اليوم، وفي ظل هذه الثورة الرقمية، هل سوف تبقى الدولة هي صاحبة السيادة في ما يخصّ تلك المواضيع؟ خصوصًا أنّ تأثير الذكاء الأصطناعي ووسائل الاتصال والدعاية ما عاد يقف عند حدٍّ مُعيّن، لدرجة أنّ تلك التقنيات في أحيانٍ كثيرةٍ تقف أمام سياسات الدولة ووجهتها، في عملية التأثير في الناس وفي تفكيرها وأهواء أمزجتها، بشكل يتعارض مع توجّهات وسياسات الدولة. وأكثر من ذلك، أصبح الذّكاء الاصطناعي يؤثّر في الأمن القومي للدول في تعطيل وضرب مشاريع عدّة، وبرامج قد تكون متنوّعة لناحية الإنتاج، وكذلك لناحية التسليح أيضًا، وقد وفّرت تلك التقنيات وسائل من التجسّس لا تدخل في الحسبان، حتى أصبحت الدول مكشوفةً بشكلٍ رهيب.
ألا يضعنا هذا الواقع أمام إعادة تضمين مفهوم السيادة أبعادًا جديدةً خصوصًا من قبل العلوم الاجتماعية والسياسية، والدراسات القانونية، لأننا ونحن نعيش هذه الأشياء بالملموس، فإنّنا نرى الخطر الذي يشكّله ذلك على الدول. وكيف الحال إذا كنّا أمام دولةٍ مفكّكةٍ وضعيفةٍ لناحية الموارد والخيرات والتّكنولوجيا، مقابل دولةٍ ضخمةٍ قويةٍ تقوم على إنتاج تلك المعارف؟ ألا يُشكّل ذلك خطرًا عليها لناحية إكراهها بسياساتٍ يفرضها الأقوى عليها؟ هذا احتمال!.
السيادة في زمن الخوارزميات: من يملك القرار في عصر الذّكاء الاصطناعي؟
نسأل هذه الأسئلة الموضوعية، ونحن أمام دولةٍ متفوّقةٍ تكنولوجيًا وهي إسرائيل، نرى كيف تتصرّف بكلّ عربدة، وكيف أنها مُتفلّتة، وهذا يعود إلى ما تملكه من معلومات، عن جميع الدول المجاورة لها، حتى أنّ الواحد منا أصبح متوجّسًا داخل غرفته المقفلة!.
هل لا يزال هناك حدود في ظلّ التقنيات الحديثة؟
من هنا، أمام الدول العربية تحدٍّ كبير، ليس فقط الدول العربية التي هي داخل الصراع المباشر، إنّما أيضًا تلك التي بينها وبين دولة الاحتلال علاقات سلام أو تطبيع، فحتّى هذه الدول ليست بمأمنٍ عن تلك العمليات التجسّسية على مراكز اتخاذ القرار، وأجهزة الدولة الحسّاسة، التي ربما تُشكّل تهديدًا مُبَطَّنًا لها. ألا يفرض ذلك خطة عملٍ مشتركة من قبل هذه الدول، لأنّ أمنها الوطني والقومي على المحكّ؟!.
ومن منطلق السيادة، هل لا تزال الدول قادرةً على السيطرة على مجالها، أي داخل إقليمها وترابها وسمائها، إنْ لم نقل على حدودها، لأنّ هذه المفاهيم تبدّلت، فعن أي حدودٍ نتكلّم؟ وبالأساس هل لا يزال هناك حدود في ظلّ هذه التقنيات الحديثة، طالما أنها تستطيع اختراق كلّ التحصينات لمؤسّسات وأجهزة الدولة؟ وهي قادرة على أن تعرف معلوماتٍ حتّى عن الرؤساء والقادة وهم في غرف نومهم! ألا تُسَهّل كل تلك التقنيات تأليب جماعاتٍ وفئاتٍ على بعضها، أو على الدولة؟. ومن هذا المنطلق تتعزّز التقسيمات والصراعات الداخلية بين الجماعات، وكيف إذا كنّا نتحدث عن سياقاتنا المجتمعيّة التي توفّر أرضية خصبة، نظرًا إلى الحروب الأهلية والمذهبية والطائفية التي لم تخمد بعد.
كيف نحمي سيادتنا؟
كان مفهوم السيادة يُشكّل حجرًا محوريًا في دراسات الفلسفة والقانون والعلوم الاجتماعية، وكانت العلاقات الدولية تقوم بشكلٍ رئيس على هذا المفهوم، وكانت مباحثات الدول بشكلٍ دائمٍ تعتمد على مبدأ السيادة وعدم التدخّل في شؤون الدول المجاورة، وكانت أجهزة الدول تستنفر بشكلٍ دائمٍ لحماية أمنها القومي والوطني، أي لحماية سيادتها.
الدولة العبرية تعمل استخباراتيًا ومعلوماتيًا داخل حصون الدول
السؤال، كيف نحمي سيادة دولنا العربية، أمام الدولة الصهيونية، وهي بطبيعة الحال كِيان عدواني، يُعبّر بشكلٍ صريحٍ عن أطماعه بأراضي الدول المحيطة، حتّى في أرض الحجاز وفق رؤيتها الإسكاتولوجية، من منظارٍ لاهوتيّ؟ وقد أظهرت منذ نشوب الحرب في الإقليم، من خلال تقنيات وسائل الاتصال الحديثة والذّكاء الاصطناعي، مدى خرقها لحصون الدول. ما يضعنا أمام خطرٍ على سيادة الدول إن لم يكن عسكريًا بشكلٍ مباشرٍ باقتطاع أراضٍ منها، فإنّ الدولة العبرية لا شكّ تعمل استخباراتيًا ومعلوماتيًا داخل حصون الدول بجمع المعلومات والتأثير في سياسات الدول كعملية ابتزاز، حتى تظهر تلك الدول بمظهر العجز والضعف لتفرض شروطها عليها، ومنها شروط السلام بالقوة والإكراه، حتى وإن كانت شعوب الدول لها رأي آخر!.
(خاص "عروبة 22")