لقد أصبح جليًّا أنّه ليس بيد حكومة تل أبيب، بعد مضي قرابة سنتَيْن من انفجار الصراع، أي خطة سياسية للحلّ المستقبلي في القطاع الذي دمّرته بالكامل. وهكذا فشلت كلّ محاولات التفاوض مع الفلسطينيين، وظهر عجز الدول الراعية للمباحثات عن بلورة آلياتٍ ناجعةٍ لفكّ الارتباط بين الطرفَيْن المتنازعَيْن. ولا بدّ من الاعتراف الصريح بأنّ حكومة بنيامين نتنياهو ليس بيدها سوى المزيد من التورّط في العمل العسكري الذي هو شرط بقائها في السلطة، على الرَّغم من المعارضة الداخلية المتزايدة.
بروز اتجاه متنامٍ في إسرائيل أصبح واعيًا بالمخاطر المُحدقة بالدولة العبرية
بَيْدَ أنّ آيالون يُبيّن أنّ الجديد في الموضوع هو استفحال العزلة الإسرائيلية في العالم، وبروز مبادراتٍ متزايدةٍ بتنسيق فرنسيّ - سعوديّ لتقديم مخطّط أممي للحل النهائي يقوم على الاعتراف الدولي بكِيان وطني فلسطيني مستقلّ كامل السيادة على طول خط 1967، امتثالًا للقوانين والقرارات الصادرة عن مجلس الأمن واستلهامًا من المبادرة العربية الصادرة عن قمّة "بيروت – 2002".
لا يرى السياسي الإسرائيلي حلًّا مستقبليًا واقعيًا من دون تبنّي الولايات المتحدة وإسرائيل المبادرة العربية التي تُقايض الدولة الفلسطينية المستقلّة بالتطبيع العربي الشامل مع الدولة العبرية. بَيْدَ أنّ آيالون يرى ضرورة القيام بخطواتٍ تمهيديةٍ لترتيب هذا الحلّ المنشود، من بينها وقف إطلاق النار في غزّة وتحرير الرهائن الإسرائيليين وإعادة بناء السلطة الفلسطينية، وتمكينها من السيطرة الكاملة على القطاع، مع الضغط الدولي على إيران لمنع انتشار السلاح النووي وتحييدها في المُعادلة السلمية القادمة.
تآكل سرديّة "المحرقة اليهوديّة" بسبب تفاقم الإبادة الفلسطينية
ويخلص آيالون إلى أنّ معارضة إسرائيل للدولة الفلسطينية المستقلّة، مع الاستمرار في العمليات العسكرية من دون رؤية سياسية، من شأنه تعميق عزلتها الخارجية وتأجيج الصراع العنيف الشامل في المنطقة، في حين أنّ الحلّ السلمي برعايةٍ دوليةٍ هو الذي يضمن "أمن واستقرار وديموقراطية إسرائيل" على المدى الطويل، كما أنّه ضرورة استراتيجية إقليمية لا محيد عنها.
ما تكشف عنه مقالة آيالون هو بروز اتجاهٍ متنامٍ في إسرائيل أصبح واعيًا بالمخاطر المُحدقة بالدولة العبرية من حيث وضعها السياسي الداخلي والاستراتيجي الدولي. ومن أبرز هذه المخاطر تآكل سرديّة خصوصيّة "المحرقة اليهوديّة"، بسبب تفاقم أحداث الإبادة الفلسطينية في غزّة. لم تعُد العبارة محرّمةً، منذ استخدمتها شخصيات إسرائيلية ويهودية وازنة، كما استخدمتها جمعيات غير حكومية في تل أبيب.
ومن هنا ندرك طبيعة المبادرات العالمية الجديدة الساعية إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية خيارًا لا بديل عنه لحلّ الصراع العربي - الإسرائيلي. لا يتعلّق الأمر فقط بالحزام الجنوبي (من أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية) الداعم تقليديًا لحقوق الشعب الفلسطيني، بل بدولٍ غربيّةٍ عُرفت في السابق بقربها من إسرائيل كما هو شأن بريطانيا وفرنسا وكندا وأستراليا...
إسرائيل خسرت المعركة السياسية والإعلامية في الحرب
ومع أنّ الإدارة الأميركية لا تزال تدعم بقوة حكومة اليمين المتطرّف في إسرائيل، إلّا أنّ بعض الأصوات من قاعدة الرئيس دونالد ترامب بدأت ترتفع في الآونة الأخيرة محتجّةً على حرب الإبادة في غزّة. وهكذا استخدمت السيناتورة الجمهورية مارجوري تايلور غرين (Marjorie Taylor Greene) مقولة" الإبادة" لوصف ما يجري في الأراضي الفلسطينية، كما أنّ بعض الشخصيات المؤثّرة في القرار في واشنطن عبّرت عن امتعاضها من استمرار المأساة الإنسانية في غزّة.
خُلاصة الأمر، أنّ إسرائيل خسرت بالفعل المعركة السياسية والإعلامية في الحرب التي أرادت أن تغيّر بها وجه الشرق الأوسط!.
(خاص "عروبة 22")