حديث الواقع يجرّنا إلى رصد عدد من المؤشرات، أهمّها في تقديرنا؛ ارتفاع نسب أمية النساء، حيث تتصدّر العراق اللائحة وتتوسّطها مصر، بينما أقل نسبة لأمية النساء في الدول ذات الكثافة السكانية العالية في المغرب لكن للأسف بنسبة مئوية تقترب من ٤٠٪.
ويصفّ إلى جانب مؤشر الأمية، مؤشر آخر؛ هو تراجع مساهمة المرأة في قوة العمل في القطاعات الرسمية وارتفاعها في القطاعات غير الرسمية، حيث تكون المرأة محرومة من مظلات الحماية القانونية.
العنف الاجتماعي يتصاعد ضد المرأة... وعلينا كنساء عربيات طرح الأولويات الصحيحة
على المستوي الاجتماعي تبدو نسب الفقر هي الأكثر ارتفاعًا بين النساء، رغم قيام المرأة بأدوار في رعاية الأسر بنسبة كبيرة بديلًا عن رجال يتقاعسون أحيانًا عن أداء هذا الدور بإرادة واعية.
وتحت مظلة هذه الأوضاع كلها، فإنّ العنف الاجتماعي يتصاعد ضد المرأة العربية بشكل عام، فبينما ترتفع نسب الطلاق دون توثيقه أحيانًا، فإنّ ممارسة الاعتداء الجسدي من بعض أطراف الأسرة ضد الفتيات والنساء أصبح شبه شائع وفي شرائح إجتماعية جديدة تتجاوز تلك الفقيرة لتصل الى الشرائح العليا من الطبقة الوسطى التي لم تكن تعرف مثل هذه الممارسات سابقًا، كما تظهر ظاهرة تعدّد الزوجات غير المؤسس على شروط شرعية، ويتخذ من السرية ستارًا كأحد أشكال العنف ضد المرأة أيضًا.
في ظل هذا الواقع المرير، ربما يكون علينا كنساء عربيات طرح الأولويات الصحيحة في هذه المرحلة، وذلك بعد مرحلة طويلة من تبني قضايا قد يبدو ترتيبها غير صحيح بالنسبة إلينا، كما أن كوابح تفعيلها الثقافية والاجتماعية كبيرة، وبالتالي الإنجاز فيها يبدو ضعيفًا وإنعكاسها على الواقع العربي جد محدود، ومن ذلك مثلًا حالة المشاركة السياسية للمرأة، أو التمكين الاقتصادي لها، أو حتى نسب التمثيل في دوائر صناعة القرار العربي.
التعليم مسألة مركزية في النهوض بالنساء وتأثيرها مباشر على المشاركة السياسية أو التمكين الاقتصادي
في هذا السياق ربما يكون من الأساسي وضع الأمية الكتابية والأمية الإلكترونية للنساء كأحد أهم التحديات الواجب تجاوزها على مدى زمني معقول، من هنا؛ فإنّ على المنظمات النسوية العربية أن تضع هذا الهدف كأولوية في إستراتيجياتها لعشر سنوات قادمة في تقديرنا، متجاوزةً بذلك أجندات العمل الغربي بشكل عام، والتي لم تنتبه على الوجه الكافي إلى مركزية مسألة التعليم في النهوض بالنساء وتأثيرها المباشر على قضايا مثل المشاركة السياسية أو التمكين الاقتصادي.
للضغط على الحكومات ولفت انتباه المنظمات المانحة إلى أولولية محو الأمّية في منطقتنا العربية
وفي ظني أنّ هذه الإستراتيجيات يجب هندستها بحيث تعمل في إتجاهين، الأول؛ الضغط على الحكومات العربية لضخّ الاستثمارات المطلوبة في قطاعات محو الأمية للكبار للمتسرّبات من التعليم لأسباب اقتصادية أو اجتماعية، وكذلك تعزيز القدرات الإلكترونية لتلك النسوة.
أما الاتجاه الآخر فربما يكون له شقّان، الأول؛ لفت انتباه المنظمات الدولية، خصوصًا المانحة، لأولوية محو الأمية في منطقتنا العربية، والثاني؛ هو حثّ منظمات المجتمع المدني العربي على الاهتمام بهذا القطاع في عملها الميداني.
ختامًا؛ من المؤكد أنه دون تعليم النساء على نطاق واسع يقلّ الإدراك أولًا بانعكاس مسألة المشاركة السياسية والمساهمة في قوة العمل للنساء على مؤشرات التنمية العامة في أي بلد، كما تقلّ ثانيًا عمليات إقدام النساء العربيات طواعية على ممارسة عملية التنافس السياسي، أو التنافس على المناصب العليا في ضوء غالبية من الأمّيات سوف يشكلن كوابح اجتماعية وثقافية لتقدّم النساء وبالتالي تقدّم ونهوض عالمنا العربي.
(خاص "عروبة 22")