يسعى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى ابرام صفقة "جزئية" مع حركة "حماس" يتم بموجبها اطلاق سراح 10 من الأسرى الأحياء وعدد من الجثث مقابل هدنة لمدة 60 يومًا، ما يسمح بإراحته من عبء ضغط اهالي الرهائن الذين يكيلون له الانتقادات يومًا بعد يوم، الى جانب "ردّه الجميل" للرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي يصفه "بأكبر داعم لاسرائيل في البيت الأبيض" بسبب ما قدمه من "عطايا" تبدأ بتزويد تل أبيب بالذخائر والاسلحة والعتاد ولا تنتهي عند مطالبته بوقف محاكمة نتنياهو بتهم الفساد، وهو ما أثار بلبلة في الداخل الاسرائيلي لما اعتبر بأنه تدخل في شؤون البلاد الداخلية.
هذا دون أن ننسى تعالي الأصوات الاوروبية، حتى ضمن حلفاء اسرائيل أنفسهم، والمطالبة بوقف الحرب الدائرة رحاها منذ أكثر من 21 شهرًا دون أن تستطيع اسرائيل القضاء على حركة "حماس" او اطلاق أسراها بل على العكس أثبتت كل المعطيات بأن الفصائل الفلسطينية لا تزال تقارع الاحتلال وتسبب له خسائر بشرية فادحة من خلال "الكمائن والأفخاخ" رغم ضعف امكانياتها العسكرية والتسليحية وغياب القرار المركزي الموحد نتيجة تصفية كبار قادتها. أما بالنسبة الى الاسرى فلم يعد أي منهم بالقتال بل عبر المفاوضات والهدن كما حصل في المرة السابقة قبل أن تخرق اسرائيل بشكل متعمد الاتفاق وتعود الى الحرب. واليوم لا يبدو الوضع مختلفًا، فنتنياهو الذي تحدث عن صعوبة عقد صفقة "شاملة" يربط استمرار الهدنة بشرطين أساسيين، وهما تفكيك الحركة وتجريدها من سلاحها.
الا ان هذين الشرطين يقفان كحجر عُثرة في اي اتفاق رغم ان "حماس" كررت موقفها بعدم رغبتها بإدارة القطاع مستقبلًا وتنحيها عن المشهد السياسي في "اليوم التالي". مواقف نتنياهو انتقدتها الحركة ووضعتها في اطار "النيات الخبيثة والسيئة" له، مجددة التأكيد على "تعاملها الإيجابي والمسؤول في المفاوضات للتوصّل إلى اتفاق يُفضي إلى وقف العدوان، وانسحاب جيش الاحتلال مقابل تبادل للأسرى". وتجنح الحركة نحو صفقة شاملة تعيد الهدوء النسبي وتطلق عملية اعادة الاعمار الا ان ذلك دونه الكثير من العقبات والعراقيل التي تضعها اسرائيل "لغايات في نفس نتنياهو" وأعضاء حكومته الذين يسعون الى تهجير الفلسطينيين ويعدون السيناريوهات والخطط لتحقيق ذلك على أرض الواقع.
وفي تفاصيل المفاوضات غير المباشرة المستمرة في العاصمة القطرية، الدوحة، لليوم السادس على التوالي بين اسرائيل و"حماس"، فإن المعطيات تؤكد وجود نوايا ايجابية لابرام صفقة ولكن دون القدرة بعد على تفكيك كل العُقد وأهمها ما يتعلق بخرائط الانسحاب الاسرائيلي التي يرفضها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، واصفًا إياها بـ"الطعنة في ظهر الجنود وعائلات من سقطوا في المعارك". من جهتها، جددت الإدارة الأميركية، على لسان وزير خارجيتها ماركو روبيو، تفاؤلها بشأن إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة رغم اقرارها بوجود "بعض التحديات". هذا وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي أنهى زيارته الى العاصمة الاميركية، واشنطن، بعد أن التقى لمرتين متتاليتين الرئيس ترامب في البيت الابيض وعقد سلسلة لقاءات رفيعة المستوى.
في المقابل، التصعيد العسكري يبقى سيد الموقف مع ارتكاب الاحتلال مجازر متنقلة بحق سكان القطاع فيما يرتفع عداد الشهداء والجرحى الذين يفترشون أرض المستشفيات التي تعمل بطاقتها الدنيا بسبب عدم توفر الوقود وغياب معظم المستلزمات الضرورية. ووثقت مصادر طبية في القطاع استشهاد ما لا يقل عن 74 فلسطينيًا، بينهم 15 طفلا وامرأة قضوا نتيجة غارة على طوابير كانت تنتظر الحصول على مكملات غذائية من مركز طبي في دير البلح وسط القطاع. في وقت تعمد قوات الاحتلال الى استهداف خيم النازحين ومدارس الايواء بشكل ممنهج وتضيّق الخناق على الفلسطينيين الذين باتوا محاصرين في 15% من مساحة القطاع فقط بعد استيلاء اسرائيل على 85% من الأراضي بفعل أوامر الاخلاء والتصعيد الميداني، وفق تقرير لـ"المرصد الأورومتوسطي لحقوق الانسان".
هذا وشهد أمس، الخميس، دخول أول شاحنة محملة بالوقود الى قطاع غزة بعد أكثر من أربعة أشهر. وحذرت الامم المتحدة من عواقب استمرار النقص الذي يؤثر على حياة الفلسطينيين، لاسيما أن الوقود يعتبر عنصرًا حيويًا لتشغيل المولّدات في المستشفيات والمخابز والمرافق الأساسية الأخرى التي تقبع تحت الحصار الإسرائيلي. تزامنًا، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية عن وقوع "حدث أمني صعب" بعدما عمدت الفصائل الفلسطينية الى تفخيخ مبنى في قوة إسرائيلية بمدينة خان يونس، جنوبي القطاع، مما أدى لانهيار المبنى على رؤوسهم مخلفًا، قتيلين و6 مصابين من الجنود، جروح بعضهم خطيرة. يُشار الى انه وفقًا لوسائل إعلام إسرائيلية، فقد قُتل أكثر من 20 جنديًا إسرائيليًا في قطاع غزة منذ بداية الشهر الجاري، في حصيلة هي الاعلى منذ بداية الحرب على القطاع.
وفي الملف الفلسطيني أيضًا، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى اعتراف مشترك بدولة فلسطين من جانب فرنسا والمملكة المتحدة. وقد جاء موقفه في ختام زيارة دولة للمملكة استمرت ثلاثة أيام حيث اعرب خلالها عن أهمية "توحيد أصواتنا في باريس ولندن وفي كل مكان للاعتراف بدولة فلسطين، وإطلاق هذه الدينامية السياسية التي تؤدي وحدها إلى أُفق للسلام". من جانبه، أكد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن "التركيز، الآن، يجب أن ينصبَّ على تأمين وقف إطلاق النار، الذي يسمح للمسار السياسي بأن يحلّ مكان المعارك ويسمح بوصول المساعدات الإنسانية والإفراج عن الرهائن المحتجزين في غزة".
وتتكثف الدعوات الاوروبية الى المطالبة بالاعتراف بدولة فلسطين وهو ما تعارضه اسرائيل وتشن حملة ممنهجة ضد هذا المقترح الذي تضعه في اطار "دعم حماس" و"التشجيع على الارهاب". ومع ما يجري في غزة، لا تتوقف الالة العسكرية الاسرائيلية عن ارتكاب الفظائع في الضفة الغربية التي تشهد على ارتفاع تدريجي لعمليات المستوطنين تجاه الفلسطينيين والاستيلاء على أرزاقهم وممتلكاتهم ناهيك عن اوامر الهدم المستمرة والتي تسببت بنزوح اعداد كبيرة من السكان لاسيما في مخيمي جنين وطولكرم. وفي السياق، قُتل جندي احتياط إسرائيلي يعمل حارس أمن في هجوم مزدوج وقع عند مفترق مستوطنة غوش عتصيون جنوبي الضفة المحتلة بعد أن أقدم فلسطينيان على تنفيذ عملية طعن وإطلاق نار.
على المقلب الآخر، تتوالى المواقف الرافضة لما ورد في المقابلة التلفزيونية للرئيس الايراني مسعود بزشكيان حيث اعتبر 26 مشرعًا ايرانيًا ان مواقفه "ضعيفة ومحبطة"، محذرين من أن هذه التصريحات تعطي انطباعًا "بالخضوع وتُضعف موقف إيران، ما قد يشجع واشنطن على زيادة الضغوط أو التفكير في هجوم جديد". فيما واصلت صحيفة "كيهان" المقربة من مكتب المرشد الإيراني علي خامنئي انتقاداتها للرئيس الإيراني، بسبب مواقف حكومته من التفاوض مع الولايات المتحدة والعمل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية قائلة "هل من المنطقي التفاوض مع عدو هو مصدر كل العداوات والاعتداءات، ويجاهر بسعيه لإخضاع البلاد؟! أليس من السذاجة الجلوس مرة أخرى إلى طاولة المفاوضات مع من يهدد وجود الوطن نفسه في مواجهة عدو غادر!!".
وتأتي هذه المواقف مع تبادل اشارات بين الجانبين الاميركي والايراني بإمكانية استئناف المباحثات النووية التي توقفت نتيجة الحرب الاسرائيلية خاصة بعد تصريحات الرئيس الاميركي الاخيرة، والتي بدا فيها منفتحًا على الحلول الدبلوماسية على وقع تأكيده بالاضرار الجسيمة التي لحقت ببرنامج ايران النووي. هذا وهدّد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس بأن بلاده ستضرب طهران مجددًا "وبقوة أشد" إذا تعرضت لتهديد منها. أما رئيس الأركان إيال زامير، فاعتبر أن العملية العسكرية الأخيرة "أحدثت تأثيرًا إقليميًا كبيرًا وغيّرت موازين الشرق الأوسط"، وقال إن "التحولات الجيوسياسية في المنطقة تحمل فرصًا استراتيجية لإسرائيل من جهة، وتفرض تحديات تتطلب استعدادًا متزايدًا من جهة أخرى". هذه النبرة الاسرائيلية العالية اللهجة تزامنت مع دعوة رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كاستا، في اتصال هاتفي مع الرئيس الإيراني، إلى استئناف التعاون بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد تجميد عملها مؤخرًا.
في الشأن الدولي، أعلن الرئيس الأميركي، في حديث اعلامي، بأنه سيصدر "إعلانًا مهمًا" بشأن روسيا يوم الاثنين المقبل، من دون توضيح طبيعته. وتزداد رقعة الاختلاف بين ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين وذلك بسبب استمرار الحرب الاوكرانية وعدم التوصل الى اتفاق. وفي وقت سابق، أكد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن الولايات المتحدة وروسيا تبادلتا أفكارًا جديدة بشأن محادثات السلام وأنه سيقوم بنقلها للرئيس ترامب، رافضًا الغوص في التفاصيل. وعقد اللقاء بين روبيو ونظيره الروسي سيرغي لافروف على هامش اجتماع وزراء خارجية تكتل "آسيان" في كوالالمبور، وذلك بعد ساعات من هجوم جوّي روسي واسع النطاق ضد العاصمة كييف، أسفر عن مقتل شخصين وإصابة 22، بحسب ما أفادت به التقارير الاعلامية.
وفي الجولة الصباحية على الصحف العربية الصادرة اليوم نظرة الى أبرز تحليلاتها وعناوينها. وهنا موجز بأبرزها:
أشارت صحيفة "الخليج" الاماراتية، في مقال، الى أن "طهران تنطلق اليوم وسط وقائع مغايرة، فالبرنامج الذي استندت إليه قد تضرر بفعل الحرب الأخيرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وبصرف النظر عن حجم الضرر ومستوياته، ثمة حديث غربي وبمؤشرات إيرانية تحديدًا، عن أن البرنامج يستلزم سنوات للعودة لما كان عليه". وقالت "لا تملك إيران الأوراق السابقة التي تمكّنها من فرض ما تريد، أو التفاعل في أُطر مفاوضات يمكن المساومة فيها، وبصرف النظر عن نتائج الحرب الأخيرة الفعلية، لا إمكانية للعودة إلى الوراء".
هذا وتساءلت صحيفة "عكاظ" السعودية "هل توقفت الحرب الايرانية - الاسرائيلية فعلًا؟ لعلها توقفت بالفعل لبعض الوقت ريثما يتمكّن كل طرف من تقييم أضراره وترتيب أوراقه والتفكير في ما حدث، ولكن هل ستتخلى إيران عن برنامجها النووي؟"، مشددة على أنه "اذا لم تعلن إيران صراحة عن تخليها عن هذا البرنامج المثير للجدل فإن الحرب لم تنتهِ بعد، فقد تتمكّن إيران من إعادة ما تم تدميره مستقبلًا حتى وإن استغرق الأمر منها بعض الوقت، ولاسيما أنها راكمت الكثير من الخبرات نتيجة عمل مكثف لعقود طويلة في بناء هذا البرنامج النووي"، على حدّ قولها.
ومن ايران الى السودان، حيث اعتبرت صحيفة "الاهرام" المصرية أن "ما يحدث فى السودان جزء من تداعيات الخريف العربي الذي هب على بعض دول العالم العربي، وراح يحرق وجه وقلب العديد من هذه الدول حتى الآن". وأردفت قائلة "المؤكد أن هناك مؤامرات خارجية محكمة تستهدف العالم العربي، وعصفت تلك المؤمرات بالعديد من الدول وعلى رأسها السودان، والصومال، واليمن، وسوريا، وليبيا، والعراق، لكن الأخطر من المؤامرة في هو أزمة الوعي لدى كل الشعوب العربية بلا استثناء، والتي تتجلى بوضوح في تلك الدول التي وقعت في براثن المؤامرة، ولم تخرج منها حتى الآن".
وتحت عنوان "ماذا لو أوقفت واشنطن مساعيها في لبنان..؟"، كتبت صحيفة "اللواء" اللبنانية "لا يُخفى على أحد أنه في حال قررت الإدارة الأميركية وقف مساعيها في ملف السلاح، ورافقتها الدول العربية بإدارة الظهر عن لبنان، فإن البلد سيكون أمام منعطف بالغ الخطورة تتجاوز تداعياته السياسية، إلى تهديدات مباشرة على استقراره الداخلي ومستقبله الاقتصادي"، واضعة الكرة في ملعب "الدولة اللبنانية التي لم تحسم أمرها بتنفيذ مضمون خطاب القسم وما ورد في البيان الوزاري، لا في مسألة السلاح، ولا في استراتيجية واضحة للخروج من المأزق الوطني. فالحلول المؤجلة والرهانات الخاطئة لم تعد تثمر إلا مزيداً من العزلة والانهيار".
وفي السياق نفسه ومع تأزم الاوضاع الداخلية وتزايد الضغوط الخارجية، خصصت صحيفة "النهار" اللبنانية ملفّاً حول السلاح في لبنان بعنوان: "السلاح قاتل الدولة"، وذلك مع بروز قضية نزع سلاح "حزب الله"، وحيثيات التمسّك به وآثاره على البيئة الشيعية الحاضنة من جهة، والمجتمع اللبناني من جهة أخرى، إضافة إلى أهمية حصر السلاح عامة في لبنان بيد الدولة. ويعرض الملف مقالات وتحليلات لكتاب الصحيفة حول ماهيات السلاح ودوره والوظائف المراد منه وصولًا الى الواقع المُعاش حاليًا على وقع التطورات الاقليمية وتغير موازين القوى.
(رصد "عروبة 22")