إنّ حجم التحديات يتطلّب خططًا متكاملة تستهدف تحقيق النهضة الشاملة، اذ إنّ العراق شهد انقطاعًا تنمويًا بسبب الحروب والحصار والاحتلال وعمليات مواجهة الإرهاب، وهو ما جعل الحكومة، تعمل على إعادة التنمية إلى مسارها الصحيح، بما في ذلك رفع وتيرة تنفيذ المشاريع الموجودة، فأولت الحكومة اهتمامًا بالمشاريع الاستراتيجية التي تنسجم مع رؤية التنمية المستدامة 2030، ومن بينها مشاريع البنى التحية، والطاقة النظيفة، وطريق التنمية، وميناء الفاو وغيرها، وتوفير أفضل الظروف لتحقيق أهداف الخطة الخمسية من قبل الجهات المعنية بتنفيذها.
وقد إنخفضت مساهمة قطاعات الصناعات التحويلية والزراعية في توليد الناتج المحلي الاجمالي استنادًا إلى التقرير الاقتصادي العربي الموحّد 2023، إذ تساهم الزراعة والصيد والغابات بنسبة 5% في توليد الناتج المحلي الإجمالي للعراق، والصناعات التحويلية بمقدار 1.9%، في حين تساهم الصناعات الاستخراجية بنسبة 44.2%، التشييد 2.3% الكهرباء والغاز والماء يمثل 2.7% والتجارة 9%، النقل 9.8%، التمويل 0.7%، الإسكان 5.5%، الخدمات الحكومية 4.3%، وأخيرًا الخدمات الأخرى 3.3%، وهذا يمثّل خللًا هيكليًا في الاقتصاد العراقي؛ إذ إنّ مساهمات القطاعات السلعية منخفضة جدًا في توليد الناتج المحلي الإجمالي وهذا يؤدي إلى تعميق مشكلة الاقتصاد العراقي، والتي لا ترى نموًا حقيقيًا في القطاعات الإنتاجية وإنما نموًا في عائدات الحكومة النفطية نتيجة تحسّن أسعار النفط خلال عامي 2021 و 2022.
يجب أن تُبنى الخطة التنموية الخمسية على أساس التحوّل الرقمي
إنّ الحكومة ماضية في بناء شبكة علاقات اقتصادية مع دول العالم، لتكون خطة التنمية الجديدة ذات أبعاد اقتصادية تستند إلى سياسة التنوّع الاقتصادي؛ حيث وضعت الحكومة أساسات للتنوع الاقتصادي، ومن بينها تأسيس الصندوق العراقي للتنمية، الذي يهدف إلى تكوين بيئة استثمارية متكاملة، وإطلاق المبادرات التي تستهدف تغيير نمط الاقتصاد الريعي، كمبادرة ريادة، التي تساعد الشباب في استثمار أفكارهم بقطاعات منتجة بالإضافة إلى دعم القطاع الخاص من خلال منحه ضمانات سيادية، تسهم في تشجيع بيئة الأعمال والاستثمار. اذ إن عملية تحقيق التنوع الاقتصادي، وتوفير بيئة استثمارية خصبة، وإدخال القطاع الخاص بقوة في المشهد التنموي وبناء شبكة من العلاقات الاقتصادية بين العراق وبلدان العالم، ستساهم في بناء العلاقات الاقتصادية على أسس المصالح المتبادلة.
ولتحقيق الأهداف الاقتصادية والتنموية، ينبغي العمل على إصلاح القطاع المصرفي والمالي، عبر أتمتة جميع الفعاليات والأنشطة الاقتصادية والخدمية، حيث جرى الشروع بأتمتة العمل في المنافذ الحدودية، والتأسيس للتحوّل نحو استخدام الدفع الإلكتروني، في جميع التعاملات السوقية والتجارية، إذ يجب أن تبنى الخطة التنموية الخمسية على أساس التحوّل الرقمي، من خلال اعتماد الأنظمة الإلكترونية في جميع مفاصل الحياة، وعلى طريق تحقيق بيانات ومؤشرات تنموية سليمة من أجل إنجاح الخطط التنموية، من خلال إجراء التعداد السكاني في العام المقبل 2024، وتوفير جميع المتطلّبات المالية واللوجيستية لإنجاحه.
إهتمّت الحكومة بالخطط والمشاريع الاستراتيجية التي تنسجم مع رؤية التنمية المستدامة 2030، وتدعو الجميع إلى المساهمة الفاعلة في بناء خطة وطنية خمسية للتنمية، تتناسب وحاجة العراق إلى تنمية حقيقية مبنية على أسس سليمة، فقد آن الأوان لتكون خطة التنمية الجديدة، ذات أبعاد اقتصادية تستند إلى فلسفة التنوع الاقتصادي، حيث عملت على إصلاح القطاع المصرفي والمالي، عبر أتمتة جميع الفعاليات والأنشطة الاقتصادية والخدمية، كما شرعت بأتمتة العمل في المنافذ الحدودية، والتأسيس للتحوّل نحو استخدام الدفع الإلكتروني، في جميع التعاملات السوقية والتجارية، لا سيما وأنّ الخطة التنموية الخمسية يجب أن تتبنى التحوّل الرقمي.
إنّ الخطة الخمسية، ينبغي أن تضع مساحة لتحقيق الحكم الرشيد، وتضع الآليات المناسبة لمحاربة الفساد، وتجفيف منابعه حيثما كانت، كما أنّ وجود خطة خمسية للتنمية، قابلة للتحقق، يشير إلى حالة من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والأمني، إذ يجب أن تنعكس نتائج الخطط التنموية إيجابًا على الشرائح الهشة في المجتمع، من خلال توفير السكن والتعليم، والصحة، وتحسين مستوى الدخل، إذ تعمل الحكومة على خفض نسب الفقر والبطالة، عن طريق شبكة الحماية الاجتماعية، وتحسين السلة الغذائية، والاهتمام بمشاريع الصحة والتعليم، والخدمات والبنى التحتية.
لكي يكون نشاط القطاع الخاص أكثر فاعليّة ينبغي إعادة النظر بجملة من التشريعات والقوانين
ووفقاً لوزارة التخطيط العراقية، فإنّ القطاع الخاص يسهم في تشغيل 50 إلى 55% من الأيدي العاملة في العراق، الأمر الذي يستدعي منح هذا القطاع الفرصة الكاملة لتعزيز تواجده في مختلف المحافل الاقتصادية، فالقطاع الخاص يُعد شريكًا أساسيًا للقطاع العام في تحقيق النمو، بحيث تصل نسبة مشاركة القطاع الخاص في توليد الناتج المحلي الإجمالي إلى 37% في العراق، وهذه النسبة تبدو عالية لكن في الحقيقة هي أقل من النسبة المطلوبة مقارنة بالدول المتقدمة والنامية، حيث بلغت مساهمة القطاع الخاص في توليد الناتج المحلي الإجمالي في مصر 73.3%، والصين 60%، والسعودية 51%، وتركيا 41.3%.
إنّ مؤشرات القطاع الخاص في العراق تقسّم إلى صنفين، الأول قطاع خاص منظّم وآخر غير منظّم، إذ إنّ النسبة الأكبر تكون للقطاع الخاص غير المنظّم، ولكي يكون نشاط القطاع الخاص أكثر فاعليّة ينبغي إعادة النظر بجملة من التشريعات الحاكمة والناظمة وكذلك القوانين التي تنشِّط فاعلية ومساهمة هذا القطاع، فضلًا عن ضرورة تفعيل استراتيجة القطاع الخاص التي أكدت عليها وزارة التخطيط منذ سنوات بالتعاون مع جهات وطنية ومنظمات دولية.
وفي الختام، لا بد من الإشارة إلى ضرورة الاستثمار في المفاصل الأساسية في الاقتصاد الوطني وترك الحلقات الثانوية للقطاع الخاص للاستثمار فيها بحرية واسعة وفقًا لمعطيات السوق الداخلية والخارجية، إذ إنّ القطاع الخاص يعاني من سياسة الإغراق بالسلع المستوردة التي جعلت معظم الصناعات الصغيرة والمتوسطة غير قادرة على المنافسة في السوق.
(خاص "عروبة 22")