اقتصاد ومال

"COP28".. قرارات تاريخية وخيبة أمل للبلدان النامية

القاهرة - أحمد شوقي العطار

المشاركة

بعد 28 عامًا من مفاوضات المناخ الدولية، توصّل العالم إلى اتفاق بشأن قضايا خلافية كبرى مثل الوقود الأحفوري والخسائر والأضرار. لكن رغم الإنجازات الكبرى والتاريخية التي تحققت في قمة المناخ (COP28) التي انعقدت في دبي قبل أيام، إلا أنّ النتائج النهائية لم تخلُ من علامات استفهام بشأن طرق تنفيذ هذه القرارات، تحديدًا فيما يتعلق بالتمويل المطلوب للدول النامية من أجل الابتعاد عن الوقود الأحفوري والتكيّف مع آثار تغيّر المناخ على حد سواء.

خرج النص النهائي لأول تقييم عالمي لاتفاق باريس، بعد مفاوضات مطوّلة، شهدت انقسامات وخلافات بين فريقين، أحدهما يرفض أي بنود تتعلق بالتخلّص من الوقود الأحفوري، والآخر يؤيّد ضرورة إنهاء عصر الوقود التقليدي.

عملية التقييم العالمي هي عملية مدتها خمس سنوات، تسعى للتحقق من التقدّم المحرز في تحقيق أهداف اتفاق باريس 2015، وتسليط الضوء على العناصر المهمة للعمل المناخي العالمي، لتضعها الأطراف في حسبانها أثناء وضعها لخططها المناخية المعروفة باسم المساهمات المحددة وطنيا NDCs، في الجولة المقبلة منها، التي تبدأ في 2025.

في العامين السابقين للقمّة، أظهرت نتائج المرحلة الفنية من عملية التقييم أنّ البلدان بعيدة كل البعد عن تحقيق أهدافها المناخية الجماعية، ما وضع على عاتق مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين مسؤولية تحويل توصيات المرحلة الفنية إلى أفعال، من أجل تصحيح المسار.

في آخر أيام المؤتمر، خرج النص النهائي للتقييم العالمي الأول في 21 صفحة، متضمّنًا بنودًا تتعلق بـ6 محاور رئيسة للعمل المناخي، من بينها تخفيف الانبعاثات، والتكيّف، والخسائر والأضرار، ووسائل التنفيذ والدعم كالتمويل وبناء القدرات والتكنولوجيا.

بشكل عام، لا يتضمن نصّ التقييم سوى دعوات محدودة للعمل، حيث تستخدم معظم البنود، البالغ عددها 196 بندًا، أفعالًا مثل "يذكر" أو "يلاحظ" أو "يرحب" والتي لا تتطلّب أي نوع من الاستجابة من البلدان.

في الوقت نفسه، يحتوي النص على ثمانية قرارات، وثماني "دعوات"، والأخيرة هي الأضعف بين المصطلحات المستخدمة في قرارات مؤتمر الأطراف، لحث البلدان على اتخاذ إجراءات استجابة. ولم تتضمّن الصياغة أي أهداف على المدى القريب، وتشير فقط في بعض البنود إلى صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050.

الوقود الأحفوري وانتقال الطاقة

كان الوقود الأحفوري هو محور التركيز الرئيس بالنسبة للعديد من البلدان والجماعات البيئية، فيما يتعلق بالتقييم العالمي، باعتباره العائق الأكبر أمام تحقيق هدف الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض عند 1.5 درجة الذي ينص عليه اتفاق باريس، بخاصة بعد فشل جهود إدراجه في نتائج مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ "COP27" في مصر.

قبل محادثات دبي، أيّدت 106 دول من الاتحاد الأوروبي وأفريقيا ودول جزرية التخلّص التدريجي من الوقود الأحفوري. وفي الأسبوع الأول للمفاوضات، ناقشت الأطراف خيارات تتعلّق بمستقبل التعامل مع الوقود الأحفوري، من ضمنها خيار التخلّص التدريجي منه ومن الفحم أيضًا، وعدم استخدام أي فحم جديد، بجانب مضاعفة مصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات، ومضاعفة كفاءة الطاقة، ودور الغاز كوقود انتقالي.

في الخامس من ديسمبر/كانون الأول، صدرت مسودة أولية للتقييم تتضمّن 3 خيارات: التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري؛ أو التخلّص التدريجي من الوقود الأحفوري "بلا هوادة"؛ أو "لا يوجد نص"، أي أنه لن تكون هناك أي صياغة بشأن الوقود الأحفوري.

في اليوم التالي لإصدار النسخة، أرسل رئيس منظّمة الدول المصدّرة للنفط "أوبك" رسالة إلى الدول الأعضاء، سُرّبت لاحقًا لوسائل الإعلام، يحثّهم فيها على "رفض أي نص أو صيغة تستهدف التخلّص من الوقود الأحفوري، بدلًا من التركيز على الانبعاثات".

بالفعل، قادت المملكة العربية السعودية وعدد من أعضاء منظمة "أوبك" في قمة المناخ معارضة شرسة لبند التخلّص التدريجي من الوقود الأحفوري، وأيّدتهم مجموعة البلدان النامية ذات التفكير المماثل "LMDC"، التي تضمّ الصين والهند من بين دول أخرى.

في 11 ديسمبر/كانون الأول، أصدرت الرئاسة الإماراتية نسخة رابعة جديدة من نصّ التقييم، أزيلت منها عبارة "التخلّص التدريجي" من الوقود الأحفوري، واستبدلتها بصيغة فضفاضة "تدعو الأطراف إلى اتخاذ إجراءات يمكن أن تشمل تقليل إنتاج واستهلاك الوقود الأحفوري".

أثار النصّ إدانة سريعة وشبه عالمية من المفاوضين والمنظّمات البيئية، على رأسهم مبعوث المناخ الأمريكي جون كيري، ورئيس المناخ في الاتحاد الأوروبي ووبكي هوكسترا.

في الساعات الأولى من يوم الثالث عشر من ديسمبر/كانون الأول، طرحت رئاسة COP28 النسخة الخامسة والأخيرة من نصّ التقييم، التي دعت جميع البلدان إلى "المساهمة" في تحقيق مجموعة من الأهداف، بما في ذلك "الانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري، وتسريع العمل في هذا العقد الحرج والوصول إلى صافي الصفر بحلول عام 2050".

ورغم أنّ النتيجة النهائية لم ترقَ إلى مستوى "التخلّص التدريجي" الكامل الذي قال كثيرون إنه ضروري للحفاظ على هدف 1.5 درجة مئوية، إلا أنّ ردود الأفعال بشأن النصّ جاءت إيجابية في مجملها، لأنّ صيغة "الابتعاد" تبعث بإشارة قوية للأطراف لإنهاء اعتمادهم على الوقود التقليدي، على عكس صيغة "خفض الانتاج والاستهلاك" السابقة.

أما فيما يتعلّق بالثغرات، فأشار الكثيرون إلى أنّ الصفقة لم تُشر إلى طرق التنفيذ، ولا يوجد بها التزام واضح أو جدول زمني صارم لتحقيق ذلك، كما أنها لم تتضمّن سوى القليل جدًا من التمويل المناخي لدعم البلدان النامية في "الانتقال بعيدًا" عن الوقود الأحفوري.

كما أنّ بعض خبراء المناخ زعموا أنّ النصّ حدّد نطاق "الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة"، مما يعني إمكانية استخدامه في الصناعة أو كمواد أولية كيميائية. وقال العلماء إنّ الثغرات تشمل الدعوة إلى "تسريع" استخدام تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه لاحتجاز الانبعاثات الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري، وهو خيار يمكن أن يلعب دورًا ثانويًا في أحسن الأحوال، لكنه يفتح الباب مجددًا لاستخراج المزيد من الوقود الأحفوري.

وأخيرًا، يعترف النصّ بأنّ أنواع الوقود الانتقالية يمكن أن تلعب دورًا في تسهيل تحول الطاقة، في إشارة إلى الغاز باعتباره وقودًا انتقاليًا، وهو البند الذي دفعت به روسيا، صاحبة أكبر احتياطي للغاز بالعالم، وأصرّت عليه لتقبل باقي الصفقة، وهو ما اعتبره البعض ثغرة أخرى في النصّ. ودعا النص إلى التخفيض التدريجي لطاقة الفحم بلا هوادة، دون أن يحدّد تفسيرًا لعبارة "بلا هوادة"، مع الإلغاء التدريجي للدعم غير الفعّال للوقود الأحفوري، الذي لا يعالج فقر الطاقة أو مجرّد التحوّلات، في أقرب وقت ممكن.

التكيّف

توصّلت الأطراف في COP28 إلى قرار مهم آخر، وهو اعتماد إطار الهدف العالمي للتكيّف، الذي يهدف إلى توجيه الدول في جهودها لحماية شعوبها وأنظمتها البيئية من تغيّر المناخ.

نصّ اتفاق باريس على ضرورة وضع هدف عالمي للتكيّف، إلا أنه لم يقدّم تعريفًا واضحًا للهدف، ولم يحرز تقدمًا يُذكر بشأن تحديده منذ ذلك الحين.

ويمثّل هدف التكيف، منذ فترة طويلة، أولوية بالنسبة للدول الأكثر عرضة للمخاطر المناخية، وخاصة الدول الأفريقية التي اقترحت هذا الهدف لأوّل مرّة، ونجحت خلال COP26 في الدفع باتجاه وضع "برنامج عمل" لمدة عامين من أجل تحقيق الهدف، وأطلق عليه "غلاسكو- شرم الشيخ".

في دبي، اختتم برنامج عمل "غلاسكو- شرم الشيخ" أعماله بتكليف الأطراف بالاتفاق على "إطار عمل" يمكن للبلدان استخدامه لتوجيه تقدّم التكيّف. وقد تمحورت العديد من بنود النص النهائي حول المسائل الفنية، ومن بينها "المواضيع" التي ينبغي أن يغطيها الهدف، وهي: المياه، الغذاء، الصحة، النظم الإيكولوجية، البنية التحتية، القضاء على الفقر، والتراث الثقافي.

وفي إطار هذه المواضيع، ناقش المفاوضون الأهداف الفرعية التي يمكن أن تعمل البلدان على تحقيقها، مثل تحقيق الوصول الشامل إلى المياه النظيفة أو حماية 30٪ من النظم البيئية.

على جانب آخر، جاء النص النهائي ضعيفًا فيما يتعلّق بقضيّتي التمويل والمسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة في إطار التكيّف.

أرادت البلدان النامية أن تجعل التمويل جزءًا أساسيًا من المناقشة، وقالوا إنّ أيّ طموحات محدّدة في الإطار ستتطلّب استثمارات كبيرة، وهو ما لا يستطيع الكثير منهم تحمّله.

وتعهّدت الدول المتقدّمة في مؤتمر الأطراف السادس والعشرين في عام 2021 بمضاعفة تمويل التكيّف من مستوى 2019 بحلول عام 2025، بما يصل إلى حوالى 40 مليار دولار، لكن التقدّم نحو تحقيق هذا الهدف توقف في الآونة الأخيرة.

وفي النهاية خرج النص النهائي بلغة ضعيفة حول كل من التمويل والمسؤوليات المشتركة لكن المتباينة، وحُذفت صياغة سابقة تطلب من الدول المتقدّمة توفير التمويل للدول النامية.

لم يتضمن النص أيضًا أيّ أهداف قابلة للقياس، واكتفى بدعوة الأطراف في الانخراط ببرنامج عمل مدته سنتان لتحديد "المؤشرات" التي يمكن استخدامها لقياس مدى تحقيق التكيّف في المستقبل.

الخسائر والأضرار

إحدى النتائج المهمّة والتاريخية لمؤتمر المناخ هذا العام، هي تفعيل صندوق الخسائر والأضرار. ويستخدم مصطلح "الخسائر والأضرار" لوصف الأضرار والكوارث التي تنتج عن آثار تغيّر المناخ والطقس المتطرّف، ولا يمكن إيقافها أو توقعها.

لأكثر من ثلاثين عامًا، ناضلت الدول النامية من أجل الحصول على الأموال اللازمة لمساعدتها في التعامل مع الأضرار الناجمة عن آثار تغيّر المناخ، من الأعاصير إلى ارتفاع مستوى سطح البحر. مع ذلك، كانت الدول الغنية ترفض باستمرار الاعتراف بالخسائر والأضرار، خشية أن تضطر لدفع تعويضات بسبب دورها الضخم في الانبعاثات التاريخية.

في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ COP27 في العام الماضي تقرّر أخيرًا إنشاء صندوق الخسائر والأضرار، وتشكيل "لجنة انتقالية" لمناقشة تفاصيله، كالمقر وترتيبات التمويل، ومن سيُدفع له ومن سيستفيد، وتقديم توصياتها للأطراف في COP28.

ورغم أنّ التوقعات كان تشير إلى أنّ الخلافات التي هيمنت على مفاوضات اللجنة ستعود للظهور خلال المؤتمر، إلا أنه بعد حوالى ساعتين من الجلسة الافتتاحية العامة للمؤتمر، أعلن سلطان الجابر، رئيس المؤتمر، قرار تفعيل الصندوق، بعد تأييد جميع الأطراف لنص القرار النهائي بشأنه.

اتفقت الدول على أن يكون مقر الصندوق في البنك الدولي لمدة أربع سنوات على الأقل، وأن يكون كيانًا مستقلًا بموجب الآلية المالية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ، ويديره مجلس إدارة خاص مكوّن من 26 عضوًا، أغلبهم من البلدان النامية.

كما أنّ الدفع للصندوق لن يكون إلزاميًا للدول الغنية، بل طوعي، والبلدان النامية المعرّضة بشكل خاص للآثار الضارة لتغيّر المناخ هي المؤهلة فقط لتلقي الموارد من الصندوق، وليس كل الدول النامية.

ناقشت القمة مجموعة ملفات أخرى، على المستوى الرسمي، كالمسائل المتعلقة بالتمويل وتدابير الاستجابة والمادة 6 المتعلقة بأسواق الكربون وغيرها، وتراوحت النتائج النهائية للمفاوضات بشأن هذه القضايا بين التقدّم البطيء والإخفاق في تحقيق أيّ تقدّم.

في النهاية، وعلى الرغم من أنّ قمة دبي حققت نتائج وقرارات تاريخية، إلا أنها افتقرت للإنصاف فيما يتعلّق بالدول النامية، فعلى الرغم من تفعيل صندوق "الخسائر والأضرار"، إلا أنّ تفاصيله وترتيباته أرضت الدول الغنية لحد كبير على حساب الدول النامية والبلدان الأكثر تضرّرًا من آثار تغيّر المناخ.

كذلك فإنّ القرارات غير المسبوقة بالابتعاد عن الوقود الأحفوري واعتماد الهدف العالمي، التكيّف، لم تتضمن أي التزامات مالية جديدة نحو البلدان النامية، لمساعدتها على الانتقال بعيدًا عن الوقود التقليدي، أو دعمها للتكيّف مع تأثيرات المناخ.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن