في كلٍّ من هوليوود والسينما العربية، اتّخذت المقاومة السياسية والفكرية أشكالًا مختلفةً، متأثرةً بالسّياق والرّقابة والبيئات الاجتماعية والثقافية الفريدة التي تعمل فيها هذه الصّناعات.
هوليوود وسياسات الاحتجاج
على الرَّغم من ركائزها المؤسّسية، غالبًا ما أنتجت "هوليوود" أعمالًا تقاوم السرديّات السائدة، لا سيما خلال فترات الاضطرابات الاجتماعية. فخلال فترة الكساد الكبير والحرب العالمية الثانية، تضمّنت أفلام مثل "عناقيد الغضب" (The Grapes of Wrath، 1940) و"كازابلانكا" (Casablanca، 1942) انتقاداتٍ لعدم المساواة الاقتصادية والاستبداد. ومع ذلك، لم تتّجه هوليوود نحو السياسة بشكلٍ صريحٍ إلّا خلال حرب فيتنام وعصر الحقوق المدنيّة. فقد قدّم مخرجون مثل ستانلي كوبريك ("دكتور سترينجلوف" - Dr Strangelove، 1964) وفرانسيس فورد كوبولا ("نهاية العالم الآن" - Apocalypse Now، 1979) تعليقاتٍ لاذعةً للحرب والسلطة والإمبريالية الأميركية.
وفي الآونة الأخيرة، انخرطت أفلام مثل "أخرج" (Get Out، 2017) لجوردان بيل، في مقاومةٍ فكريةٍ من خلال استكشاف العنصرية والقمع المنهجي عبر عدسة الرّعب. وبالمثل، يتحدّى فيلما "سلمى" (Selma، 2014) و"الـ13" (13th، 2016) للمخرجة آفا دوفيرناي السرديّات التاريخية، فيمنحان صوتًا للمجتمعات المهمّشة ويُعيدان صياغة نضالات الحقوق المدنية. وتؤكّد هذه الأفلام كيف يمكن لهوليوود، حتّى في ظلّ القيود التجارية، أن تعمل كمنصّةٍ للنقد الاجتماعي.
ومع ذلك، غالبًا ما تخفّف ديناميكيّات السوق من حدّة المقاومة في هوليوود، حيث تميل الاستوديوهات الكبيرة إلى تجنّب الجدل الذي قد يُنفّر الجماهير العالمية. وبالتّالي، غالبًا ما يتمّ تشفير الرسائل السياسية في أفلام النوع - الخيال العلمي أو الرّعب أو الدراما - لضمان التعبير الفني والجدوى التجاريّة، إذ لا تزال المُوازنة بين المقاومة والربحيّة سمةً مميزةً للسينما السياسية في هوليوود.
السينما العربية: المقاومة في ظل القمع
على النّقيض من ذلك، طوّرت السينما العربية مقاومتَها في سياقٍ من الضوابط السياسية الأكثر صرامةً، والرّقابة، والحكم الاستبدادي المباشِر في الكثير من الأحيان. ومع ذلك، أنتج مخرجون من دول مثل مصر وفلسطين وسوريا وتونس أعمالًا تتحدّى الإرث الاستعماري، والظلم الاجتماعي، وقمع الدولة.
في مصر، التي غالبًا ما تُعتبر قلب السينما العربية، مزج مُخرجون مثل يوسف شاهين السرد الشخصي مع النّقد السياسي. ويتناول فيلم شاهين "الإسكندرية... ليه؟" (1979) القوميّة والهويّة والتأثير الاستعماري، مستخدمًا السّيرة الذاتية كوسيلةٍ لنقدٍ أوسع. وعلى الرَّغم من مواجهته للرّقابة، ظلّ شاهين شخصيةً بارزةً في المقاومة الفكرية في المنطقة.
السينما الفلسطينية مثالٌ مؤثّرٌ آخر، إذ استخدم مخرجون مثل إيليا سليمان "يد إلهية" (Divine Intervention، 2002) وهاني أبو أسعد "الجنّة الآن" (2005) السخرية والاستعارة لتصوير تعقيدات الاحتلال والهوية والمقاومة. وتواجه أفلامهم الواقع السياسي المتمثّل في انعدام الجنسية والاحتلال العسكري، وغالبًا ما يستخدمون الفكاهة السوداء والسريالية للتغلّب على الرّقابة والحساسيّات العالمية.
في تونس ما بعد الثورة، انخرط صانعو الأفلام بشكلٍ متزايدٍ في قضايا الحرّية والنوع الاجتماعي والديموقراطية. وتستكشف أفلام مثل "على حلّة عيني" (À peine j'ouvre les yeux، 2015) للمخرجة ليلى بوزيد توتّرات معارضة الشباب للأنظمة الاستبدادية، موضحةً كيف يمكن للقصص الشخصيّة أن تعكس تغيّراتٍ مجتمعيّةً أوسع.
استراتيجيات مشتركة وتحدّيات متباينة
في حين يختلف السياق، تستخدم كلّ من هوليوود والسينما العربية استراتيجيّاتٍ متشابهةً مثل الاستعارة والرّمزية وتقويض النّوع. تسمح هذه الأساليب لصانعي الأفلام بالتعبير عن المقاومة حتّى تحت التدقيق. ومع ذلك، فإنّ المخاطِر والتداعيات متباينة.
في العالم العربي، قد يؤدّي تحدّي السلطة إلى السجن أو النّفي أو الرّقابة. أمّا في هوليوود، فبينما تكون التّداعيات اقتصاديةً أو متعلقةً بالسمعة، فإنّ ضغوط الالتزام بمعايير الصناعة واللياقة السياسية قد تَكْبُتُ الأصوات المعارضة بالقدر نفسِه.
إضافةً إلى ذلك، غالبًا ما تعمل السينما العربية بموارد أقلّ وتوزيعٍ عالميّ أقلّ، ممّا قد يحدّ من نطاقها، ولكن ليس من تأثيرها. وقد بدأت المهرجانات السينمائية والمنصّات الإلكترونية في سدّ هذه الفجوة، ممّا يوفّر لصانعي الأفلام العرب حضورًا وتضامنًا دوليَيْن.
لا تقتصر المقاومة السياسية والفكرية في السينما على الجغرافيا، بل تتكيّف مع السياق. في هوليوود، تظهر المقاومة في توتّرٍ مع الرّأسمالية والجاذبية الجماهيرية. أمّا في السينما العربية، فتبرز على خلفيّة القمع السياسي والاضطرابات الاجتماعية.
يُظهر كلا التراثَيْن القوّة الدائمة للفيلم كمكانٍ للنّقد والخيال والمقاومة، سواء من خلال السخرية ذات الميزانية المرتفعة في أفلام هوليوود الضخمة، أو الواقعية المؤثّرة في فيلمٍ عربيّ مستقلّ، ولا تزال السينما تتحدّى الجماهير لحثّهم على رؤية العالم بشكلٍ مختلف... ولتحفيزهم ربّما على تغييره.
(خاص "عروبة 22")