تردّت خدمة الكهرباء العامة عن معظم أجزاء اليمن مع ما سُمّي بـ"الربيع العربي" وتوقفت مع اقتحام الحوثيين لصنعاء والسيطرة على الحكم وتمددهم نحو بقية المحافظات، لأنّ محطات التوليد الرئيسية تتواجد في محافظة مأرب التي تُنتج نحو 600 ميجاوات، إلى جانب محطتين كهرو حراريتين متهالكتين تم إنشاؤهما في منتصف سبعينات القرن الماضي إحداها في الحديدة والأخرى في المخا.
وبعد سنوات من لجوء معظم السكان في مناطق سيطرة الحوثيين إلى الألواح الشمسية للحصول على الطاقة في الإضاءة وسحب المياه إلى أسطح منازلهم، فتح الحوثيون الباب واسعًا أمام تجارهم لبيع الكهرباء بأسعار تزيد عن الأسعار التي كانت تقدمها الحكومة بنسبة عالية جدًا (من 12 ريال للكيلو إلى 350 ريال) ومنحت هولاء التجار حق استخدام الشبكة العامة في مقابل إعطاء وزارة الكهرباء في حكومتهم التي لا يعترف بها أحد نسبة من العائدات، قبل أن تعود جماعة الحوثي بعد ذلك إلى تشغيل محطات توليد حكومية موجودة في العاصمة ولا تزيد قدرتها الإنتاجية على 30 ميجاوات، ورفعت رسوم الاستهلاك إلى مستوى أسعار التجار ليتقاسموها مع التجار في مناطق سيطرتهم.
من جهتها، تجد الحكومة اليمنية نفسها عاجزة عن توفير هذه الخدمة في مناطق سيطرتها، فأعادت تشغيل المحطة الغازية الرئيسية في مأرب ولكن لتغطية المحافظة فقط، واستعانت بدول التحالف التي قدّمت محطة تنتج 100 ميجاوات في عدن إلى جانب المحطة الكهرو حرارية المقدّمة سابقًا من الاتحاد السوفيتي والتي تنتج 40 جيجا، كما قامت باستئجار مولّدات من شركات متخصصة، تتولى هي دفع فارق التسعيرة إلى جانب أنها ملزمة بتوفير الوقود والزيوت لهذه المولّدات ومعظمها متهالكة وينفَق عليها أكثر من قيمتها.
وكانت الحكومة قد اتجهت منذ 8 أعوام نحو إنشاء محطة لإنتاج الكهرباء باستخدام الغاز بقدرة 500 ميجاوات، لكن المحطة التي دخلت الخدمة مؤخرًا لا تعمل بكامل قدرتها، لأنّ الجهة المنفّذة للمشروع لم تقم ببناء خزانات للغاز، إلى جانب القصور في شبكة النقل ومحطات تحويل الطاقة، ولهذا فإنها تنتج أقل من 100 ميجاوات في اليوم.
وفي ظل درجة حرارة تتجاوز الـ40 درجة مئوية، بلغت ساعات انقطاع الكهرباء بشكل يومي في المدينة التي تتخذها الحكومة عاصمة مؤقتة للبلاد إلى أكثر من 12 ساعة في اليوم الواحد، ومع ذلك يؤكد المسؤولون أنّ الحكومة تنفق نحو مليار دولار سنويًا من أجل توفير الوقود واستئجار محطات للتوليد.
وخلال السنوات الأربع الماضية ساهمت السعودية في توفير الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء في مناطق الحكومة الشرعية، لكن الأخيرة وبعد أن انتهى الدعم السعودي وقفت عاجزة عن توفير كميات كافية من الوقود لتشغيل محطات التوليد، بما فيها المحطة الغازية، والتي تعمل أيضًا بالبترول الخام المنتج من محافظات مأرب أو شبوة أو حضرموت، إما لأنها لا تمتلك الأموال اللازمة او لأنّ السلطات في المحافظات تشترط الحصول على مقابل لكميات النفط الخام الذي ستقدّمه.
وفيما تؤكد "كهرباء عدن" أنه خلال هذا الصيف زاد حجم الطلب على الطاقة إلى 730 ميجاوات، بينما حجم التوليد المتاح لا يزيد على 280 ميجاوات، فإنّ الحديث لا يتوقف عن حجم الفساد في هذا القطاع وعن عجز الحكومات المتعاقبة على حل هذه المعضلة. إذ فشلت كل الوعود التي قُطعت للسكان في هذا المجال منذ العام 2016، بل زادت ساعات الإطفاء من 9 ساعات إلى 15 ساعة في اليوم الواحد.
ويؤكد تقرير برلماني عن وضع منظومة الكهرباء في عدن لوحدها خلال عام 2022 أنّ المبلغ الذي خُصّص لدعم الكهرباء في المدينة فقط، وبخلاف موازنة المؤسسة العامة للكهرباء ومنحة الوقود المجانية المقدّمة من السعودية، بلغ حوالى نصف مليار دولار، ووصف ذلك بأنه أعلى دعم في العام ذاته ويشكّل 85% من إجمالي دعم الوحدات الاقتصادية في البلاد.
التقرير وصف الكهرباء في المدينة بأنها معضلة لا تقتصر على مشكلة الموارد المالية، بل في الإدارة، وقال إنّ "خدمة الكهرباء" أصبحت بمثابة "ثقب أسود" يبتلع المال العام نتيجة لتفشي ظاهرة الفساد والاختلالات القائمة في هذا المجال. ومع ذلك يعتقد قطاع عريض من السكان أنّ هناك مخططًا لتدمير قطاع الكهرباء العمومية، وفتح الباب أمام الشركات الخاصة تمهيدًا لخصخصة القطاع، منبهين إلى أنّ ذلك سيكون كارثيًا على الناس، لأنّ متوسط الرواتب الشهرية لن يكون بمقدوره تغطية فاتورة الاستهلاك في ظل أسعار القطاع الخاص المعمول بها في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
(خاص "عروبة 22")