قد تكون السنوات الأخيرة هي الأشد حرًّا على الإطلاق، وهو ما أدّى إلى بروز الكثير من الظواهر المناخيّة المتطرّفة على غرار بروز ظاهرة التصحّر بقوّة إذ أصبحت الرّمال تبتلع مناطق السّهوب المعروفة بمراعيها الواسعة وأجزاء واسعة من الشمال.
وللتدليل على هذا المعطى، يشرحُ الخبير الجزائري في الفعّاليّة الطاقويّة والأستاذ المحاضر في جامعة تلمسان والباحث في مخبر المياه والمنشآت في البيئة، الدكتور هاشميا دحاوي، لـ"عروبة 22"، إنّ "تقييم المناخ في الجزائر مقارنةً بالسنوات الماضيّة يكشف عن تغيّرات ملحوظة ومهمّة، وهذه التغيّرات تعكسُ تأثير التغيّر المناخي في البيئة الجزائريّة وتشمل الجوانب التالية: ارتفاع درجات الحرارة: واحدة من الظواهر البارزة هي الزيادة المستمرّة في درجات الحرارة، وأثّر هذا في النظام البيئي المحلّي حيث إنه وفقًا لدراساتٍ علميّة أجريت من طرف الباحثة الجزائرية سحنون فتيحة فإنّ منطقة شمال الجزائر سجّلت ارتفاعًا ملحوظًا في درجات الحرارة بمقدار 0,5 درجة مئوية ما بين عاميْ 1931 و1990، وتقدّر في السنوات الحالية بارتفاع درجة مئوية واحدة، ومن المتوقّع أن ترتفع هذه الحرارة بمقدار 2 درجتَيْن مئويّتَيْن في السنوات المقبلة بحلول 2050".
وما نجم عن الارتفاع القياسي في درجة الحرارة، تسجيل انخفاضٍ ملحوظ في مُعدّلات الأمطار ولا سيما في المناطق الشماليّة والغربيّة، وأدى هذا النقص إلى تدهور الظروف الزراعيّة، كما أنّ أكثر من 17 مليون هكتار مهدّدةً بالتصحّر في مناطق السّهوب (الواقعة بين سلسلتَيْ جبال التلي والأطلس الصحراويّة)، وفق تقرير البنك الدّولي.
الرعْي العشوائي
وما زاد الطين بلّة اليوم الرعْي المفرط الذي فاق قدرة الأراضي الرعويّة، وكان هذا الموضوع محل شكوى حديثة رُفعت من طرف جمعيّات متخصّصة في مجال حماية البيئة في المناطق الصحراويّة إلى مصالح الأمن الجزائري من أجل التدخّل لحماية الثروة الحيوانيّة والبيئيّة والنباتيّة وتعزيز التنميّة المستدامة. وأكدت الجمعيّات على أهمية منع الرعي العشوائي الذي أصبح يُمثّل تحدّيًا بيئيًّا مُهمًّا لا سيما في المناطق الصحراويّة، فهو يُؤدّي إلى تدهور الغطاء النباتي وزيادة معدّلات التصحّر مما يُؤثر سلبًا في البيئة، كما أنه يمثّل أحد الأسباب الرئيسيّة في اختفاء بعض الأنواع النباتيّة في الصحراء.
وفي محاولةٍ منها لإنقاذ ما تبقى من المسطّحات الخضراء، اهتدت الجزائر مُؤخّرًا إلى إطلاق مشروع بعث "السدّ الأخضر" الذي بدأ فعليًّا في السبعينيّات من دون أن يُعرف له تاريخ مُحدّد وأنشئ خلال تلك الفترة لغايةٍ واحدة وهي مُحاربة زحف الرمال أو التصحّر، لكن وبعد مُرور سنوات تبيّن أنه لم يُحقّق الأهداف المطلوبة لعدة أسباب أهمّها أنّ الخطوات الأولى لم تكن مدروسة دراسةً علميةً صحيحة. فما المطلوب اليوم لإنجاح المشروع وتجاوز الصعوبات القانونيّة والسياسيّة التي تحول دون تطوره منذ ظهوره؟
زراعة أصناف نباتيّة ملائمة
يجزم المُهندس الزراعي والناشط البيئي، نبيل زغبة، بضرورة توسيع دائرة المُقترحات والحلول الناجعة والمدروسة من أجل تحديد الأصناف النباتيّة المقاومة للتصحّر ولا سيما أنّ درجة خطورته تختلف بشكل عام من مدينة إلى أخرى وهذا تبعًا لاختلاف العوامل التي تقف وراء الظاهرة سواء كانت طبيعيّة أم ناتجة عن البشر.
ويقترح زغبة، في حديث لـ"عروبة 22"، "زراعة الفستق الحلبي حيث يلعبُ دورًا حيويًّا في الحدّ من التصحّر وترقيّة الاقتصاد المحلّي وفي هذه الحالة تكون الجزائر قد حققت أهدافًا متعدّدة لا تتعلق بالبُعد البيئي فقط"، ويجبُ التقيّد بعاملٍ آخر في هذا الإطار، والمتمثّل حسب المهندس الزراعي، في "انتقاء الأصناف ذات النمو السريع ولا سيما المقاومة للآفات والأمراض والجفاف".
التحدّي الآخر الذي قد تُواجهه الجزائر، وفق زغبة، هو "التكلفة الباهظة للمشروع" فنحن اليوم نتحدث عن آلاف الهكتارات الممتدة من شرق البلد إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، وهو ما خلصت إليه الدكتورة سلاماني ليلى (الأستاذة المحاضرة في كلّية الحقوق لجامعة الجزائر 1)، في مقال منشور في كتاب أعمال ملتقى القانون الدولي وتحدّيات التغيّر المناخي، تحت عنوان محاربة التصحّر و"تجربة السدّ الأخضر"، وقالت إنّ "هناك عقبات قانونيّة وسياسيّة لإضفاء صورة واضحة على المشروع، لأنه ليس ذات وجهة وحيدة، وهذا ما تترجمه مبادرة الحكومات الجزائريّة منذ 2020 لإشراك عدّة قطاعات وزاريّة وفواعل مؤسساتيّة واجتماعيّة للتنسيق فيما بينها لإنجاح المشروع، والدليل على ذلك هو التفكير في إمكانيّة إدراجه ضمن الميزانيّة العامّة للدولة لأنّ أبعاده تفوق قدرات وزارة واحدة أو مديريّة عامّة".
ولمواجهة التحدّيات المطروحة أمام مشروع "السدّ الأخضر"، تقترح الدكتورة منال سخري، الأستاذة والخبيرة في السياسات البيئيّة والتنميّة المستدامة، "إنشاء صندوق دعم يقوم على إسهامات حكوميّة ودوليّة، مع تطوير سياسات بيئيّة صارمة تحظر القطع الجائر والرعي العشوائي".
ويبقى عائق آخر ينبغي تجاوزه في المرحلة المقبلة حتى يتسنّى نجاح برنامج "الحزام الأخضر" والمتمثل حسب المهندس الزراعي في "ضعف اليد العاملة ولا سيما المؤهّلة منها"، علمًا أنّ الجزائر برمجت غرس ما يزيد عن 57 مليون شجرة في 13 مدينة خلال الفترة الممتدة ما بين 2023 و2025.
(خاص "عروبة 22")