قضايا العرب

"التكيُف" و"أمن الطاقة".. ماذا يريد العرب من مفاوضات COP28؟

القاهرة - أحمد شوقي العطار

المشاركة

منذ أكثر من 40 عامًا، تم التعامل مع أزمة تغيّر المناخ على اعتبارها مشكلة عالمية، ما مهّد فيما بعد لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ 1992، وهي معاهدة بيئية دولية، تهدف إلى "تثبيت تركيزات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي عند مستوى يحول دون تدخّل خطير من جانب البشر".

لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ هيئات حاكمة، وتحلّ تلك الهيئات محل صانع القرار الأعلى لمختلف المعاهدات، ويُعد مؤتمر الأطراف "COP"، بمثابة هيئة صنع القرار للاتفاقية.

تجتمع الهيئة سنويًا منذ عام 1995 لاتخاذ الإجراءات اللازمة للمواجهة، وفي نهاية العام الجاري، تستقبل الإمارات العربية المتحدة النسخة 28 من مؤتمر الأطراف.

في مفاوضات المناخ، يُسمح لكلّ طرف بالتفاوض بشكل فردي، لكن في الغالب تعمل الأطراف بشكل عام من خلال مجموعات أو تكتلات لوضع أهداف تفاوضية، وتعدّ مجموعة الدول العربية إحدى أبرز مجموعات التفاوض الرئيسية في المفاوضات المناخية.

أهمّ ما تسعى لتحقيقه المجموعة العربية في مؤتمر المناخ حسم ملفات "التمويل" و"التكيّف" و"الطاقة"

تتكوّن المجموعة من 22 دولة عربية هم أعضاء جامعة الدول العربية، وتقودها المملكة العربية السعودية، وتتحدث بالنيابة عن المجموعة في جميع الجلسات العامة الرئيسية.

رغم التباين في ظروف الدول العربية، ما بين بلدان غنية وأخرى ذات دخل متوسط أو منخفض، إلا أنها استطاعت على مدار سنوات توحيد خطابها وأهدافها خلال عمليات التفاوض.

لدى المجموعة العربية أهداف واضحة في جميع الملفات المناخية الملحّة، لكن تظلّ أهمّ ما تسعى لتحقيقه في مؤتمر المناخ المقبل، هو حسم ملفي التمويل والتكيّف، وهما ضروريان تحديدًا لبلدان المنطقة، متوسطة ومنخفضة الدخل، بالإضافة إلى ملفّ الطاقة، وهو يمسّ دول الخليج بشكل رئيس.

التحديات

ترتفع درجة حرارة المنطقة العربية في المتوسّط أسرع بمرّتين من بقية العالم، وفق الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ (IPCC).

ارتفعت درجات الحرارة في المنطقة بالفعل بشكل كبير، وستستمرّ في ذلك حتى إذا تمكّن العالم من كبح ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية عند عتبة 1.5 درجة مئوية، وهو هدف اتفاق باريس المبرم في عام 2015.

العالم العربي يمكن أن يشهد ما يصل إلى 4 درجات مئوية من الاحترار بحلول عام 2050 

وستظلّ المنطقة تشهد زيادة في متوسّط درجات الحرارة بحوالى درجتين مئويتين بين عامي 2021 و 2039، مع ذروة درجات الحرارة في الصيف.

تشير تقديرات أكثر إثارة للقلق، إلى أنّ العالم العربي يمكن أن يشهد ما يصل إلى 4 درجات مئوية من الاحترار بحلول عام 2050 مقارنةً بمستويات ما قبل الصناعة، وهي زيادة من شأنها أن تجعل كثيرًا من المناطق غير قابلة للسكن .

حالات الجفاف والفيضانات والحرائق هي الأشكال الأساسية لاضطرابات المناخ التي أصبحت شائعة وتزعزع استقرار المنطقة العربية وأماكن أخرى.

ما يقرب من نصف سكان المنطقة قد عانوا بالفعل من آثار حادة وطويلة الأمد للجفاف، والتي عادة ما تتبعها نوبات شديدة من الفيضانات.

هذه الأشكال من الاضطرابات هي كلّها علامات على أزمة مياه كبرى بالمنطقة، تلوح في الأفق، حيث أنّ وجود الكثير من المياه في بعض دول المنطقة أو القليل منها في البعض الآخر، يشير إلى التدهور المستمر في دورة المياه كأحد الدوافع الرئيسية للضعف في المنطقة العربية .

هذا التدهور يجعل المنطقة العربية أكثر مناطق العالم انعدامًا للأمن المائي على كوكب الأرض، ومع زيادة آثار تغيّر المناخ سيتفاقم الوضع بشكل غير مسبوق.

يتردّد صدى الإجهاد المائي وفقر المياه بنهاية المطاف في جميع جوانب المرونة المجتمعية: فهو يؤثر على الأمن الغذائي والأمن الصحي وأمن الطاقة، وعلى نطاق أوسع، على احتمالية التنمية المستدامة الجيّدة.

بالإضافة إلى ذلك، تواجه العديد من الدول العربية أزمات تتعلّق بالزراعة والبنية التحتية غير المؤهلة للتعامل مع آثار تغيّر المناخ، كالجفاف وموجات الحر وارتفاع مستوى سطح البحر، ما يهدّد بخسائر كبرى في حال عدم التكيّف مع هذه الآثار.

التكيّف والتمويل

في مواجهة جميع هذه الاحتمالات، تُعدّ قضية التكيّف أمرًا أساسيًا للبلدان العربية، ذات الدخل المتوسط والمنخفض على وجه التحديد.

ويُقصد بـ"التكيّف"؛ تغيير السياسات والسلوكيات بهدف المرونة مع آثار تغيّر المناخ التي حدثت بالفعل أو متوقع حدوثها مستقبلًا، وهي إحدى استراتيجيتين استقرّ العالم على أهمّيتهما لمواجهة أزمة تغيّر المناخ.

يُطلق على الاستراتيجية الأخرى "التخفيف"، وتعني الإجراءات الرامية إلى الحدّ من ارتفاع درجة الحرارة العالمية، مثل تقليل الانبعاثات والتحوّل للطاقة النظيفة.

يقول المهندس شريف الديواني، رئيس شركة MGM لأعمال المناخ، إنّ ملف التكيّف وتمويله يُعدّ من أولويات المجموعة العربية خلال المفاوضات المناخية، نظرًا لبيئتها شديدة التأثّر بارتفاع درجات الحرارة وارتفاع مستوى سطح البحر وزيادة مخاطر الفيضانات والجفاف.

يضيف الديواني في تصريحه لـ"عروبة 22": "ستضغط المجموعة خلال المفاوضات المناخية المقبلة من أجل هدف طويل الأجل أو رؤية بشأن التكيّف لضمان وجود تكافؤ بين التكيّف والتخفيف ولتجنّب وجود هدف يُركّز على التخفيف فقط."

منذ بدأت المفاوضات المناخية قبل أكثر من 30 عامًا، لم تحظَ استراتيجية التكيّف أبدًا بالاهتمام الذي حظيت به استراتيجية التخفيف، سواء من حيث التمويل أو التخطيط.

لم تُشكّل التمويلات المخصّصة لمشروعات التكيّف سوى حوالى 25 في المائة من إجمالي تمويل المناخ، وتوجه الـ75 في المائة الأخرى نحو التقنيات الخضراء للتخفيف من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وفق تقرير فجوة التكيّف لعام 2022.

ستضغط المجموعة العربية لإلزام الدول المتقدّمة بتنفيذ تعهداتها التي أعلنت عنها في 2009

لعلّ السبب في ذلك، أنّ البلدان الغنية ذات الانبعاثات العالية، كانت طوال سنوات التفاوض السابقة تهتمّ بـ"التخفيف" على حساب "التكيّف"، لأنها تمتلك اقتصادات قوية وبنية تحتية وتكنولوجيا متطورة ستمكّنها من مواجهة الآثار المناخية بمرونة، على عكس الدول النامية التي تعتبر إجراءات التكيّف "أولوية" بالنسبة لها.

سيقود ذلك إلى ملفّ آخر وهو التمويل، وفق الديواني، الذي يقول: "ستسعى المجموعة العربية، ومعها باقي الدول النامية، لسدّ فجوات التمويل بين التخفيف والتكيّف، عبر دعم الأهداف المتعلقة بمضاعفة تمويل التكيّف بحلول عام 2025، في محاولة لتعويض سنوات من نقص التمويل، وبالتالي الضغط على البلدان المتقدمة لزيادة دعمها لمبادرات التكيّف في البلدان النامية من خلال الأدوات المتاحة مثل صندوق التكيّف وصندوق المناخ الأخضر، كما ستسعى المجموعة العربية لإلزام الدول المتقدمة بتنفيذ تعهداتها التي أعلنت عنها في 2009، بضخ 100 مليار دولار سنويًا للدول النامية والأقل نموًا بحلول 2020، وهو ما لم يحدث حتى الآن".

لم تعد الـ100 مليار دولار مناسبة في ظل الأوضاع الحالية بعد زيادة أضرار المناخ بشكل ملحوظ، وفقا للديواني، الذي طالب المجموعة العربية بأن تدفع في اتجاه تحديد هدف عالمي جديد للتمويل.

اقترحت المجموعة العربية بالفعل، في مفاوضات بون (حزيران/يونيو الماضي) هدفًا جديدًا قدره 1.1 تريليون دولار سنويًا بحلول عام 2030. يشمل ذلك، بحسب الديواني، زيادة التدفقات المالية والتعجيل بها وتخصيص التمويل اللازم لمعالجة الخسائر والأضرار الناجمة عن تغيّر المناخ، وأن يعتمد التمويل على المنح وليس القروض وتسهيل إجراءات الحصول عليها.

تحوّل الطاقة

خلقت الصادرات الأحفورية اقتصادات ريعية في عدد من البلدان في جميع أنحاء المنطقة. ومن غير المرجّح أن تتخلّى هذه الدول عن مصدر قوتها الاقتصادية والسياسية، حيث أن تغيير أنظمة الطاقة بشكل سريع، سيغيّر بالضرورة الطريقة التي تُدار بها السلطة وقد يتسبّب في أزمات اقتصادية على المستوى الوطني.

كما أنّ الحرب في أوكرانيا أعطت الدول المصدّرة للوقود الأحفوري، مثل المملكة العربية السعودية نفوذًا اقتصاديًا أكبر، وهي قوة ضغط لا ترغب البلدان المعتمدة على الوقود الأحفوري في التخلي عنها على الأرجح.

تدفع السعودية، ومعها الصين وروسيا، في اتجاه ما يسمى بأنظمة احتجاز الكربون وإزالته، والتي ستمكّن العالم من مواصلة الاعتماد على الوقود الأحفوري كالمعتاد لأطول وقت ممكن، على أن يتولى الابتكار التكنولوجي وقف الكوارث المتعلقة بالمناخ في نهاية المطاف.

من المتوقع أن تزداد حدة معركة "الوقود الأحفوري" في مفاوضات دبي

في المقابل، يدفع الاتحاد الأوروبي ومعه بعض الدول الغنية، والبلدان الجزرية الصغيرة، نحو اقتصاد عالمي خالٍ من الوقود الأحفوري، مع دعوات بأن تحلّ الطاقة النظيفة محل التقليدية في أسرع وقت.

في مؤتمر المناخ السابق بشرم الشيخ، اندلعت معركة بين هذين الطرفين قبل البيان الختامي، بحيث أصرّت الدول الغنية على إدراج نصّ يُلزم الأطراف بالتخلّص التدريجي من الوقود الأحفوري، وهو ما عارضته بشدة دول مثل السعودية وروسيا، ومن المتوقع أن تزداد حدة هذه المعركة في مفاوضات دبي المقبلة.

تبرّر الدول المعارضة رفضها لهذا النص بأنه غير واقعي، وأنه لا يمكن التخلّص من الوقود الأحفوري فجأة مما قد يحدث أزمات عالمية، كما أنه يخالف قضية الانتقال العادل للطاقة، حيث يجب أن تضع كل دولة بمفردها خططًا للتحوّل تتناسب مع إمكانياتها وقدراتها وتكون عادلة في نهاية المطاف.

الدكتور هشام عيسى، المنسق الوطني السابق للاتفاقية الإطارية لتغيّر المناخ بالأمم المتحدة، يعتقد أن رؤية السعودية والدول المعارضة واقعية إلى حد كبير، ويقول: "لا يمكن التحوّل للطاقة المتجددة بالأساس من دون الاعتماد على الوقود الأحفوري، وعمليًا، لا يمكن التخلّص من الطاقة الأحفورية بالكامل".

ويضيف عيسى في تصريحه لـ"عروبة 22": "كل الأنشطة الاقتصادية كثيفة الاستخدام للطاقة، لا يمكن أن تعتمد على الطاقة المتجددة بشكل كامل، خاصة مع زيادة الطلب على المنتجات الخاصة بها، ولا يمكن التخلّص من الوقود الأحفوري فجأة، فذلك قد يسبّب أزمات واضطرابات عالمية، ويؤثّر على احتياجات العالم".

ويرى عيسى أنّ لكل دولة وضعًا خاصًا، إذ "لا يمكن معاملة السعودية مثلًا كدولة مثل النرويج في مسألة تحوّل الطاقة، فكل دولة لها إمكانيات وقدرات مختلفة، وهذا ما نسميه بالانتقال العادل".

ويذهب عيسى بتوقعاته إلى الإعراب عن اعتقاده بأنّ الرؤية السعودية ستفرض نفسها في المفاوضات المقبلة "لأنّ الدعوات الأخرى غير واقعية، ويغلب عليها الطابع السياسي بالأساس". 

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن