وغير بعيد عن مخرجات هذا المنتدى، فإنّ كل طرف ينتظر من الطرف الثاني تحقيق مكاسب دبلوماسية واقتصادية هامة، وذلك في خضم ظرفية دولية استثنائية تتعلق بالحرب على أوكرانيا، وأيضًا الحرب التي تشنّها إسرائيل على غزّة بفلسطين، علاوة على ما تشكله ملفات الطاقة والغذاء والأسواق المشتركة من تحديات للطرفين معًا.
وكانت الدول العربية تترقب مخرجات المنتدى المذكور، الذي أسفر عن إصدار "إعلان مشترك" جاء فيه على وجه الخصوص الاتفاق بين الأطراف المشاركة على "ضرورة تعزيز أمن الدول واحترام سيادتها على أراضيها ومواردها الطبيعية، وأهمية وقف القتال وتعزيز فرص الحل السياسي ورفض التدخلات الخارجية في شؤون الداخلية للدول، ودعم جهود الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية في هذا الشأن". وأبرز البيان الختامي "أهمية تضافر جهود جميع الدول من أجل تعزيز الاستقرار العالمي بجميع جوانبه كأساس للسلام الدائم القائم على مبدأ الأمن المتساوي وغير المنقوص للجميع"، والحاجة إلى تعزيز الحوار السياسي الذي يهدف إلى تنسيق المواقف المشتركة في المحافل الدولية، في إطار احترام مبادئ القانون الدولي والشرعية الدولية والمبادئ ذات الصلة ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة، والدور المحوري للأمم المتحدة، وخاصة مجلس الأمن، لحل النزاعات والحفاظ على السلم والأمن الإقليمي والدولي". واتفق الجانبان العربي والروسي على "الالتزام بتعزيز واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، مع الأخذ في الاعتبار أهمية الخصوصيات الوطنية والإقليمية ومختلف الخلفيات التاريخية والثقافية والدينية"، كما شددا على "تسوية القضايا والأزمات القائمة من خلال الوسائل السلمية والحوار الشامل".
الموقف من حرب غزّة
وارتباطًا بالقصف الدموي الذي تشنّه إسرائيل على المدنيين في غزّة، لم يفت المنتدى التعبير عن "الإدانة الشديدة للحرب العدوانية الإسرائيلية المستمرة والمتصاعدة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، والذي يستهدف المدنيين وتدمير الأحياء السكنية والمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس والبنى التحتية ومرافق الأمم المتحدة، فضلًا عن جميع الأعمال الإسرائيلية التي تستهدف إخضاع الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة لحصار شمل قطع كل أسباب الحياة من الماء والكهرباء والغذاء والدواء والوقود، وهو ما يشكّل انتهاكات جسيمة بموجب القانون الدولي الإنساني، ورفض أي تبرير لهذه الحرب بما في ذلك بوصفه بأنه دفاع عن النفس".
وحذر الجانبان العربي والروسي من "خطورة نوايا إسرائيل باعتبارها القوة القائمة بالاحتلال بارتكاب التهجير القسري للشعب الفلسطيني خارج الأرض الفلسطينية المحتلة، وإدانة قتل المدنيين الفلسطينيين والاجتياحات والاعتقالات وعنف المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة".
أما في الشق الاقتصادي، فإنّ الإعلان المشترك بين روسيا والدول العربية حث على ضرورة تحسين التجارة الثنائية وتعزيز التعاون متبادل المنفعة في مجالات الصناعة والزراعة والأمن الغذائي والموارد المائية والأعمال المصرفية والتمويل والنفط والغاز والطاقة المتجددة والنظيفة، وكذلك الاستخدامات السلمية للطاقة النووية والنقل والسياحة والاتصالات وحقوق الملكية الفكرية، إضافة إلى التعاون في مجالات متنوعة مثل البيئة، ونقل التكنولوجيا وغيرها".
تحوّلات جيوسياسية
ويرى الخبير في العلاقات الدولية، مولاي هشام معتضد، في تصريح لمنصة "عروبة 22"، أنّ المنطقة العربية وروسيا الإتحادية يمران من تحوّلات جيوسياسية مركّبة وتطورات استراتيجية تستدعي إعادة النظر في العديد من الملفات ذات الاهتمام المشترك والمصالح المتقاطعة"، لافتًا إلى "الديناميكية السياسية التي يعرفها الفضاء العربي الروسي، والملفات الاقتصادية والتجارية المشتركة بين المنطقة العربية ودولة روسيا"، مبرزًا أنّ "الحرب الأوكرانية الروسية والحرب على غزّة ملفان ثقيلان في المحادثات والعلاقات بين الطرفين، مما سيؤثر بشكل مباشر على الرؤية المستقبلية للعلاقات العربية الروسية والتعاون الإستراتيجي متعدد الأبعاد بين العواصم العربية وموسكو".
وتابع معتضد أنّ "الحوار العربي الروسي يشكّل فرصة دبلوماسية لروسيا من أجل إظهار فك الحصار المفروض عليها من الدول الغربية، ومناسبة أيضا للدول العربية للظهور كلاعب مهم على مستوى الساحة الدولية قادر على التموقع استراتيجيًا بعيدًا عن المواقف الغربية، ويكسر الصورة النمطية في مخيلة الرأي العالمي بشأن تبعية المنطقة العربية لرؤية الدبلوماسية الغربية".
ولم يفت الخبير الإشارة إلى أنّ الأمن والدفاع، والصناعة الحربية والفلاحة والثروات الطبيعية، تعتبر ملفات تحظى بالاهتمام المشترك بين العرب والروس، انطلاقًا من الديناميكية التي تعرفها محاور القوى الدولية والسياسات الصاعدة على المستوى الدولي، ونظرًا للحركية التي يشهدها محور السلطة العالمية المتجه من الأحادية القطبية إلى التعددية القطبية.
"توزيع البيض" السياسي
من جهته يرى الباحث في الشأن الروسي، المهدي باجة، في تصريح لمنصة "عروبة 22"، أنّ انتظارات العرب من الروس تختلف عن انتظارات الروس من العرب، فالعرب يأملون في "عدم وضع بيضهم السياسي كلّه في سلة أمريكا"، وبالتالي تنويع علاقاتهم بإرساء جسور الحوار والتعاون مع موسكو.
ويردف بأنّ "العرب أيضًا يأملون في أن تدعمهم موسكو في قضاياهم ومصالحهم الرئيسية، وفي أن تتحوّل العلاقات الثنائية العابرة أحيانًا إلى شراكة استراتيجية حقيقية تقوي وتدعم هذه الروابط بين "الدب الروسي" والبلدان العربية".
أما الروس، يتابع باجة، فلديهم "انتظار آني من الدول العربية، يتمثل في خلق نوع من كسر "الحصار" المضروب على موسكو بسبب الحرب على أوكرانيا، بينما هناك انتظار في المدى المتوسط والبعيد يتمثّل في إقامة شراكات اقتصادية قوية تتيح لـ"الدب الروسي" ولوج الأسواق العربية، وبالخصوص الأسواق الأفريقية منها، وبالتالي الرهان مطروح على الدول العربية التي توجد في القارة السمراء مثل المغرب وغيرها".
رهان إرساء العرب لشراكة استراتيجية مع روسيا أكده وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، في المنتدى، عندما أكد أمل الدول العربية في "إقامة حوار استراتيجي عربي روسي فعلي وفاعل، يكون فضاءً حقيقيًا للتنسيق، ولشراكة بنّاءة وعملية ومثمرة، تخدم بشكل متوازن مصالح الطرفين وتساهم في أمن واستقرار المنطقة العربية"، مبديًا التطلّع إلى "تفكير جماعي لرسم خارطة طريق لشراكة ناجحة وفاعلة تأخذ في الاعتبار الإطار المنظّم للتعاون بين الجانبين، بغرض الانتقال به من نمط التداول السياسي التقليدي إلى مرحلة الحوار الاستراتيجي، وفق رؤية استشرافية تأخذ بعين الاعتبار التطورات على المستويين العالمي والإقليمي، وتراعي المصالح المشتركة للطرفين".
(خاص "عروبة 22")