشأوا في المجتمع الألماني يريدون أن يعيشوا بالطريقة ذاتها التي يعيشها أقرانهم دون مراعاة الفوارق المجتمعية والثقافية، ويقول لـ"عروبة 22": "لا أريد لبناتي أن يندمجوا بهذه الحياة، ولا حتى يختلطوا بأحد، فأسلوب الحياة الأوروبي لا يناسبنا ولا يناسب عاداتنا وتقاليدنا، وأنا أعرف جيدًا مصلحة أولادي وأريد أن أربيهم بما يرضي الله، ما العيب إذا قسوتُ قليلًا على بناتي من أجل مصلحتهن؟ حتى لو ضربتها بـ"الكف" سيعتبرون هذا عنفًا"، يضيف أبو محمود، الذي انتقل مؤخرًا إلى منطقة غالبيتها من الأتراك والسوريين ويقول: "الآن أنا مرتاج نعيش في محيط من الجيران يشبهوننا وكأننا نغيش في بلد مسلم والحمدلله".

وعند سؤاله عما إذا كان لديه الخوف ذاته على أبنائه الذكور، حاول أن يخبّئ ضحكته ثم قال حرفيًا: "هدول رجال نحن علينا ندلهم عالطريق السليم وهم يسطفلوا".

مما استخلصته من خلال الحالات التي تحدثتُ معها، ومن خلال ما خَبرته عن مكتب رعاية الأطفال والشباب في أوروبا بشكل عام، مع اختلاف تسمياته حسب كل دولة، فإنّ هذه المكاتب لا يمكن أن تقدم على سحب الأطفال إلا بقرار المحكمة،  وبعد التأكّد من عدم أهلية الأسرة لرعاية الطفل.

ويبقى أحد أبرز جوانب القضية هو أنّ معظم المهاجرين انتقلوا إلى هذه البلاد بحثًا عن الأمان أو الحياة الأفضل، لكنّ بعضهم أحضر معه بعض أخطر عقد مجتمعاتنا الشرقية ومنها على سبيل المثال "ثقافة العنف" في تربية الأولاد، سواء العنف الجسدي أو التعنيف اللفظي الذي يؤدي إلى عنف نفسي لا يقل ضررًا عن العنف الجسدي... فـ"قاتلُ الجسم مقتولٌ بفعلته وقاتلُ الروح لا تدري به البشر".

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن