ثقافة

الثقافة العربية في دوائر مُغلقة!

على الرَّغم من انشغال النّخبة العربية من المحيط إلى الخليج بهموم الثقافة العربية، سواء السياسية أو الاجتماعية او الاقتصادية، إلّا أنّ متفحّص المشروع الثقافي العربي عن قرب، يمكن أن يلحظَ عقدةً خفيّة، وهي أنّ الثقافة العربية تعيش في دوائر مُغلقة، أيّ من النّادر أو القليل أن تنفتِح على بعضها، هي تتجاور، ولكن بينها حائط عالٍ من الطين!

الثقافة العربية في دوائر مُغلقة!

دافع هذا المقال، أنّ ندوةً (عن المياه في الوطن العربي) كانت قد عُقدت في الكويت وبالتحديد في الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية، وهو مؤسسة عربية تنمويّة مقرّها الكويت، وفوجئت أنّ اللجنة المنظّمة، وهي متخصّصة، لم تكن تعرف أنّ هناك دراسات تمّت في الخليج عن المياه وبالتّحديد كتاب "حتّى لا يعطش الخليج" والذي صدر عن منتدى التنمية الخليجي في عام 2016!

ظهر "منتدى التنمية الخليجي" إلى العلن عام 1979 وأعماله تُشكّل ثروة معرفية تطوّعية ومستقلّة

ولوضع من يرغب في صورة "ما هو منتدى الخليج للتنمية"؟ هو منتدى تطوّعي تدارَست نخبة من أبناء الخليج فكرَته قبل نصف قرن على الأقلّ، وسط سبعينيّات القرن الماضي، وقبل إنشاء مجلس التعاون الخليجي المعروف اليوم، وكانت الفكرة أن يتداعى أبناء الخليج (رجال ونساء) من أجل إنشاء هذا المنتدى التطوّعي، فظهر إلى العلن في أوّل اجتماع له في أبو ظبي عام 1979 (فبراير/شباط من ذلك العام).

فِكْرَتُهُ أن يختار موضوعًا تنمويًّا له علاقة بدول الخليج، وتُكْتَبُ حوله أوراق بحثيّة من متخصّصين، ثم يجتمع الأعضاء والمدعوون (بشكلٍ تطوعيّ وعلى حسابِهم الخاص) لمناقشة الموضوع من كلّ زواياه. وبعد الاجتماع، الذي يدوم يومًا ونصف اليوم تقريبًا، يُترك لمدير المشروع تحرير الأوراق والمناقشات، ثم يصدر في كتابٍ، إمّا ورقي أو إلكتروني (في الفترة الأخيرة). وبعد سنوات أصبح للمنتدى موقع إلكتروني خاص بعنوان "منتدى التنمية الخليجي" يمكن الاطّلاع عليه، إذ يحتوي على عدد ضخم من الكتب المتخصّصة.

وخلال ستة وأربعين عامًا، كان اللقاء دائمًا في الأسبوع الأول من فبراير/شباط من كل عام (ما عدا أعوام الجائحة)، ويُطرح في تلك اللقاءات التي تلتئم في إحدى عواصم الخليج موضوعٌ للنقاش.

من هنا أصبح للمنتدى حتى الآن تاريخ من الأدبيّات المعمّقة، والتي صدرت في كتب، أما فيما يُعرف باللقاء العام، أو اللقاء التخصّصي، فهو الذي يُخصّص، خارج اللقاء العامّ، لدارسة موضوع بعينه.

بعض تلك الكتب تمّ نشرها ورقيًّا من خلال بعض مؤسسات النشر العربي، وربّما ذِكْرُ بعض العناوين يمكن أن تقدّم للقارئ تصوّرًا عمّا نتحدث عنه.

من عناوين الكتب واللقاءات الآتي (وأنا هنا أقدم عيّنة فقط): ندوة المشروعات العامّة في التنمية الاقتصادية (1982)، البيروقراطية النفطية ومعضلة التنمية، (1983)، دول مجلس التعاون نظرة مستقبلية (1995)، قضايا وهموم المجتمع المدني (1995)، الخليج العربي وفرص وتحدّيات القرن الحادي والعشرين (1999)، الحادي عشر من سبتمبر وانعكاساته على دول الخليج (2020)، تحدّيات التحوّل الديموقراطي في الخليج (2001)، الخليج والمتغيّرات الدولية، علاقات الخليج بأميركا (2025)، اتجاهات الشباب في دول مجلس التعاون (2006)، الطفرة النفطية الثالثة وانعكاساتها على مجلس التعاون (2009)، التعليم العالي والتنمية في دول الخليج (2011)، المرأة الخليجية والتنمية (2019)، حقوق الانسان في الخليج (2020)، الفساد وتأثيره على التنمية في دول الخليج (2023)، دور المعرفة والثقافة في تعزيز التنمية في دول الخليج (2023).كما أن هناك 35 كتاباً تناولت موضوعات متنوعة في مجالات التنمية بدول الخليج، وتشكل هذه المؤلفات مراجع ثرية تضيف معرفة معمقة حول الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لهذه الدول.

جهد بحثي جاد لا يعرف عنه الكثيرون ما يؤكّد أنّ الثقافة العربية هي في دوائر مغلقة على نفسها

تلك بعض العناوين، التي صدرت فيها كتب من أعمال منتدى التنمية، والبعض الآخر موجود على موقع المنتدى الإلكتروني، إنّها ثروة معرفية الأهم فيها أنّها تطوّعية وبالتالي مستقلّة.

أين العُقد المخفية هنا؟ هي الجهد الذي بُذل من أعضاء هذا المنتدى، وبعض المؤسّسين اليوم باتوا في رحمة الله، مع تجدّد الدماء ما أمكن. فهذا الجهد البحثي الجاد لا يعرف عنه الكثيرون حتّى في دول مجلس التعاون، وبالتأكيد هناك قلّة تعرف عنه خارج دول مجلس التعاون من المثقّفين العرب، مما يؤكّد الافتراض في بداية هذا المقال أنّ الثقافة العربية هي في دوائر مغلقة على نفسِها. ما يفرض السّؤال: كيف يمكن أن تُفتح هذه الدوائر وتتشابَك؟.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن