أثار مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والقاضي بالاستيلاء على قطاع غزّة وتهجير سكّانه بهدف تحويله لـ"ريفييرا الشرق الأوسط" سيلاً من المواقف وردود الفعل المستهجنة والمنددة داخل فلسطين وخارجها حيث أكدت عدة دول عربية وأجنبية رفضها التام لتهجير الفلسطينيين وتوطينهم في أماكن أخرى، محذرة من تداعيات ذلك وخطورته على استقرار المنطقة وأمنها.
وقد استدعى هذا التصريح، الذي بدا صادماً وخارجاً عن المألوف، حراكاً ديبلوماسياً عاجلاً، حيث بدأ الرئيس الفلسطيني محمود عباس زيارة إلى الأردن للقاء الملك عبدالله الثاني، لبحث التداعيات والتطورات، في حين التقى رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى، بوزير الخارجية المصرية بدر عبدالعاطي، وقد شدّد الجانبان على ضرورة إدخال المساعدات "بوتيرة متسارعة" وإعمار قطاع غزّة من دون تهجير أهله. هذا وتتعرض كل من عمّان والقاهرة الى ضغوط كبيرة بعد موقف الرئيس الاميركي المتكرر والداعي لاستقبالهما الفلسطينيين وتهديده "المبطن" بأنهما "سيفعلان ذلك".
ووسط مخاوف من خطورة مقترح ترامب، عكس الموقف السعودي، والذي سبقه مواقف عربية موحدة، ضرورة الالتزام بـ"حل الدولتين" باعتباره أساساً لحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وضمان احترام حقوق الفلسطينيين بالعيش على أرضهم ورفض كل أشكال تصفية القضية الفلسطينية. وعاكست "قنبلة" ترامب، التي فجرها بحضور رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، كل التوقعات خاصة انها تأتي مع انطلاق المرحلة الثانية من اتفاق وقف النار في غزّة والتي تُعبد الطريق أمام مناقشة مواضيع محورية كإعادة الاعمار، كما تتزامن مع "شهية" نتنياهو المفتوحة لتوسيع الاستيطان، وهو الذي يخوض منذ قرابة أسبوعين معركة "تهجير" في الضفة الغربية المحتلة عبر توسيع عمليته العسكرية التي أُطلق عليها تسمية "السور الحديدي".
وغداة ما اعتبره كُثر "نكبة جديدة" أو "ترانسفير" سيؤدي الى تغيرات جذرية في الشرق الأوسط، سارع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو الى "تبرير" موقف ترامب بقوله: "إن الاقتراح لم يكن معادياً، بل كان على ما أعتقد خطوة سخية جداً، كان عرضاً لإعادة الإعمار". وكان البيت الأبيض أعلن أنّ واشنطن "لن تموّل إعادة إعمار غزّة"، وذلك يترافق مع الحملات للضغط على الفلسطينيين، الذين يواجهون أعتى حملة عسكرية وانسانيّة ضدهم مع عرقلة اسرائيل ايضاً ادخال المساعدات وفق الاتفاق المبرم، ما يجعل الحياة أكثر صعوبة وسط غياب كل المقومات اللازمة للاستمرار. في حين لا تزال فرق الإسعاف غير قادرة على الوصول إلى الضحايا العالقين تحت الركام وفي الطرقات.
من جهتها، ردّت طهران على سياسة "الضغط القصوى"، التي أعاد ترامب العمل بها، بالتأكيد على أنها "ستفشل" كما في المرحلة الاولى، حيث جاء على لسان وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي تشديده على أن مخاوف ترامب في شأن حصول طهران على أسلحة نووية "لا أساس لها"، مؤكداً أن بلاده ملتزمة بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
في غضون ذلك، استعرضت إيران قوتها العسكرية خلال تدريب عسكري أجرته، أمس، واستخدمت فيه أنظمة دفاع جوي بعيدة المدى روسية الصنع كرداً على إسرائيل التي قالت، في وقت سابق، إنها أضعفت بشكل كبير القدرات الدفاعية لطهران في الضربات التي شنتها في تشرين الاول/ أكتوبر الماضي. يُذكر أن قيمة الريال الإيراني هبطت إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق (850 ألف ريال مقابل الدولار) بعد إجراءات ترامب الأخيرة ضد طهران.
وعلى المقلب الروسي، دعا نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف الولايات المتحدة الى إتخاذ "الخطوة الأولى في تطبيع العلاقات على أساس الاحترام المتبادل والحقوق المتساوية". وأضاف: "منفتحون على الحوار ومستعدون للتوصل إلى اتفاق من خلال مفاوضات شاقة مع الأخذ في الاعتبار الحقائق على الأرض... لذا فإن الأمر متروك لدونالد ترامب وفريقه لاتخاذ القرار". ويعول كثيرون على دور ترامب في إنهاء الحرب الأوكرانية، كما صرح مراراً، خصوصاً بعد وقف المساعدات المقدمة لأوكرانيا ما يثير كثير من التساؤلات عن السياسة الاميركية التي سيتم اتباعها في العهد الحالي والتي تختلف عن سابقه جو بايدن.
لبنانياً، ورغم كل الاجواء الايجابية التي سادت أمس والتوقعات بولادة الحكومة اللبنانية بعد عرض الرئيس المكلّف نواف سلام مسودة التشكيلة الحكومية على رئيس الجمهورية جوزاف عون، إلا أن بعض "التعديلات" حالت دون ذلك، وسط توقعات بأن يكون هذا الاسبوع مفصلي ويتم خلاله الاعلان الرسمي بعد الكثير من الجدل الإعلامي والتصريحات السياسية التي كادت تفجر الاوضاع. ويصرّ سلام على تشكيل حكومة إصلاحيّة مع تشديده على رفضه السماح بأي محاولة لتعطيل عملها، وهو ما عبر عنه صراحة في تصريحه الذي تناول خلاله الجوانب التي واكبت عملية التأليف.
وبانتظار خروج "الدخان الابيض" من قصر بعبدا، لا تزال عدة قرى جنوبية تحت سيطرة الاحتلال الاسرائيلي الذي يُمعن بالتدمير الممنهج وسط حركة اتصالات ديبلوماسية ومباحثات تجري في عدة اتجاهات لضمان خروج قواته في المهلة المحددة بـ18 شباط/ فبراير الحالي دون أي تأخير أو مماطلة، كما في المرة الاولى. في المقابل، أفادت وكالة "تسنيم" الإيرانية أن المرشد الأعلى الإيراني على خامنئي عيّن الأمين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم ممثلاً له في لبنان.
وفي المشهد السوري، تلقى الرئيس أحمد الشرع اتصال تهنئة من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي دعاه إلى "زيارة باريس في الأسابيع المقبلة". كما وأبدى، وفق البيان الصادر عن الرئاسة السورية، "دعمه الكامل للمرحلة الانتقالية الحالية"، مؤكداً "مساعي بلاده لرفع العقوبات عن سوريا وإفساح المجال للنمو والتعافي". من جانبها، أشارت الرئاسة الفرنسية، في بيان، الى أن ماكرون أكد ضرورة مواصلة الحرب ضد الإرهاب، التي تصب في "صالح الشعب السوري وكذلك أمن الأمة الفرنسية". كما دعا إلى دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بشكل كامل في عملية الانتقال في سوريا. يُشار إلى أن ماكرون هو أول زعيم أوروبي، ومن داخل الاتحاد الأوروبي، يهنئ الشرع على توليه الرئاسة في سوريا.
التصريحات التي أدلى بها ترامب وتداعياتها كانت محور عناوين الصحف العربية الصادرة اليوم، حيث:
أشارت صحيفة "عكاظ" السعودية أن "فكرة الاستيلاء والغزو تعيدنا إلى ما قبل قيام العالم الجديد والنظام العالمي الذي نشأ بإنهاء الاستعمار وتكوين الأمم المتحدة والقانون الدولي". وقالت: "الرئيس ترامب يعتقد أن الدول لا تختلف عن منتجع مارا لاغو يمكن الاستيلاء عليها ضمن صفقات، وإذا لزم الأمر بالقوة. هذه العقلية تشكل خطراً على العالم بأسره عندما تعشش في جمجمة رئيس أقوى دولة في العالم، بل إنها تشكل خطراً حتى على الدولة التي يقودها، لأن العالم لن يستسلم للتهديد وممارسات الفوقية والإملاءات المتعسفة".
ولفتت صحيفة "الدستور" الأردنية الى أن تصريحات ترامب عن خطة بلاده في السيطرة على قطاع غزّة "يبدو أنها ليست أنية أو وليدة الساعة انما جزء من الاستراتيجية الأمريكية لبسط نفوذها على منطقة الشرق الأوسط والتحكم بثرواتها"، متحدثة عن عدة خطوات على الصعيد العربي و"عدم المراهنة على الدبلوماسية او حالة الانتظار أمام رئيس جاء بمهمة إتمام الملفات الصعبة التي بقيت مؤجلة في ادراج الرؤساء الأمريكية السابقين رافضين ان تسجل في تاريخهم السياسي".
وتحت عنوان: "لا" كبيرة لتهجير الفلسطينيين، كتبت صحيفة "الخليج" الاماراتية "ربما لا يدرك ترامب أن غزّة وأي أرض عربية أخرى ليست مشاعاً يمكن لأحد أن يستولي عليها، من خلال القوة والهيمنة"، داعية الى "موقف عربي موحد بحجم مستوى الخطر الذي تمثله خطة ترامب، ومحاولة فرض واقع جديد وخطر في المنطقة، وخصوصاً محاولة ممارسة ضغوط على كل من مصر والأردن لحملهما على قبول خطته".
بدورها، رأت صحيفة "القدس العربي" أن "ترامب، تجاوز بمراحل، ما توقعناه قبل أيام من سيناريوهات خلال لقائه مع نتنياهو، ولم يعد الخيار بين "أمريكا أولا" و"إسرائيل أولا" فقد ذهب ترامب إلى مناطق أبعد مما كان يحلم به عتاة الإرهابيين والمجرمين والمتطرفين في حركات اليهودية الصهيونية". وأضافت: "ترامب تفوق على برنامج نتنياهو، الذي قضى جلّ عمره السياسي يحلم بالوصول إليه، وتفوق على أحلام شركائه من غلاة أحزاب الصهيونية اليهودية، ودعاة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي للفلسطينيين".
ونبهت صحيفة "الوطن" العُمانية بأن "ما يجعل هذه الخطة أكثر خطورة هو أنها تأتي في سياق دولي متوتِّر، حيث يبدو أن ترامب لا يكتفي بإشعال الصراعات، بل يسعى إلى خلْق معركة كبرى قد تجرّ العالم إلى مواجهة جديدة". وتابعت: "إذا كان التاريخ قد علَّمنا شيئاً، فهو أن مشاريع الاحتلال والتهجير القسري للسكان لا تمرّ دون مقاومة، وما يقترحه ترامب ليس مجرد حلٍّ سياسي، بل هو إعلان حرب مفتوحة على شعب غزّة، وعلى كل مَنْ يرفض الإملاءات الأميركية ـ الصهيونية في المنطقة".
من جانبها، اعتبرت صحيفة "البلاد" البحرينية أنه "وبعد أكثر من قرن تبدو ملامح سايكس - بيكو جديد تتشكل هذه المرة من خلال حروب طاحنة وصراعات داخلية وتفتيت ذاتي من الداخل، كما لو أن الشرق الأوسط يعيد رسم حدوده بنفسه، ولكن وفق مخططات مرسومة سابقا"، مستنتجة أن "أن الشرق الأوسط يقف على حافة تغييرات غير مسبوقة، قد تعيد رسم حدوده ليس بالقلم والورق، بل بالنار والحديد".
هذا وجزمت صحيفة "الصباح" العراقية بأن "قطع المساعدات الأمريكية عن الأردن ومصر سيكون له تداعيات كبيرة، ولكنه لن يكون بالضرورة قادرًا (أي ترامب) على إجبار البلدين على تغيير موقفهما" في ما يتعلق بتهجير الفلسطينيين، مشددة على أن "الأردن ومصر لديهما مصادر بديلة للدعم، سواء من دول الخليج أو من قوى إقليمية ودولية أخرى. بالإضافة إلى ذلك، فإن القضية الفلسطينية تحظى بتأييد شعبي واسع في كلا البلدين، مما يجعل أي تنازل في هذا الملف أمراً صعباً من الناحية السياسية".
(رصد "عروبة 22")