ثقافة

السينما الوثائقية العربية: تحدي "إثبات الذات"

المغرب - حسن الأشرف

المشاركة

شهدت السينما الوثائقية أو التسجيلية في الوطن العربي طفرة واضحة خلال السنوات الأخيرة، وتحديدًا الأفلام الوثائقية التي تلبي الشروط الفنية والإبداعية لهذا النمط من السينما التي تبحث عن "استنطاق التاريخ" بما يفيد الحاضر والمستقبل.

السينما الوثائقية العربية: تحدي

يخلط الكثيرون بين السينما الوثائقية وبين أشكال أخرى من الأفلام التي تُنعت خطأً بأنّها وثائقية، من قبيل برامج تلفزية تعرض لبعض الظواهر أو الأحداث، ما يجعل من الضروري تحديد ماهية السينما الوثائقية وأدوارها الإبداعية والفنية الحقيقية في الوطن العربي.

علاقة جنينية

يرى في هذا السياق الناقد السينمائي المغربي ورئيس المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي، الدكتور حبيب نصري، أنّ السينما الوثائقية في الوطن العربي تطرح العديد من الإشكاليات المتعلقة بطبيعة المفهوم، وكيفية تلقيه في وسط المهنيين والدارسين والباحثين والإعلاميين.. إلخ.

وفي حديثه مع "عروبة 22"، قال نصري: "إجمالًا، العلاقة مع الوثائقي في الوطن العربي جنينية، كسينما وكفكرة ورؤية إبداعية وجمالية، والتلفزيونات العربية، تحديدًا، ساهمت في نشر الوثائقي، القريب جدًا من الربورتاج/الفيلم التلفزيوني الوثائقي، وهذا له جانب من الأهمية، لأنّه فتح عيون المتلقي على جنس تعبيري وثائقي، ولو في صيغته التوثيقية/التعليقية بحضور التعليق الخارجي، وفي الوقت نفسه روّضه بطريقة مضمرة على أنّ هذا هو الوثائقي".

واستدرك بالإشارة إلى أنّ "تلفزيوناتنا العربية لها مبرراتها خصوصًا في ظل هيمنة الأمية والتبسيط الإعلامي وسيولة التكنولوجيا الحديثة، والرغبة في تقديم خدمة إعلامية عمومية مفيدة لكل الفئات المجتمعية، عوض تسلّق مرتفعات ثقافية ونخبوية خاصة بـ"الكبار" والراسخين في تفكيك الصورة وِفق مقاربات منهجية ذات بُعد فلسفي"، مضيفًا أنّ "الوثائقي كسينما وخطاب بصري إبداعي جمالي، ينهض على رؤية فنية عميقة وقابلة لتوليد العديد من القراءات، من الممكن القبض عليها في ما يمكن تسميته بالسينما الوثائقية المستقلة أو "الهشة" التي قد يتطلب تصويرها عدة سنوات نظرًا لطبيعة الفكرة وأبعادها، مثال فيلم "أشلاء" لحكيم بلعباس، وفيلم "قبل زحف الظلام" لعلي الصافي، وكلاهما من المغرب".

رؤية الذات والآخر

وأوضح رئيس المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بأنّه لجعل السينما الوثائقية تحتل مكانة نوعية في المشهد البصري العربي، ومن أجل التلذذ والاستمتاع بها (وفق مفهوم رولان بارت)، لا بد من المرور عبر المدرسة العربية، أي التعليم والتربية، والتصالح مع ثقافة الصورة ككل، وخلق متفرج مدرك لقيمة الصورة كخطاب بصري وجمالي.

وأكمل متسائلًا: "ماذا لو لم تكن بعض المهرجانات العربية الوثائقية التي تجتهد وتبدع في التنظيم واختيار أفلام وثائقية ذات بعد سينماتوغرافي؟، وماذا لو لم تسارع بعض الجامعات العربية لتدريس الوثائقي، مما جعل الطالب يدرك طبيعة السينما الوثائقية بمفهومها السينماتوغرافي/الجمالي، ويصبح قادرًا على التمييز بينها وبين ما يقدم باسمها في بعض قنواتنا التلفزية العربية؟".

وخلص نصري إلى أنّ "السينما الوثائقية لها خصائصها الشكلية، خصوصًا طبيعة الفكرة ومقاربتها بلغة الصورة عوض هيمنة الأصوات الخارجية، بل هي عبارة عن رؤية للذات والآخر والعالم ككل".

أسباب الانتشار

من جانبه يرى الناقد السينمائي والفني فؤاد زويريق أنّ "السينما الوثائقية أو التسجيلية في الوطن العربي عرفت تطورًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، وأصبحت لها مكانتها لدى المنتجين ولدى المهتمين والنقاد السينمائيين كذلك. والحديث هنا عن الأفلام الوثائقية الحقيقية المستوفية للشروط والمعايير المتعارف عليها في هذا المجال، وليس الروبورتاجات والبرامج التقريرية التي توصف خطأً بالأفلام الوثائقية أو التسجيلية وتعرضها قنوات وفضائيات عربية بما فيها تلك المتخصّصة".

واستطرد زويريق، في تصريحه لـ"عروبة 22"، أنّه "بعد أن كان الفيلم التسجيلي العربي حكرًا على نخبة قليلة من المهتمين، أصبح اليوم منتشرًا وله جمهوره العريض ومنتجوه وأيضًا، بل دعمته بعض الدول وخصصت له ميزانيات خاصة به، مثل المغرب، كما أصبحت الكثير من شركات الإنتاج الخاصة تتبارى في إنتاجه وتسويقه".

وأشار الناقد أيضًا إلى "الحضور الذي أصبح يعرفه هذا الجنس السينمائي داخل العديد من المهرجانات العربية المهمة، وخصّصت له بالفعل مهرجانات وفعاليات خاصّة به"، موردًا أنّ "الانتشار الذي عرفه الفيلم الوثائقي العربي مقارنة مع الماضي، ما كان ليحدث لولا انفتاح الفاعلين السينمائيين اليوم على التجارب والمدارس العالمية المتنوعة والاستفادة منها، وانفتاح الجمهور أيضًا على هذا الجنس السينمائي بفضل التكنولوجيا الحديثة، والتعرف على أسراره بعدما كان الفيلم الروائي فقط هو الغالب".

جودة تقنية ومنافسة عالمية

زويريق أكمل حديثه بالتأكيد على أنّ "المشاهد العربي أصبح يشاهد أفلامًا وثائقية عربية ذات محتوى قيّم وغني، وذات جودة جمالية وتقنية عالية تؤهلها للتنافس داخل المهرجانات والتظاهرات العالمية، بل إنّها تحصل على جوائز مهمّة". وأضاء في هذا المجال غلى أمثلة من قبيل فيلم "بنات ألفة" للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، و"كذب أبيض" للمخرجة المغربية أسماء المدير، وهما فيلمان حصلا السنة الماضية على أرقى الجوائز العالمية وتأهلا للقائمة القصيرة لجوائز الأوسكار".

وأضاف: "رغم هذا التطور والانتشار الذي عرفه الفيلم الوثائقي العربي داخل الوطن العربي وخارجه، إلّا أنّه ما زال يصارع من أجل إثبات الذات بشكل أكثر فعالية، وما زال يناضل من أجل الحصول على امتيازات الفيلم الروائي نفسه"، لافتًا إلى أنّ "الجمهور العربي رغم انفتاحه على الفيلم الوثائقي، غير أنّه ما زال يأخذ مسافة منه، وهذا ما يجعل عرضه داخل القاعات السينمائية إلى حد الآن محدودًا، لكنه حتمًا أصبح له حضور ملحوظ، وأضحى قادرًا على خوض التحدي والوصول إلى مكانته التي يستحقها لدى الفاعلين السينمائيين ولدى الجمهور على حد سواء".

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن