ثقافة

"ديستوبيا" عربية.. الذكاء الاصطناعي في السينما!

غالبًا ما تكون تيمات الذكاء الاصطناعي في السينما بمثابة عدسة يستكشف من خلالها صانعو الأفلام الأسئلة المجتمعية والأخلاقية والوجودية المعقّدة. يرمز الذكاء الاصطناعي إلى المرحلة التالية من التطور البشري أو إمكانية التجاوز إلى ما وراء الحدود البشرية، وتستكشف الأفلام التي عالجت هذه التيمة الثورية كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يؤدي إلى تحوّل الوعي البشري.

يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون بمثابة أداةً سردية لاستكشاف الموضوعات المعقّدة ودفع الحبكة إلى الأمام، وتقديم وجهات نظر فريدة حول السلوك البشري والقضايا المجتمعية.

بشكل عام، توفّر موضوعات الذكاء الاصطناعي في السينما مجالًا رمزيًا ثريًا لاستكشاف آمال البشرية ومخاوفها ومعضلاتها الأخلاقية في مواجهة التكنولوجيا المتقدمة. وتعكس هذه الموضوعات في السينما العربية اهتمامًا متزايدًا باستكشاف تأثير التكنولوجيا على المجتمع والثقافة في المنطقة. لكن على الرغم من أنها ليست غزيرة الإنتاج كما هو الحال في السينما الغربية، إلّا أنّ العديد من صانعي الأفلام العرب تعاملوا مع موضوعات الذكاء الاصطناعي بطرق مثيرة للتفكير وتعكس فضولًا إنسانيًا مشروعًا لمستقبل ضبابي غير واضح.

المنطقة العربية.. بين ديستوبيا الواقع وضبابية مستقبل الآلة

فيلم "2030" للمخرج المصري عمرو سلامة (انتاج سنة 2018)، يتخيّل مجتمعًا مستقبليًا يصبح فيه الروبوت شبيهًا بالإنسان، حيث تنشأ صداقة مع شاب صغير، يستكشف العمل مواضيع العلاقات بين الإنسان والذكاء الاصطناعي والاندماج المجتمعي.

تدور أحداث الفيلم في عام 2030، ويقدّم العمل السينمائي مصر المستقبلية حيث تطغى التكنولوجيا بشكل كبير، لكن المجتمع يواجه مشاكل اجتماعية وسياسية عميقة الجذور.

وتتشابك في الفيلم قصص متعددة، مع التركيز على شخصيات من مختلف مناحي الحياة التي تواجه تحديات شخصية على خلفية عالم متغير.

كما يتطرق فيلم "2030" من خلال سرده للأحداث، إلى موضوعات الحب والفقدان والهوية وتأثير التقدّم التكنولوجي على العلاقات الإنسانية والأعراف المجتمعية. وهو يتميّز بتصويره التأملي لمستقبل مصر وتعليقه على القضايا المعاصرة داخل المجتمع المصري.

نجد أيضًا تجربة سينمائية مميّزة للمخرج الفلسطيني أحمد صالح وفيلمه "عيني" الذي ترشح لجائزة الأوسكار عام 2016. فقد استخدم المخرج الرسوم المتحرّكة لتصوير العلاقة بين صبي فلسطيني وروبوت على شكل حيوان أليف، ويتطرّق الفيلم إلى مواضيع الفقدان والرفقة في بيئة مزّقتها الحرب.

يعالج الفيلم كذلك تيمة الأخوة عبر رصد قصة الشقيقين الفلسطينيين سامي وياسين اللذين تجمعهما علاقة قوية أثناء خوضهما غمار الحياة في الأراضي المحتلة، فيستكشف مواضيع الأسرة والصمود وتأثير الصراع على العلاقات الشخصية. وما يجعل فيلم "عيني" فريدًا من نوعه هو دمجه للمشاهد الحيّة من الحركة مع الصور المتحرّكة، مما يقدّم تصويرًا بصريًا مقنعًا ومؤثّرًا لتجارب الأخوين.

من جانب آخر، نستطيع القول إنّ السينما الخليجية تطرقت إلى تيمة الذكاء الاصطناعي بشكل محتشم من خلال فيلم "زنزانة" من إخراج الإماراتي ماجد الأنصاري، ويتناول فيلم الإثارة هذا لعبة القط والفأر بين رجل محتجز في زنزانة منعزلة ورئيس شرطة مثير للريبة. ورغم أنّ الفيلم لا يركّز على الذكاء الاصطناعي، إلّا أنّه يتطرق إلى المراقبة ودور التكنولوجيا في السيطرة والتلاعب.

يجوز لنا تصنيف فيلم "زنزانة"، على أنه بالأساس فيلم إثارة وإغراء تدور أحداثه بالكامل داخل حدود زنزانة سجن صغيرة في مركز شرطة معزول في الإمارات العربية المتحدة، ويتتبع الفيلم قصة طلال، وهو رجل يجد نفسه محاصرًا بعد اعتقاله بتهم مشكوك فيها. ومع مرور الوقت، يتوجب على طلال أن يخوض سلسلة من اللقاءات المكثفة والسريالية في كثير من الأحيان مع شخصيات مختلفة بما في ذلك ضابط شرطة فاسد وامرأة غامضة قد تحمل مفتاح حريته. يمزج الفيلم عناصر التوتر النفسي مع الفكاهة السوداء، مما يخلق سردًا مثيرًا يبقي المشاهدين "على الحافة" حتى نهايته المفاجئة.

هذه الأفلام وغيرها تشير إلى الاهتمام المتزايد بين صانعي الأفلام العرب باستكشاف الأسئلة الأخلاقية والاجتماعية والوجودية التي يثيرها الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا في السياقات المعاصرة والمستقبلية. وغالبًا ما تمزج هذه الأفلام بين الخصوصية الثقافية والمواضيع العالمية، وتقدّم وجهات نظر فريدة من نوعها حول التقاطع بين الإنسانية والتكنولوجيا.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن