وجهات نظر

الجدل حول دور إيران في "طوفان الأقصى"!

فور وقوع "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول ٢٠٢٣، حرصَت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على تحديد موقفها من الهجوم في نقطتين أساسيتين. النقطة الأولى هي الترحيب الشديد بالعملية بالغة الدقة التي نفَذتها حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، واعتبارها خطوة مهمة على طريق اجتثاث الكيان الصهيوني من جذوره وتحرير كامل الأرض الفلسطينية، والنقطة الثانية هي نفي علمها المسبق بالعملية وكذلك نفي أي علاقة لها بها وهو ما أمّنت عليه أيضًا الولايات المتحدة الأمريكية.

الجدل حول دور إيران في

مع تطوّر الحرب والتوحّش الشديد للآلة العسكرية الإسرائيلية واستهدافها الممنهج لكل مظاهر الحياة في قطاع غزّة، انخرطَت في الحرب بدرجات مختلفة الجماعات والفصائل المسلّحة المدعومة من إيران في إطار الالتزام بمبدأ "وحدة الساحات".

وهكذا بدأ الأمر بدخول "حزب الله" على الخط في الجنوب اللبناني، ولحقَت به بعض مكوّنات "الحشد الشعبي" في العراق وامتداداتها في سوريا، ثم كان التصعيد الأبرز مع قيام حركة "أنصار الله" في اليمن باستهداف السفن الإسرائيلية أو المتجهة لإسرائيل المارّة عبر البحر الأحمر ثم توسيعها نطاق الاستهداف ليشمل سفن الدول الداعمة لإسرائيل والمشاركة في قوة "حارس الازدهار" التي شكّلتها الولايات المتحدّة الأمريكية، ومؤخرًا هناك تجييش لبعض الجماعات في الشارع الأردني.

وقوبلت كافة هذه التحركات بدعم وتأييد إيراني معلن، مع التأكيد على أنها تتم بدافع نصرة المرابطين في غزّة وليس نتيجة أي نوع من التحريض الإيراني.

نحن إزاء حالة من منازعة حركة "حماس" تخطيطها وتنفيذها وتسبيبها لـ"طوفان الأقصى"

في ديسمبر/كانون الأول ٢٠٢٣ حدث تطوّر مهم بتصريح رمضان شريف المتحدّث باسم الحرس الثوري الإيراني بأنّ "عملية طوفان الأقصى كانت إحدى عمليات الانتقام لاغتيال قاسم سليماني، وهذه الانتقامات ستبقى مستمّرة".

ونحن هنا عندما ننقل تصريحًا عن المتحدّث باسم الحرس الثوري فإننا نتعامل مع موقف مسؤول كبير في الجمهورية الإسلامية الإيرانية يعتبر أنّ "طوفان الأقصى" هو حلقة في سلسلة عمليات الانتقام لاغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري بغارة أمريكية على طريق مطار بغداد في ٣ يناير/كانون الثاني ٢٠٢٠.

وكما هو واضح فإنّ هذا التصريح يتناقض مع الموقف المبدئي والمعلن للجمهورية الإسلامية الإيرانية الذي يتنصّل من أي علاقة لها بـ"طوفان الأقصى"، لذلك بادر المرشد علي خامنئي بنفسه بالتدخّل والتأكيد على أنّ "العملية كانت فلسطينية مائة بالمائة"، وإن ألقى بمسؤولية ادعاء دور لإيران في تنفيذ العملية على الذين أسماهم "أنصار إسرائيل" بينما التصريح صدر كما سبق القول عن المتحدّث باسم الحرس الثوري الإيراني نفسه. ومن جانبها أصدرَت حركة "حماس" بيانًا تؤكد فيه على أهداف ومبررات تنفيذ عملية "طوفان الأقصى"، والتي ليس من بينها بالطبع الانتقام لمقتل قاسم سليماني.

مرّة أخرى، وبعد مقتل محمد رضا زاهدي مسؤول عمليات "فيلق القدس" في سوريا ولبنان وعدد من رفاقه بغارة جوية على القنصلية الإيرانية في دمشق في أبريل/نيسان ٢٠٢٤، خرج علينا تحالف القوى الثورية الذي هو بمثابة تجمّع للقوى المحافظة في إيران ليعلن أنّ محمد رضا زاهدي هو "المخطّط والمنفّذ الرئيسي لهجوم طوفان الأقصى"، وزاد بأنّ دوره هذا إنما يُعّد "من المفاخر الكبيرة للجهود الصامتة لهذا القائد الكبير الخالدة في تاريخ مقاومة الاحتلال".

بطبيعة الحال فإنّ تحالف القوى الثورية هذا يختلف عن المتحدّث باسم "الحرس" في أنه لا يتمتّع بالصفة الرسمية، وفي أنّ تصريحه يصدر من منظور سياسي لا عسكري، لكن في كلتا الحالتين نحن إزاء حالة من منازعة حركة "حماس" تخطيطها وتنفيذها وتسبيبها لـ"طوفان الأقصى".

ومن الطريف أن ينسب تجمّع القوى المحافظة التنفيذ للچنرال محمد رضا زاهدي وكأننا لم نرَ بعيوننا مقاتلي حركة "حماس" وهم ينفذون هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول من ألفه إلى يائه.

لماذا تلجأ أطراف إيرانية رسمية وغير رسمية للقفز على إنجاز حركة "حماس" ونسبته إلى نفسها؟.. مبدئيًا لا تحتاج الجمهورية الإسلامية لذلك فالكل يعلم أنها داعمة لحركات المقاومة عسكريًا وسياسيًا وإعلاميًا، كما أنّ الكل يعلم أنّ مبدأ "وحدة الساحات" الذي ترفعه إيران يسمح بتوسيع دائرة الصراع ويتيح اشتباك كل العناصر الداخلة في محور المقاومة مع الكيان الإسرائيلي.

العقلية الإمبراطورية الفارسية لم تتغيّر لا بأفول العصر الإمبراطوري ولا باندلاع الثورة الإسلامية

وبالتالي فإنّ لطهران بالتأكيد دورًا إيجابيًا لكنه غير مباشر في إسناد المواجهة العسكرية مع إسرائيل. لكن من جهة أخرى فإنّ الإصرار على نسبة "طوفان الأقصى" إلى إيران يشبه الإصرار على نسبة ثورات "الربيع العربي" إلى إيران كما جاء في تصريح المرشد علي خامنئي عام ٢٠١١ عندما اعتبر أنّ تلك الثورات "استلهمَت معاني الثورة الإيرانية"، وكأنّ المنطقة العربية غير قادرة على الفعل والتأثير والتحرّك بحد ذاتها، أو كأنه من موقع المسؤولية الدستورية للجمهورية الإسلامية الإيرانية عن نصرة المستضعفين حول العالم، فإنه من غير المتصوّر أن تحدث أي انتفاضة ضد الاستبداد أو ضد الاحتلال لا تكون إيران ضالعة فيها وملهمة لها. يكمل ذلك أنّ العقلية الإمبراطورية الفارسية لم تتغيّر لا بأفول العصر الإمبراطوري ولا باندلاع الثورة الإسلامية التي من المفترض أن تكون عابرة الفكرة القومية، لكن بالعكس فإن العقلية الإمبراطورية تؤثّر في السياسة الخارجية الإيرانية وتتضح في كل الساحات التي يمتدّ إليها النفوذ الإيراني داخل منطقتنا العربية، ولا ننسى التصريح الشهير لوزير الاستخبارات الإيراني حيدر مصلحي عام ٢٠١٥ عن أنّ "إيران تسيطر فعلًا على أربع عواصم عربية"، وهو التصريح الذي أثار ضجة كبيرة في حينه لكنه يعبّر عن نظرة هذا المسؤول لعلاقة إيران بالدول التي تتمّدد داخلها: علاقة السيطرة.

إنّ منازعة المقاومة إنجازها العسكري الضخم يضعف مصداقية الخطاب الإيراني ويسهل تفنيده لأنه ببساطة غير حقيقي، كما أنه يعزّز الانطباع الذي يروّج له البعض بأنّ الجمهورية الإسلامية إنما توظّف القضية الفلسطينية لتحقيق أهدافها السياسية.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن