ما يُروّج اليوم من توتر في العلاقات ما بين بعض دول الأعضاء وعودة الحديث عن اتحاد مغاربي في صورة ترفع راية النعرات السياسية، يثير من جديد التساؤل حول جدوى هذه الحرب الباردة التي تعطّل مسار التكامل المغاربي؟.
لقد كان للتجربة الاستعمارية التي عاشتها منطقة شمال أفريقيا عدّة تأثيرات استمرت ليومنا هذا، من بينها مسألة الحدود الجغرافية، أي المعضلة التي كانت في الأغلب غلافًا لاستمرار الحرب الباردة بين بلدان المغرب العربي، ظاهرها هو صراع وطني جغرافي حدودي وجوهرها سياسي، وهو الأمر الذي يعود لإشكالية الاختلاف في طبيعة الأنظمة السياسية لدول المغرب العربي، فما الذي يمنع وحدة المغرب العربي راهنًا؟.
مطلب الوحدة يتطلّب استقرارًا ودينامية لتذويب الخلافات ولا يقوم على التجزئة ودعم التوترات
يمكن استخلاص هذه الصعوبة من خلال النقط التالية:
ــ تغذية النعرات السياسية لدول الجوار في إطار استدامة الأزمات الخارجية بغية فرض وصاية سياسية تتغدى على تكرار نمط معين من النظام السياسي، يُشكّل مطلبًا لاواقعيًا يخرج عن اختيارات الدولة الوطنية.
نحن أمام دعوة لرفع الوصاية السياسية بين الدول الأعضاء والقبول بمنطق الاستقلال الوطني المؤسِّس للوحدة المغاربية وتوجهاتها، لأنّ مطلب الوحدة لا يقوم على التجزئة ودعم التوترات الداخلية لدول الجوار، بل على العكس من ذلك يتطلب استقرارًا بالدرجة الأولى، ودينامية سياسية حركية تسعى لتذويب الخلافات في أُفُق تحقيق الاتحاد.
ــ العلاقات المتوترة بين الدول المغاربية هي نزاعات ارتبطت تاريخيًا بالاستعمار وكذا بالأيديولوجيات وطبيعة الأنظمة السياسية التي تقوم عليها هذه الدول. ولا ضير من التذكير بأنّ عناد بعض التوجهات السياسية ومغالاتها في تمديد واستدامة الأزمة، له أبعادٌ تاريخيةٌ وسياسيةٌ لأزيد من ستين عامًا، مما يجعلنا عرضة لما يُشبه "مراهقة سياسية" تسلك طريق العناد والمزايدة المتهورة، لهذا غالبًا ما يتمّ توظيف أيّ موقف أو تفاعل مع قضية مّا، من أجل تبرير استدامة الأزمة بين الدول الأعضاء في الاتحاد، والحال أنّ هذه الاستدامة في واقع الأزمة، التي لا تخدم بأيّ شكلٍ إمكانية اتحاد مغاربي.
ــ التسابق نحو التنمية الاقتصادية والتنابز بالإنجازات التنموية لبعض الدول المغاربية لا يعدو أن يكون زوبعة لا تحقّق أُفُقها النهضوي المنشود، ما دامت تتغذّى على التفرقة وخلق اتحادات خارج الحتمية التاريخية والجغرافية والثقافية.
ــ استدامة الأزمة في المنطقة هو استمرار أيضًا لتفاقم الهشاشة الاقتصادية والسياسية والأمنية لدول الاتحاد، مما يجعل من أولويات هذه الدول المقاربة الأمنية والسياسية أكثر منها الاقتصادية، الأمر الذي يُبعثر الأوراق من جديد ليُرجعها إلى أصل الحكاية المغاربية والعربية، أي العودة إلى طبيعة النظام السياسي القائد لهذا الاتحاد الذي يتغذّى على مشكل رسم الحدود الجغرافية للدولة الوطنية أو الضغط عبر خلق حركات انفصالية تعمل على تحطيم طموح الوحدة المغاربية.
ما تحيل عليه هذه النقط هو أنّنا إزاء عدة مفهومية مغايرة بالأخص فيما يتعلق بمفهومين أساسيين الهزيمة والانتصار في ظل هذا التوجه السياسي.
إنّ محرك أو دلالة الانهزام داخل هذا الصراع المفتعل هو الواقع السياسي، لهذا يتم استثمار مفهوم الأزمة واستدامتها لإطالة عمر التوجه السياسي لبعض الدول الأعضاء في الاتحاد، مما يحوّل الصراع إلى نزاع وجودي لا يقبل بأي طرح خارج التوجه المؤسِّس لوجوده السياسي وإلّا اعتبر منهزمًا تسقط عنه أحقيته الوجودية، فتتحوّل السلطة السياسية لنمط من العناد الشعبوي تفتقد للمرونة المحددة لديناميتها واستمراراها السياسي.
الصراع على زعامة الوحدة المغاربية يخلق تمويهات وإلهاءات تحتل فيها المقاربة الأمنية والسياسية النصيب الأكبر
ما يمكننا التأكيد عليه هو أنّ تجاهل المنطق التاريخي في رصد التصوّرات والتوجهات السياسية ونهج سياسة الفعل ورد الفعل، يدخلنا بشكل أو بآخر، في دائرة مفرغة لا تخدم أيّ توجه بقدر ما تفتح الباب للمزايدات السياسية التي تغديها في الغالب تحالفات خارجية وكذا طبيعة الذهنية السياسية الوطنية المتمركزة على تغدية ذاتها لتحقيق استمرارها.
وبالنتيجة، الصراع على زعامة الوحدة المغاربية وقيادة التوجه السياسي يخلق تمويهات وإلهاءات تحتل فيها المقاربة الأمنية والسياسية النصيب الأكبر، كأنّنا أمام طواحين دونكيشوطية لا تبرح مكانها بقدر ما تعمل على إطالة أمد الأزمة وخلق وَهْم التسابق الاقتصادي وتوليد تحالفات جديدة خارج التحالف التاريخي الذي ترسمه البقعة الجغرافية والثقافية.
(خاص "عروبة 22")