اقتصاد ومال

الدول العربية.. وبناء الطاقات والقطاعات الإنتاجية

يُقسّم الناتج المحلي الإجمالي حسب القطاعات الإقتصادية وفقًا للتقرير الإقتصادي العربي الموحّد إلى ثلاثة قطاعات رئيسية وهي قطاع الإنتاج السلعي، ويتكوّن من الزراعة والصيد والغابات، الصناعات الإستخراجية، الصناعات التحويلية، التشييد، والكهرباء والغاز والماء، وقطاع الخدمات الإنتاجية ويتكوّن من التجارة والمطاعم والفنادق، النقل والمواصلات والتخزين، التمويل والتأمين والمصارف، وقطاع الخدمات الإجتماعية وهو يتكوّن من الإسكان والمرافق، الخدمات الحكومية والخدمات الأخرى، مع التركيز على قطاع الإنتاج السلعي وقطاع الخدمات الإنتاجية وإعطائهما الأسبقية في الإهتمام، مع مراعاة أهمية قطاع الخدمات الإجتماعية، في بناء الطاقات والقطاعات الإنتاجية.

الدول العربية.. وبناء الطاقات والقطاعات الإنتاجية

إنّ بناء الطاقات والقدرات هي عملية تطوير مجموعة المعارف والمهارات ومعدّل الإنتاج والإدارة وكافة الإمكانيات، عبر توظيف التكنولوجيا والتدريب ونظام الحوافز، ومدى مساهمة التعلیم فی الدول العربیة، فی تلبیة متطلبات الاستدامة التنمویة من خلال بناء الطاقات والقطاعات الإنتاجية، التي أصبحت تمثّل غایة لكل دول العالم، وذلك من خلال تحلیل واقع الأداء الكمي والنوعي للتعلیم بمختلف مراحله فی الدول العربیة، ومدى مواكبته للمعدلات الدولیة، وكذلك لتلك المعدلات المحققة في الدول المتقدمة والصاعدة، التي تنتمی للمراحل التنمویة ذاتها التي تندرج ضمنها الدول العربیة، إضافة إلى تقییم أحد أهم المتغیّرات الحاكمة المؤثرة في هذا القطاع الحیوي، الممثلة في الاستدامة التمویلیة وأدوار شركاء التنمیة، لا سیما، الحكومة والقطاع الخاص والأطر الأهلیة وغیر الحكومیة.

وفي ضوء ما یمثله التعلیم، من أهمیة ترتبط بكونه مرتكزًا أساسیًا من مرتكزات بناء القدرات البشریة، وداعمًا أساسیًا للاستدامة الاقتصادیة والاجتماعیة للدول، من خلال بناء الطاقات والقطاعات الإنتاجية، وفی ضوء ما تتضمنه معظم الرؤى الوطنیة للدول العربیة من تركیز واضح، على قطاع التعلیم، إدراكًا لأهمیة وحیویة دوره فی تحقیق أهداف تلك الرؤى الوطنیة والخطط التنمویة المنبثقة عنها، من خلال أربعة محاور أساسیة، التعلیم والاستدامة والتأسیس لقواعد الاقتصاد القائم على المعرفة، التحدیات الكمیة والنوعیة للتعلیم فی الدول العربیة، إشكالات وقیود تمویل التعلیم في الدول العربیة، أطروحات إستیفاء متطلّبات الاستدامة التمویلیة للارتقاء بالتعلیم فی الدول العربیة فی ضوء التجارب والتوجهات الدولیة.

معظم الدول العربیة تعاني من عدم تأهیل قوة العمل فیها لمتطلبات أسواق العمل

ومما لا شك فیه، أنّ مثل هذا التوجه هو نتاج لمنظومة عمل واسعة ومتكاملة تشمل كافة أطر التشریعات والمؤسسات والتنظیمات وقواعد العمل إلی تمیّز تركیبة الهیاكل الاقتصادیة والاجتماعیة لتلك الدول والمجتمعات، ویبقى الأمر المؤكد أنّ جوهر هذه المنظومة هو الاهتمام بالعنصر البشري وبناء قدراته، والتي تتمحور بشكل أساسي حول التعلیم، ویأتی هذا التوجه الدولي في الوقت الذی لا زالت فیه الدول العربیة تواجه العدید من التحدیات والعقبات التنمویة والهیكلیة، حیث تواجه الدول العربیة الأعلى دخلًا، في سجل التنمیة البشریة (HDI)، إشكالیة ضعف أو قصور مستویات التنویع الاقتصادي فیها وارتباط الجزء الأكبر من النشاط الاقتصادي وكذلك من تمویل الإنفاق العام، بالموارد النفطیة، إضافة لما تواجهه تلك الدول من إشكالات اختلال التركیبة السكانیة، وتنامي العمالة الوافدة.

هذا إضافة لما تواجهه الدول العربیة بشكل عام، وبمختلف تصنیفاتها الاقتصادیة والتنمویة، من إشكالات تنامي الطلب على الخدمات العامة، والمطالبات المستمرة بتحسین وتجوید نوعیة الخدمات المقدمة، بما في ذلك خدمات التعلیم، وكذلك ما تواجهه من تحدیات تلبیة استحقاقات الاستدامة بأبعادها الاقتصادیة والاجتماعیة والبیئیة، والتي یدور جانبها الأكبر حول بناء عنصر بشري في الوقت الحاضر والمستقبلي، یقود ویؤسس وینتفع بهذا المسار، وهو الأمر الذي یرتبط مباشرة بقطاع التعلیم ومخرجاته في الدول العربیة، كما تأتي أهمیة معالجة هذا الموضوع استنادًا لما یظهره الواقع، من تنامي معدلات البطالة وقصور التشغیل، وتجاوزه المتوسطات العالمیة بأكثر من الضعف، وهو الأمر الذي یعود في جانب كبیر منه، إلى معاناة معظم الدول العربیة، من عدم تأهیل أو مناسبة مؤهلات قوة العمل فیها، لمتطلبات أسواق العمل.

من الجدير بالإشارة، أهمية وضح خطط استراتيجية تُعنى بتنمية القطاعات الاقتصادية الانتاجية والخدمية، التي لم تشهد محاولات جادة للنهوض بمفاصلها في عدد الدول العربية، إذ إنّ الحديث عن التنمية واسع وكبير بتفاصيله، لأننا أمام مسرح عمل معقد وواسع ويعاني عدم التنظيم في جميع مفاصله، إذ إنّ معظم الدول العربية بحاجة إلى أن تنمي الكفاءات البشرية وخلق كفاءات تستوعب المرحلة الجديدة وكيفية التعامل مع واقع العمل في ظل التحوّل نحو الاقتصاد الذي يسمح للقطاع الخاص بادارة معظم المرافق الاقتصادية.

إنّ عملية التنمية الاقتصادية، تتطلب توظيف الجهود مجتمعة من تشريعات وطاقات عمل من أجل تفعيل التقدّم الاقتصادي والذي يسهم في رفع الانتاج وتحسين الخدمات باعتماد كفاءات محلية مدربة في دول العالم المتقدّم، إذ إنّ التنمية تهدف إلى تحقيق التقدّم الاقتصادي من خلال زيادة الدخل القومي ومحاولة تحقيق توزيع عادل قدر الإمكان للدخول بين مختلف شرائح المجتمع وتعزيز وتمتين القواعد الصناعية والانتاجية والخدمية، من أجل أن تصبّ في تقوية وبناء الهيكلية الاقتصادية للدولة بشكل عام وفق أُسُس صحيحة وقوية يمكنها المنافسة.

ويجب أن تكون هناك قاعدة صناعية متينة يمكن أن تحقق لها الاكتفاء الذاتي أو حتى الحد الأدنى لبعض المواد الأساسية أو غير الأساسية، الأمر الذي يتطلب دعم القطاعات الانتاجية لأنها تعاني خللًا كبيرًا في التوازن فيما بينها لصالح قطاع أو قطاعين أو حتى مجموعة قطاعات إنتاجية محددة كثيرًا ما تتسم بعدم تطورها، أو جمود القطاعات الأخرى لتؤدي بذلك إلى تشوّه الواقع الانتاجي لهذه الدول، بشكل واضح وكبير جدًا في أحيان كثيرة، وإنّ عدم التوازن بين الاقتصاديات الزراعية والصناعية والخدمية، واعتماد اقتصاديات هذه الدول بشكل عام على الموارد المتأتية من تصدير المواد الاولية (النفط) بشكل أساسي، الأمر الذي ينعكس سلبًا بالمجمل على اقتصاديات هذه الدول.

لا بديل عن تعزيز مساهمات الإنتاج الصناعي والزراعي في هيكل النمو الاقتصادي

في الختام، من الضروري توسع قاعدة المستفيدين من مبادرة دعم القطاعات الإنتاجية، إذ إنه لا بديل عن تعزيز مساهمات الإنتاج الصناعي والزراعي في هيكل النمو الاقتصادي، وذلك من خلال توسيع قاعدة المستفيدين من المبادرات المحلية، لدعم القطاعات الإنتاجية بفائدة قليلة، واستمرار العمل بمبادرة هذا الدعم، رغم قسوة التحديات الاقتصادية العالمية، بما يُسهم في تشجيع المستثمرين على التوسع في الإنتاج، وتحقيق الأهداف الاستراتيجية للدولة بتعظيم القدرات الإنتاجية، وتلبية احتياجات الطلب المحلي، والحد من الاستيراد، وتوسيع القاعدة التصديرية، وتعزيز القوة التنافسية للمنتجات في الأسواق العالمية، على نحو يُساعد في تعزيز بنية الاقتصاد، واستدامة معدلات النمو، واستمرار دوران عجلة الإنتاج، وتوفير المزيد من فرص العمل المنتجة، وتوفير بنية تحتية متطوّرة وقادرة على استيعاب التوسعات الاستثمارية، حتى تكون المحفزات الضريبية والجمركية، والتسهيلات الائتمانية، سببًا لبناء الطاقات والقطاعات في الدول العربية.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن