إثر إعلان البنك المركزي في الحكومة الشرعية البدء بسحب الطبعة القديمة من العملة المحلية وهي المسموح بتداولها في مناطق سيطرة الحوثيين، لجأ السكان إلى استبدال العملة المحلية بالدولار الأمريكي أو الريال السعودي حتى يتجنّبوا أي خسائر قد تترتب على المواجهة بين الطرفين والتي لا يُعرف على وجه الدقة مداها، وإن كانت تحظى بدعم غربي على خلفية تصعيد الحوثيين هجماتهم في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن.
الحكومة اليمنية التي تواجه أزمة مالية خانقة نتيجة منعها من قبل الحوثيين من تصدير النفط الخام منذ نحو عامين، تواجه اليوم صعوبة بالغة في صرف رواتب الموظفين في مناطق سيطرتها، ومع هذه الأزمة تراجع سعر الريال اليمني مقابل الدولار الأمريكي وبلغ سقف 1770 ريال لكل دولار للمرة الأولى في تاريخ البلاد، ولهذا اختارت المواجهة وأمرت جميع البنوك التجارية في مناطق الحوثيين بنقل مراكز عملياتها المصرفية إلى مدينة عدن التي تُتخذ عاصمة مؤقتة للبلاد.
هذه الخطوة أُلحقت بقرار تقييد قدرة وكالات السفر في مناطق الحوثيين على إصدار تذاكر السفر لرحلات الخطوط الجوية اليمنية التي تعمل وحيدة في تلك المناطق، لضمان أن يتم توريد عائدات البيع إلى مناطق سيطرتها، وهي تتجه حاليًا نحو الضغط على شركات الهاتف المحمول لتجديد تراخيص عملها ونقل مراكزها من صنعاء.
المواجهة وإن كانت تأتي في إطار الضغط الذي تمارسه الحكومة على الحوثيين كي يوقفوا تهديداتهم واستهدافهم لموانئ تصدير النفط، فإنها أتت برضا أمريكي بريطاني بعد سنوات من منع الجانب الحكومي من اتخاذ أي خطوات في هذا الجانب، وتعتقد السلطات الحكومية أنه ومن خلال هذه الإجراءات ستتمكن من حرمان الحوثيين من الحصول على العملة الصعبة من التحويلات المالية التي تُرسَل من المغتربين إلى أسرهم وتقدّر سنويًا بنحو 3 مليار دولار، وكذلك أموال المساعدات الإنسانية للمنظمات الاغاثية التي تصل إلى نحو 2 مليار دولار سنويًا 70% منها تذهب إلى مناطق سيطرة الحوثيين.
السفير اليمني لدى بريطانيا ياسين سعيد نعمان، وهو أمين عام سابق للحزب الاشتراكي إلى جانب أنه تولى منصب رئيس الحكومة في الجنوب ومن ثم رئيس برلمان دولة الوحدة، دافع عن الاجراءات التي اتخذها البنك المركزي مشددًا على أنه في المعارك المصيرية لا بد من استخدام كل ما تستطيع استخدامه من أدوات الدولة والمجتمع، بما في ذلك الاقتصاد والسياسة المالية والنقدية، وخوض معركة الخدمات الاجتماعية بما يجسّد الحرص على تعزيز روابط العلاقة بالمجتمع.
وقال نعمان إنّ كثيرين يخطئون حين يعتقدون أنّ الاقتصاد محايد في المعارك الوطنية الكبرى، ولذلك كان لا بد من التفكير بجدية في استخدامه في التصدي لـ"الانقلاب الحوثي على الدولة" الذي اتسعت مساحته لتشمل كل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والمالية والنقدية، وحتى الهوية، منبهًا إلى أنّ الحوثيين يعملون على إعادة بناء هذه الهوية في الوعي المجتمعي بمفاهيم فوضوية لإخماد اليمن في صياغة عنصرية لمضمون الهوية.
ورأى المسؤول اليمني أنّ البنك المركزي بما يقوم به من وظيفة مركزية، وبما يمتلكه من أدوات مالية ونقدية هامة، يُعد عنصرًا هامًا في معادلة هذه المعركة، وبيّن أنّ تأخّره في استخدام الأدوات الفاعلة فيها ربما كان بسبب ظروف خارجية غير مؤاتية، أو تقديرًا منه لعدم إلحاق الضرر بقطاع واسع من الأعمال والانشطة التجارية والبنكية، ومصالح المودعين، على الرغم من إصرار الحوثيين المستمر على اللعب بالسياسات المالية والنقدية واستخدامها كعنصر رئيسي في تكريس انقلابهم على الدولة وتجذيره في البنية السياسية والاجتماعية للمجتمع، وكان من ضمنها اتباع سياسة نقدية ومالية استفادت منها جماعة الحوثي وأضرّت بالاقتصاد.
وفي معرض نفي المسؤولين اليمنيين الاتهامات الحوثية لهم بأنهم أقدموا على هذه الخطوات نزولًا عند الرغبة الأمريكية للضغط عليهم لوقف هجماتهم على الملاحة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، فإنهم يؤكدون أنّ القرارات التي اتخذها البنك المركزي تندرج ضمن إطار الدفاع عن سيادة الدولة، والعالم دعم هذه الخطوة وتفاعل معها بعد أن سئم من مناورات الحوثي ورفضه لإنهاء الحرب والقبول بعملية السلام.
ومع إبداء مسؤولين يمنيين ودبلوماسيين غربيين قناعتهم بأنّ التوقيع على خارطة طريق السلام التي أعلن عنها مبعوث الأمم المتحدة "أصبح من الماضي"، فإنهم يعتبرون أنّ إقدام الحوثيين على "سك" فئة من العملة المحلية بدون موافقة البنك المركزي، أعطى الجانب الحكومي الفرصة للرد وخوض مواجهة تجنّب خوضها عدة مرات حتى لا تتأثر الكتلة السكانية الأكبر التي تعيش في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، حيث يمتلك البنك المركزي في عدن والمعترف به دوليًا سلطة منح تراخيص والاعتراف بالبنوك التجارية وبامكانه من خلال هذه السلطة وضعها على القائمة السوداء بحجة عدم امتثالها لمتطلبات مكافحة غسيل الأموال وتمويل الارهاب.
وترى المنظمات الإغاثية أنّ أي قيود تُفرض على التحويلات المالية - وقد بدأت مؤخرًا - من شأنها أن تحرم قطاعًا عريضًا من الأُسر اليمنية من أهم مصادر الدخل والتي مكّنتها من البقاء على قيد الحياة، خصوصًا مع إيقاف الأمم المتحدة توزيع المساعدات الغذائية في تلك المناطق منذ نهاية العام الماضي بسبب الخلاف مع سلطة الحوثيين حول قوائم المستحقين لهذه المساعدات، وسط تحذير هذه المنظمات من أنّ هناك 6 ملايين شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي وبعضهم بات على بُعد خطوة من المجاعة.
(خاص "عروبة 22")