يُعد موضوع التنمية البشرية المستدامة، من الموضوعات الحديثة التي اكتسبت أهمية كبيرة، لتعبّر عن الوجه الإنساني للتنمية والسياسات الاقتصادية، والتي يمكن قياسها في أي بلد من خلال مجموعة من المؤشرات ومنها مؤشرات التعليم ومدى انتشار المعرفة ودورهما في بناء تنمية بشرية مستدامة، فالمعرفة هي عماد التنمية وهي مفتاح التقدّم التي ننشدها جميعًا.
كما أنّ هناك علاقة متبادلة ومتداخلة بين بناء مجتمع المعرفة وتحقيق تنمية بشرية مستدامة حقيقية، فبناء مجتمع المعرفة المتضمّن توسيع المعارف والقدرات البشرية والاستخدام الواسع للمعلوماتية له دور في إيجاد التنمية الحقيقية، كذلك تتضمّن التنمية البشرية مقاييس أهمها تمكين الإنسان وتوسيع قدراته المعرفية لتوسيع إمكانياته على التحليل والابتكار والإبداع، ويعتمد مجتمع المعرفة في الأساس على استخدام تكنولوجيا المعلومات والإتصالات بإعتبارها أدوات أساسية للتغيير، ويجتاز الحدود التقليدية عن طريق توظيف تكنولوجيا المعلومات والإتصالات كوسيط يسرّع ويعزّز عملية التغيير في كافة جوانب المجتمع السياسية والإجتماعية والاقتصادية والتجارية والصحية والتربوية والثقافية، وذلك في سبيل إنتاج وتنظيم وتطبيق المعرفة.
التجديد المستمر ومواكبة احتياجات أفراد المجتمع المتغيّرة هما الشرطان الأساسيان للحفاظ عل القدرة التنافسية
إنّ تكنولوجيا المعلومات والإتصالات من شأنها أن تساهم في تعزيز التنمية من خلال مساهمتها في تطوير الأداء وتحسين نوعية الخدمات في كافة المجالات الإجتماعية، وكذلك في المشاركة ونشر المعرفة والوعي وتحقيق النمو الإقتصادي، والإنفتاح على السوق العالمية، وتطبيق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، إلا أنها في المقابل يمكن أن تزيد التفاوت في الدخل وتوسيع الفجوة بين الدول.
ولعل بناء مجتمع المعلومات هو الهدف الإستراتيجي لدول كثيرة، لكن بناء هذا المجتمع لا يمثّل عملية قائمة بذاتها وإنما يرتبط بالسياسات الاجتماعية الأخرى والتغيير الاجتماعي خاصة عندما يكون سريعًا فإنه يشكل تحديات جديدة دائمة لمتخذي القرار، وهناك حاجة إلى معرفة الوضع الراهن والمعارف الأساسية عنه، وكذلك إلى حقائق ذات صلة موثوق بها عن الاتجاهات الإنمائية في المجتمع، والقدرة على التجديد المستمر ومواكبة احتياجات أفراد المجتمع المتغيّرة، إذ هما الشرطان الأساسيان للحفاظ عل القدرة التنافسية في الأعمال التجارية، ويقتضي من أفراد المجتمع أيضًا قدرات وتصرّفات جديدة، فلم يعد كافيًا النظر إلى المتغيّر من منظور وطني، لأنّ آثار العولمة تمتد إلى جميع المجالات.
رأس المال البشري والفكري أكثر الأصول أھمیة في اقتصاد المعرفة
ويتطلّب بناء مجتمع المعرفة أيضًا، نشر التعليم للجميع وعلى كافة المستويات بما يمكّن المجتمع من المشاركة الفاعلة والإيجابية في رسم الخيارات التي تؤثّر في حياتهم وبالتالي في رسم الخطط التنموية الوطنية الشاملة، إذ یُعتبر الاقتصاد القائم على المعرفة والمنتج للتكنولوجيا من خصائص المرحلة الثالثة من التطوّر الاقتصادي، وتمثّل المعرفة خلال ھذه المرحلة المحرّك الرئیسي للنمو الاقتصادي، بحیث تعتمد قطاعات إنتاج السلع والخدمات على التكنولوجیات الحدیثة والابتكار، مما یمكّنھا من التواجد في أعلى سلّم القیمة المضافة.
ویُعتبر رأس المال البشري والفكري، أكثر الأصول أھمیة في اقتصاد المعرفة، ومن ھنا، فإنه من الطبیعي أن ترتبط قدرة الدول على إنتاج السلع والخدمات ذات القیمة المضافة العالیة، بإمكانيتها على مراكمة المعارف التطبیقیة، وبمدى تمكّنھا من إدماجھا في منظومات إنتاج السلع والخدمات، ویتطلّب ذلك بیئة مؤسسیة وتشریعیة مُحفّزة على ربط مخرجات أنظمة التعلیم والتكوین والبحث العلمي بالدورة الاقتصادية، ومُسھّلة لریادة المشاریع، وللاستثمار الخاص المُجدّد للنسیج الاقتصادي، ودافعة لاقتحام الأسواق العالمیة في القطاعات التي تمتلك المزایا التنافسیة.
یُنذر الوضع في كثیر من الدول العربية بعدم القدرة على تحقیق أهداف التنمية المستدامة في أفق 2030
واستنادًا إلى التقرير الاقتصادي العربي الموحّد 2023، یمكن تبیّن أوضاع الاقتصادات العربیة، فیما یخص مقوّمات اقتصاد المعرفة بالاعتماد على مؤشر المعرفة العالمي الذي شمل 16 دولة عربیة من ضمن 154 دولة، ویستنتج تقدّم الإمارات، السعودية، قطر، سلطنة عمان، الكويت، البحرين، بالإضافة إلى مصر وتونس في النصف الأول من الدول العربیة، بترتیب عالمي یتراوح بین 11 و 83 من بین 154 دولة مشمولة بالمؤشر، بینما تتراوح رتب الدول العربیة الثمانیة الباقیة بین 92 و 152.
وفي الختام، تأخّرت معظم الدول العربیة في التقدّم نحو إنجاز أھداف التنمیة المستدامة، ویُنذر الوضع في كثیر منھا بعدم القدرة على تحقیقھا في أفق 2030 حتى بالنسبة للاحتیاجات الرئیسیة، ویُبرز تقریر التنمیة المستدامة لعام 2022 وجود أربع دول عربیة فقط في النصف الأول من ترتیب 163 دولة مشمولة بمؤشر تحقیق أھداف التنمیة المستدامة، وھي على التوالي الجزائر 64، تونس 69، الأردن 80، وعُمان 81، بینما تواجدت باقي الدول العربیة في النصف الثاني من الترتیب، وتأخرت خاصة الدول التي تعاني من ظروف داخلیة غیر مؤاتیة على غرار الصومال 160، والسودان 159، وجیبوتي 155، والیمن 150.
(خاص "عروبة 22")