تُمثّل "الأعلاف غير التّقليديّة" أحد السُّبُل الفعّالة لمواجهة هذه الأزمَة الّتي تُمثّل ضغطًا كبيرًا على الاقتصادات العربيّة. ويبلغ عدد المواشي في الوطن العربيّ حوالى ٤٠ مليون رأس من الأبقار و۱۸۰ مليون رأس من الأغنام والماعز و١٢ مليون رأس من الإبل. ويساهم السّودان وحدَه بحوالى ٦٠٪ من إنتاج الثّروة الحيوانيّة في الوطن العربيّ.
ومن أهمّ التَّحدِّيَّات التي تواجه الثّروة الحيوانيّة في الوطن العربي معضلة توْفير الأعلاف الحيوانيّة في ظلّ تزايُد حجْم الثّروة الحيوانيّة خلال السّنوات الماضيّة بالتّوازي مع تراجُع المَراعي الطبيعيّة جرّاء التّغيّرات المُناخيّة إضافةً إلى الزّيادة السّكّانيّة الأمر الذي خلق تنافُسًا بين الإنتاج الزّراعي المُخصّص للاستهلاك البَشريّ وذلك المخصّص للاستهلاك الحَيوانيّ، وهذا جعل أغلب الدّول العربيّة تستورد معظم مكوّنات العلائق التّقليديّة مثل الذّرة الصّفراء وفول الصّويا بما يعادل ٣٦ مليون طن سنويًّا بقيمة تقدر بنحو ٨ مليارات دولار ما يُشكّل نزيفًا حقيقيًّا للعُمُلات الصّعبة في الوطن العربيّ.
الاستيراد يرفَعُ أسعار المُنتجات الحيوانيّة ويقلّل القيمة المُضافَة لعمليّة إنتاجها
وما زادَ الطّين بلّة، الحرب بين روسيا وأوكرانيا اللتين تُعدّان من أهمّ الدّول المصدّرة للأعلاف والتي أضرّت بسلاسل التّوريد وأدّت لارتفاع أسعار مكوّنات الأعلاف بصورة غير مسبوقة ونقصِها في السّوق العالمي.
وقد انعكس كل ذلك على أسْعار اللّحوم والألبان في الأسواق المحليّة العربيّة، الأمر الذي أدّى لتراجُعٍ في نصيب الفَرد من البروتين الحيوانيّ في العديد من الدّول العربيّة، مع تقلّص قطاع الإنتاج الحيوانيّ في عدّة دول بالمنطقة وتعرّض العاملين والمستثمرين في هذا القطاع لأزماتٍ متعدّدة.
وعلى الرّغم من المحاولات العديدة للحكومات العربيّة للتّخفيف من الزّيادات المُتواليَة في أسعار اللّحوم والألبان من خلال التّوسّع في زراعة الأعلاف التّقليديّة إلّا أنّ التّغيُّرات المُناخيّة في المنطقة تُعرْقِل هذه الجهود نتيجة الجفاف ونُدرة المياه.
وفي هذا الإطار، خفّفت بعض دول الخليج من عمليّة زراعة الأعلاف في أراضيها لأنها تستنزفُ احتياطيّ المياه المحدود لديها ولجأت بدلًا من ذلك لاستيرادها من الخارج.
ولكنّ الاستيراد يُفاقِم بدورِه نزيف الدّولارات في المنطقة، ويرفَعُ أسعار المُنتجات الحيوانيّة ويقلّل القيمة المُضافَة لعمليّة إنتاجها لأنّ الأعلاف تمثّل نحو ٧٠٪ من تكاليف العمليّة الإنتاجيّة.
من هنا فإنّ أحد الحلول هو في الأعلافِ غير التّقليديّة النّاتجة عن المُخَلَّفَاتِ الزّراعيّة ومخلّفات التّصنيع الزّراعي لسدّ الفجوة في توفّر الأعلاف الحيوانيّة وبخاصّة في ظلّ وفرة تلك المُخلّفات وتنوّعها من حيث الكمّ والقِيمة الغذائيّة بالإضافة إلى كونِها مَصْدرًا رَئيسيًّا للتلوّث البيئيّ في المنطقة ما يتطلّب تحويلها إلى منتجٍ ذي عائدٍ اقتصاديّ في إطار الحَاجَة المُلحّة للحِفاظ على البيئَة العَربيّة.
وفي هذا الإطار، يمكن استخلاص الأعلاف غير التّقليدية من المُخلّفات الزّراعيّة حيث يمكن الاستفادة من بقايا محاصيل مثل القمح والشّعير والأرز والبقوليّات. ومن الأجزاء التي يمكن الاستفادة منها بمخلّفات هذه المَحاصيل القشّ والأوراق والسّيقان، والتي غالبًا ما تتحوّل لنفايات، لكن يمكن معالجتها وتحويلها إلى أعلاف مغذّيّة عبر استخدام تقنيّات المُعالجَة البيولوجيّة والكيميائيّة. فعلى سبيل المثال، تُعتبر أوراق النّخيل وبذوره غنيّة بالمغذّيات ويمكن استخدامها في تغذية الحيوانات.
وهناك أيضًا المخلّفات الصّناعية الزّراعية وتشمل هذه المخلّفات المُنتجات الثّانويّة النّاتجة عن الصّناعات الغِذائيّة، مثل قشور الفاكهة والخضراوات، بالإضافة إلى بقايا استخراج الزّيت من بذور الزّيت مثل عباد الشّمس وفول الصّويا.
ويمكن تحويل هذه المُخلّفات إلى أعلافٍ غنيّة بالبروتين باستخدام طرقٍ بيولوجيّة مثل تخمير المَواد الغنيّة بالسّليلوز باستخدام أنواعٍ معيّنة من الفِطريّات.
كما تُعدّ الأعشاب البحريّة والنّباتات المائيّة العذبَة مثل الأزولا من المصادِر الواعِدة للأعلاف غير التّقليديّة، ويعتبر الأزولا من النّباتات السّريعَة النّمو والغنيّة بالبروتين، ويُستخدَم في تغذيَة الماشية والدّواجن والأسْماك.
على الحكومات العربيّة التّوسع في الاستثمارات اللّازمة لإنتاج الأعلاف غير التقليدية ووضع خطّة تكامُليّة لتَطوير الأبحاث
وهناك مخلّفات الطّعام التي تشمل المخلّفات العُضويّة من المنازل والمَطاعم مثل بقايا الخضراوات والطّعام غير المُستهلَك، والتي يمكن معالجتها وتحويلها إلى أعلافٍ للحيوانات بطرقٍ عِلميّة تحافظ على الصّحّة العامّة، ما يساهم في تقليل النّفايات في المكبّات وتوفير مصدر تغذيَة مُسْتَدَام.
وتساعد هذه الأعلاف البديلة على تقليل التّأثيرات البيئيّة من خلال إعادة تدوير المُخلّفات الزّراعيّة والصّناعيّة، كما تساهم في خفض تكاليف الأعلاف، وزيادة إنتاج اللّحوم والألبان.
ومع ذلك، يتطلّب دمج هذه الأعلاف في النّظام الغذائي للحيوانات إدارةً دقيقةً لضمانِ توازنِها الغِذائي.
ويحتاج التّوجّه إلى الأعلاف غير التّقليدية إلى تطويرِ تقنيّات جديدة وحلولٍ ابتكاريّة لتحسين طرقِ معالجتِها وزيادة قيمتِها الغِذائيّة لتُماثِل الأعلاف التّقليديّة.
من هنا يجب على الحكومات العربيّة التّوسع في الاستثمارات اللّازمة لإنتاج تلك الأعلاف ودعم الأبحاث والدّراسات العلميّة المعنيّة بها، ووضع خطّةٍ تكامُليّة بين الدّول العربيّة لتَطوير الأبحاث في هذا المضمار عبر إطارٍ عربي مشترك لتقليل التّكاليف والاستفادة من الخبرات المُتنوّعة.
يمكن للعرب تقليص فاتورة الاستيراد لمكوّنات الأعلاف التّقليديّة ووقف نزيف العُمُلات الأجنبيّة
إن تخصيص استثمارات في هذا المجال سيؤدّي إلى خلق فرص عمل جديدة للشّباب وتحسين الدّخل في المناطق الرّيفيّة العربيّة بالإضافة إلى التغلّب على تأثير تقلّبات أسعار مكوّنات الأعلاف في الأسواق العالميّة في قطاع الإنتاج الحيواني ممّا يعزّز الاستقرار في مجال الأمن الغِذائي العربي.
وبهذا، يُمكن للعرب عبر هذا المسار تقليص فاتورة الاستيراد لمكوّنات الأعلاف التّقليديّة ووقف نزيف العُمُلات الأجنبيّة الذي يؤثّر بصورة كبيرة في اقتصاديّاتِها وخطط التّنمية فيها.
(خاص "عروبة 22")