العرب وتحديات الذكاء الاصطناعي

عصر الرّقمنة: العالم العربي في مهبّ رياح التغيير !

القاهرة - أحمد أبو المعاطي

المشاركة

تُقوّض نسب البطالة المُستشرية في العديد من بلدان العالم العربي، لا سيما بين الشباب، إلى جانب التراجع اللّافت في جودة التعليم، استراتيجيّات التحوّل الرّقمي التي اعتمدتها العديد من بلدان العالم خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يضع المنطقة العربية في ذيْل قائمة التحوّل الرّقمي عالميًا.

عصر الرّقمنة: العالم العربي في مهبّ رياح التغيير !

يلعب الارتفاع الملحوظ في معدّلات الفقر، وتباطؤ وتيرة النموّ الاقتصادي في العديد من بلدان العالم العربي، دورًا كبيرًا في إخفاق العديد من التجارب النّاهضة في هذا المجال الحيوي، في وقتٍ يُسجل سوق التحوّل الرقمي العالمي أرقامًا قياسيةً، بلغت حسب إحصاءات مطلع العام الحالي، نحو 1.1 تريليون دولار، في إطار خططٍ شاملةٍ للتنميـة المُسـتدامة، ترتكز إلى قيمةٍ أخلاقيةٍ كبرى، تتمثّل في العمل على إنصـاف الأجيـال القادمـة، وتمكينها من الحصـول علـى حقّهـا العـادل مـن المـوارد الطبيعيـة والخدمـات الاجتماعيـة في بلدانها.

وعلى الرَّغم ممّا شهدته العديد من بلدان المنطقة العربية من تحوّلات كبرى، على طريق التحوّل الرقمي خلال العقد الماضي، إلّا أنّها لا تزال تعاني حسبما تشير العديد من الدراسات الحديثة، من تراجعٍ لافتٍ في هذا المجال، إذ لا يزال نحو 30% من سكان المنطقة مُستبعَدين تمامًا من هذا التحوّل، في وقتٍ لا يُمثّل الاقتصاد الرّقمي في المنطقة العربية، سوى نحو 4% من إجمالي النّاتج المحلي، وهي نسبة ضئيلة للغاية مقارنةً بالمتوسط العالمي الذي يصل إلى نحو 15.5%، وذلك نتيجة عددٍ من المعوّقات، على رأسها العوامل الاقتصادية والاجتماعية وما تعانيه المنطقة منذ عقود من صراعات دامية.

تتصدّر التجربة الإماراتية قائمة الدول العربية التي شَرَعَت في هذا الاتجاه منذ سنوات، وهو ما يجعل منها حسب الكثير من الخبراء، نموذجًا رائدًا في استراتيجيّات التحوّل الرّقمي عربيًا، خصوصًا بعد النجاح الكبير الذي حققته في القطاع الحكومي، عبر تبنّي تقنيات الذّكاء الاصطناعي، وما سجّلته من قفزات كبرى في الكثير من نواحي العمل الحكومي ووزاراته المختلفة، للدرجة التي دفعت الإمارات الى تعيين وزير للذّكاء الاصطناعي في حكومتها التي تشكّلت عام 2017، وما تلا ذلك من استحداثٍ لمنصب الرئيس التنفيذي للذّكاء الاصطناعي، يختصّ بتنفيذ استراتيجية وطنية لـ"البلوك تشين"، وهي واحدة من أبرز الآليّات المتقدّمة لقواعد البيانات، تسمح بمشاركة المعلومات بشكلٍ شفّافٍ داخل شبكات الأعمال، وتستهدف الإمارات تحقيقها كاملةً في غضون السّنوات المقبلة، بهدف تحويل ما يقرب من 50% تقريبًا من المعاملات الحكوميّة إلى "بلوك تشين"، وتعزيز نموّ هذا القطاع.

نجحت الإمارات في إطلاق العديد من الخدمات الرّقمية، التي حققت نجاحًا ملموسًا، وعلى رأسها خدمة الهويّة الرّقمية، التي تُتيح وصول المستخدمين إلى خدمات الهيئات الحكومية، وتقديم حلولٍ سهلةٍ للدخول إلى الخدمات المختلفة عبر الهواتف الذّكية، من دون الحاجة لزيارة مراكز الخدمة، وهو ما دفع بها إلى المركز الأوّل عالميًا، في مؤشر البنية التحتيّة للاتصالات، وِفقًا لتقرير الأمم المتحدة لمسح الحكومة الإلكترونية عام 2024، إلى جانب تصدّرها تقريرٍ مؤسسة "أكسفورد إنسايتس"، وهي واحدة من كبريات مؤسّسات الأبحاث والاستشارات المتخصصة في تقديم المشورة بشأن التحوّل الرّقمي لدول المنطقة في مؤشر جاهزية الحكومات للذّكاء الاصطناعي، وسط مؤشرات إلى أنّ الدولة ستشهد خلال السنوات الخمس المقبلة، أكبر تأثير لهذه الاستراتيجية في الاقتصاد المحلّي، بنسبٍ تقترب من 14% من النّاتج المحلي الإجمالي، وبواقع 96 مليار دولار خلال العام 2030.

تعكس النجاحات التي حققتها دولة الإمارات العربية، حسبما يرى الدكتور إسلام جمال صابر، المدرّس في قسم علوم المعلومات بكلية الآداب لجامعة بني سويف، أهمّية التحوّل الرّقمي باعتباره أحد أهم الاستراتيجيّات والأهداف التي تسعى الكثير من دول العالم إلى تحقيقها، من أجل رفع جودة الخدمات الحكومية من جهة، والارتقاء بمستوى الخدمات المعيشية من جهة أخرى، بحيث يؤدّي التحوّل الرّقمي إلى توفير الجهد والوقت والمال على المستفيدين، فضلًا عن ترشيد الإنفاق الحكومي، ورفع الإنتاجية وخلق مكانةٍ تجاريةٍ محفّزةٍ وقادرةٍ على المنافسة، واستقطاب الاستثمارات والشراكات الدولية، الى جانب ما يلعبه التحوّل من دورٍ كبيرٍ في حوْكمة الأداء، ودعم اتخاذ القرار بصورةٍ أكثر دقة، بناءً على أُسُسٍ علمية سليمة.

تتطلّب مشاريع التحوّل الرّقمي بطبيعتها، حسبما يرى الكثير من الخبراء في هذا المجال، تعاوُن جميع المؤسّسات الحكومية، بهدف تفعيل وتعزيز هذا التعاون على مستوى تقديم الخدمات، وتنسيق المهام والوظائف بين المؤسّسات المختلفة، مثلما تحتاج أيضًا إلى إرادةٍ سياسيةٍ من أعلى المستويات القياديّة، فممارسات التحوّل الرّقمي تُبنى في جوهرها، حسبما تقول الدكتورة حنان خطاب، عضو اللجنة التنفيذية للتدريب في وزارة المالية المصرية، على منظومات عملٍ ديناميكيّةٍ قادرةٍ على التحديث المستمرّ من جهة، ومواكبة الطبيعة المتغيّرة للمجتمعات وأسواق العمل من جهة أخرى، سواء من حيث الأفكار أو سلوك الأفراد في قطاعات العمل المختلفة، وهي ضرورات تفرضها التطوّرات الحاصلة في وسائل الاتّصال الحديثة، والانتشار الواسع للهواتف المحمولة والأجهزة اللوحيّة، وما يمكن أن تُساهم عبره في تقديم الخدمات الرّقمية على مدار أربعٍ وعشرين ساعة، بغضّ النظر عن مكان المُتعامل مع الخدمة، مع مراعاة ما يفرضه ذلك من تحدّيات إجرائية مُعقّدة، لضمان التحوّل الآمن في التعاملات الرّقمية.

تربط مؤشرات الأمم المتحدة على نحوٍ وثيق، بين مشاريع التحوّل الرّقمي في المنطقة العربية، وخطط التنمية الوطنية والاصلاح الحكومي، التي تعمل على الرّبط بين متانة وتقدّم البنية التحتية للاتصالات من جهة، وجهود تطوير رأس المال البشري من جهة أخرى، وهو ما يفرض ـ حسب خطًاب ـ حتميّة العمل على الاستثمار في التعليم والتدريب، من أجل صقل القدرات المعرفيّة والمهنيّة للعاملين في العديد من القطاعات الحكوميّة، عبر رؤيةٍ استراتيجيةٍ شموليةٍ ومتكاملةٍ، من أجل تحقيق الإمكانات الحقيقيّة للحكومة الرّقمية في دول المنطقة، التي تعاني العديد منها من مشكلات تحول دون تحقيق هذا التحوّل.

وتقول الدكتورة نرمين محمود، الخبيرة في الهيئة العامة للاستعلامات، إنّ مـن بيـن 22 دولـة عربيـة، هناك 14 دولة فقـط تملك اسـتراتيجيةً رقميـةً وطنيـةً، أو عددًا من الخطـط أو البرامـج المعنيّة بهذا التحوّل نحو الاقتصاد الرّقمي، الذي يعتمد بالأساس على ركائز أساسـية، على رأسها توافر بنية أساسـية رقمية تلعب الدور الرئيسي في التمكيـن الرقمـي، وهو التحدّي الأكبر الذي يواجه العديد من الدول العربية، في وقتٍ لم يعد من المقبول أن تكتفيَ الأنظمة الحكومية بتنفيذ أو اتخاذ بعض الخطوات الرّقمية، أو مجرّد تقديم خدمات معيّنة لمواطنيها، بينما المستقبل مرهون بمدى قدرة هذه الحكومات على تلبية متطلّبات التنمية المُستدامة، عبر حزمةٍ من الواجبات التي ينبغي على الحكومات تحقيقها، حتّى تتمكن من اللّحاق بالمستقبل.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن