قضايا العرب

كابوس حرائق الغابات في تونس.. ليست الحرارة وحدها السبب!

تونس - فاطمة البدري

المشاركة

مع تجدد موجات الحر السنوية في تونس يعود كابوس حرائق الغابات من جديد ليشكّل كابوسًا يرعب سكان المناطق الغابية الذين وجدوا أنفسهم على موعد متكرر منذ سنوات مع صور ألسنة اللهب التي لا تكتفي بالتهام مئات، وأحيانًا آلاف، الهكتارات من الشريط الغابي في غرب البلاد وشمالها، بل وتمتد للمحاصيل الفلاحية النباتية والحيوانية وأحيانًا حتى المنازل.

كابوس حرائق الغابات في تونس.. ليست الحرارة وحدها السبب!

ورغم أنّ الارتفاع الكبير في درجات الحرارة يُعد أحد الأسباب المباشرة للحرائق، إلا أنّ للعامل البشري دوره أيضًا في هذا الاتساع الهائل للحرائق سنويًا.

وأتت ثلاث حرائق اندلعت الأحد الـ28 من يوليو/تموز في أحد معتمديات محافظة باجة (شمال غربي) على أكثر من 7 هكتارات من المساحات الغابية، كما أدت إلى عدد من الخسائر فى ممتلكات السكان. وفي اليوم نفسه تمت السيطرة على حريقين في محافظة جندوبة لم تؤدِ لخسائر كبيرة.

تضاعف عدد الحرائق المسجلة بتونس في شهر مايو/أيار الفائت بست مرات، كما تضررت عشرات الهكتارات من المساحات المزروعة بالحبوب، بالحرائق، وفقًا لأرقام حكومية. بحيث سجلت مصالح الحماية المدنية التونسية اندلاع 43 حريقًا خلال الفترة نفسها طالت المحاصيل الزراعية وأتت على قرابة 106 هكتارات.

وحسب إحصائيات رسمية فإنّ عدد الحرائق قد ارتفع من 400 سنة 2012 إلى 458 حريقًا سنة 2021. أما بالنسبة للمساحات المتضررة فتوسّعت من 2400 هكتار إلى 25808 هكتارات خلال الفترة نفسها. وخلال صيف سنة 2023 سجلت وحدات الحماية المدنية 693 حريقًا في الغابات والأحراش.

وبلغ إجمالي المناطق الغابية المحروقة في تونس بين عامي 2016 و2023 حوالى 56000 هكتار، أي ما يعادل 4.7 بالمئة من إجمالي مساحة الغابات.

وأمام تفاقم هذه الكارثة لا تبدو الدولة التونسية قادرة على مجاراة تصاعد نسق الحرائق أو تعويض الأضرار الناجمة عنها خصوصًا في الغابات. إذ تؤكد الأرقام الرسمية أنّ عمليات إعادة التشجير قد تراجعت من 11249 سنة 2009 إلى 2601، رغم أنّ عدد الحرائق تزايد ولم يتراجع خلال هذه الفترة. إذ لم يعد بمقدور الهيكل المنوط بعهدته الحفاظ على الثروة الغابية القيام بدوره في ظل تلكؤ السلطات في معالجة الأزمة وعدم توفيرها الإمكانيات اللازمة لذلك رغم إدراكها حجم الخطر والتحديات التي يواجهونها.

ورغم أنّ السلطات التونسية تسعى لتشجير قرابة 5500 هكتار، خلال موسم 2023-2024، وهي تقريبًا المساحة نفسها التي فقدتها البلاد العام الماضي جراء اندلاع أكثر من 436 حريقًا، إلا أنّ هذا الرهان يبدو صعبًا في ظل الوضع الراهن الذي يشهد نقصًا في عدد الأعوان المكلّفة بالعناية بالثروة الغابية سواء على مستوى الحراسة أو الزراعة، فضلًا عن الإمكانيات الضعيفة، وهذا ما يؤكده أهالي المناطق الغابية.

ولا تقتصر انعكاسات حرائق الغابات على خسارة الثروة الغابية وتهديد البيئة، بل إنّ لها تبعات وخيمة على الجانب الإقتصادي المتعثّر أساسًا. إذ إنّ الغطاء الغابي في تونس يؤمن 14 بالمئة من الناتج المحلي الفلاحي و1.4 بالمئة من الناتج المحلي الوطني و14 بالمئة من مدخرات الطاقة. وتبلغ عائدات الغابات سنويًا ما يناهز 20 مليون دينار، من ضمنها ما بين 10 و15 مليون دينار في شكل مداخيل مباشرة إلى خزينة الدولة. كما أنّ الغابات المنتجة للفلين (مادة الخفاف) توفر عائدات لسكان المناطق الغابية. إذ تسمح غابات الفلين باستخراج 7.6 مليون وحدة علفية سنويًا، وتوفر 50 بالمئة من عائدات مبيعات المنتجات الغابية.

ولكن هذه الثروة تتراجع بسبب الحرائق واستنزاف الغابات، حيث تؤكد الأرقام الرسمية أنّ الإنتاج السنوي من الفلين قد تراجع من 9 آلاف طن خلال الثمانينات إلى 4 آلاف طن، حاليًا.

وتتراوح تكلفة احتراق الهكتار الواحد بين 20 و50 ألف دينار، كما يتكلف إعادة تشجير غابة واحدة حوالى 9 آلاف دينار.

ومما لا شك فيه أنّ الارتفاع الكبير في درجات الحرارة في تونس في السنوات الاخيرة بسبب تغيّر المناخ يؤدي لنشوب الحرائق في أنواع معيّنة من الغابات، إلا أنه في المقابل يشدد خبراء البيئة على أنّ نسبة كبيرة من حرائق الغابة تقف وراءها عدة عصابات أبرزها عصابات الخشب. وهؤلاء يعمدون إلى إشعال الحرائق لأنّ الكميات المتاحة من خلال التراخيص محددة وأقل بكثير مما يرغبون في استغلاله دون الاكتراث لتأثير ذلك على الثروة الغابية. في حين أنّ الحرائق تتيح لهم الفرصة لسرقة كميات كبيرة من الخشب لا سيما وأنّ الأشجار لا تحترق بشكل نهائي بل تظل أجزاء كبيرة منها صالحة للإستغلال. ويختار هؤلاء موسم الصيف حتى يُسجَّل الحريق على أنه اندلع بسبب الحر، لا سيما وأنّ الدولة لا تبدي صرامة في التعاطي مع الملف.

وهذا ما يؤكده الخبير في القضايا البيئية وتغيّر المناخ، حمدي حشاد، بقوله لـ"عروبة 22": "هناك مئات الأشجار المعمّرة التي تبلغ من العمر مئات السنين وتشكل موروثًا إيكولوجيًا هامًا تُقطع من طرف تجّار صناعة الفحم الذين لا يهتمون إلا بالربح المادي ولا يهتمون بقيمة الثروة الغابية. كما أنّ عددًا من حرائق الغابات التي نشبت خلال السنوات الأخيرة يقف وراءها باعثون عقاريون سعوا للتخلّص من الغابات من أجل كسب مساحات عقارية لإقامة الفنادق والمنتجعات السياحية". مضيفًا: "لقد فاقم الإفلات من العقاب هذه الجرائم، فبعدما كان معدل الحرائق في تونس قبل الثورة لا يجاوز 3 هكتارات سنويًا، أصبحنا نتحدث في عام 2013 عن خسارة 14 ألف هكتار، وفي عام 2021 عن اشتعال 27 ألف هكتار من الغابات".

تجدر الإشارة إلى أنّ الغطاء الغابي في تونس يمتد على مساحة مليون و250 ألف هكتار، وتمثّل الغابات مورد رزق لمليون شخص، أي حوالى 200 ألف عائلة يعيشون وسط المناطق الغابية. 

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن