صحافة

"المشهد اليوم"…إسرائيل تضرب على وتر دروز سوريا وتُصعّد في لبنانغزّة بين التدمير والتهجير وأوروبا "تهدي" نتنياهو وقتًا اضافيًا لاستكمال جرائمه

من مظاهر دخول القوات السورية الرسمية إلى محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية (رويترز)

يُضاعف التدخل الاسرائيلي من حجم الأزمة المشتعلة في سوريا ويزيد من تفاقم الاوضاع سوءًا وسط تحذيرات من فتنة داخلية واقتتال طائفي لا تستطيع البلاد تحمل تبعاته. ورغم المحاولات الجادة التي يقوم بها الحريصون على سوريا وأمنها واستقرارها، الا ان الأحداث الاخيرة في محافظة السويداء تكشف عن وجود أزمة ثقة من جهة وتباعد حاد بين أبناء الدروز والإدارة السورية الجديدة التي تحاول جاهدة ضبط الاوضاع وفرض سيطرتها وحصر السلاح بيد الدولة، ولكن ذلك دونه الكثير من العقبات والتحديات.

وهذه التحديات هي التي "تنغص" على حكومة الرئيس أحمد الشرع من الاستفادة من الدعم الخارجي الذي قُدم لدمشق مؤخرًا وتضع الامور في مهب الريح، خاصة أن حدة الاشتباكات - ولو تراجعت - لا تزال تنذر بأن "الجمر تحت الرماد" وهذا ما يتطلب توفير مناخ مشجع على الحوار واعتماد الحلول الدبلوماسية للوصول الى اتفاق مرضي للطرفين. وما زاد الطين بلّة هو الضربات الاسرائيلية السافرة التي استهدفت آليات قوات الامن السورية التي دخلت السويداء أمس، الثلاثاء، بهدف فرض الأمن واستعادة السيطرة. فيما علّق رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو على ما يجري بالقول "جيشنا يعمل في سوريا منذ الصباح ولديه التزام بالحفاظ على جنوب غرب سوريا منطقة منزوعة السلاح". وأضاف "لن نسمح بوضع في سوريا ينشأ فيه لبنان ثانٍ وملتزمون بحماية السكان الدروز".

هذا وكان نتنياهو ووزير دفاعه يسرائيل كاتس عقدا اجتماعات عاجلة بشأن تطورات الوضع السوري وقاما بتوجيه أمر للجيش الاسرائيلي بمهاجمة القوات السورية وأسلحتها ومواقعها في السويداء، معلنين أن "إدخال الأسلحة يخالف سياسة نزع السلاح التي أقرت سابقًا". وكانت الاشتباكات تجددت رغم اعلان وقف النار اثر اتفاق عُقد مع وجهاء وأعيان المدينة لحقن الدماء ووقف عداد القتلى والجرحى. ومنذ سقوط نظام بشار الاسد في كانون الاول/ ديسمبر الماضي بقيت محافظة السويداء خارجة عن شرعية النظام الجديد رغم كل المحاولات للتوصل الى اتفاق يؤدي الى تسليم سلاح الفصائل وانضوائها تحت وزارة الدفاع السورية.

وازاء ما تقدم، تقف ادارة الرئيس أحمد الشرع أمام مرحلة مفصلية فإما أن تثبت الامن وتفرض هيبتها على كامل اراضيها وتحاسب المعتدين والجناة وإما ان تبقى الامور متروكة للتصعيد اكثر وما بدأ مع الدروز يمكن أن ينتقل الى العلويين وغيرهم من فئات الاقليات، خاصة أن عدم تقديم المسؤولين الى العدالة، ايًا كانت الجهة التي ينتمون اليها، يؤدي الى المزيد من التدهور بظل اتهامات متبادلة بين الجهات الرسمية والمسلحين المقاتلين بوقوع تجاوزات وانتهاكات جسيمة. اما في الشق المتعلق بالانتهاكات الاسرائيلية، فقد نقل موقع "أكسيوس" عن مسؤول أميركي اشارته الى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب طلبت من تل أبيب التوقف عن مهاجمة قوات الجيش السوري في جنوب البلاد، وأن إسرائيل وعدت واشنطن بوقف هجماتها بدءًا من مساء أمس، الثلاثاء.

وكما في سوريا كذلك الاوضاع في لبنان حيث التصعيد الاسرائيلي المُثير للريبة والقلق في آن معًا، حيث ترسم تل أبيب بالنار والقتل ملامح الشرق الاوسط الجديد بظل عجز دولي ودعم اميركي لامحدود. وفي التطورات الاخيرة، قتل 12 شخصًا، بين لبنانيين وسوريين، اثر غارات إسرائيلية استهدفت بلدة "وادي فعرا" بالبقاع. وهذا التصعيد الشديد الخطورة وضعه "حزب الله" في ملعب الحكومة التي طالبها، كما مؤخرًا، بـ"التحرك فورًا لوضع الجهات الدولية أمام مسؤولياتها". بدوره، ادعى جيش العدو، في بيان أصدره بهذا الشأن، أنه أغار على أهداف تابعة لـ"قوة الرضوان". ومنذ توقيع اتفاق وقف النار تدأب تل أبيب على خرقه بشكل يومي مع استمرار احتلالها لنقاط استراتيجية على طول الحدود مع لبنان.

الى ذلك، خطفت مستجدات دمشق الأنظار وحولتها عن مفاوضات وقف النار في غزة التي، وعلى الرغم من التفاؤل الأميركي، لم تصل بعد الى خواتيمها الايجابية، حيث "شياطين تعقيدات" نتنياهو تقف حجر عُثرة أمام التوصل الى هدنة تسمح لسكان القطاع من التقاط أنفاسهم ودفن أحبتهم الذين لا يزالون عالقين تحت الانقاض. وتتمحور النقاط الخلافية حول التواجد الاسرائيلي داخل القطاع والمساعدات الانسانية ناهيك عن وقف الحرب بشكل دائم وهو مطلب ترفضه تل أبيب جملة وتفصيلًا بحجة انها تسعى للقضاء على "حماس" ونزع أسلحتها ورفض أي وجود لها في "اليوم التالي" للقطاع.

وضمن المستجدات الاخيرة، نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الاسرائيلية عن مصادر مطلعة أن نتنياهو أعطى الفريق المفاوض في العاصمة القطرية، الدوحة، مرونة أكبر لاتخاذ القرار في المحادثات الجارية للتوصل إلى اتفاق مع حركة "حماس". ويأتي هذا التطور، بالتزامن مع اجتماع مرتقب للمجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية في إسرائيل، سيتم خلاله إطلاع الوزراء على آخر المعطيات المتعلقة بالمفاوضات التي لا تزال تراوح مكانها ولكن دون وجود أي رغبة سواء اسرائيلية أو فلسطينية على وقفها، لان عدم ابرام اتفاق "ولو جزئي" سيعني المزيد من الدم والتصعيد العسكري.

تزامنًا، يتفاعل المخطط الاسرائيلي لاقامة ما يُسمى بـ"المدينة الانسانية" على أنقاض مدينة رفح التي تحولت الى كومة من ركام. وفي هذا الصدد، أفادت وكالة "رويترز" أن هذا المشروع أثار خلافات بين القيادتين السياسية والأمنية بسبب تكلفته الباهظة والترتيبات العالية المخاطر التي يفرضها المشروع الذي لاقى رفضًا دوليًا وتنديدًا فلسطينيًا حيث وصفه البعض، حتى ضمن اسرائيل نفسها، بأنه سيكون أشبه بـ"معسكر اعتقال" يشجع على تهجير الفلسطينيين من أرضهم ويزيد من حدة جرائم الابادة التي ترتكبها قوات الاحتلال بشكل يومي في مختلف مناطق القطاع ومنها استهداف طوابير المجوعين الساعين للحصول على كيس طحين يقيهم واطفالهم من شبح المجاعة. وذكرت الامم المتحدة، في احدث احصائية، أن 875 شخصًا قتلوا أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء حتى 13 تموز/يوليو الجاري، 674 منهم سقطوا بالقرب من مواقع التوزيع المحدّدة من قبل "مؤسسة غزة الانسانية".

في غضون ذلك، تزداد الانتقادات الموجهة الى اسرائيل بارتكاب جرائم حرب وتطهير عرقي ما دفع الاتحاد الاوروبي الى توجيه تحذيرًا لنتنياهو وحكومته بـ"إبقاء الخيارات مطروحة على الطاولة مع الاستعداد للتحرك إذا لم تحترم إسرائيل التزاماتها"، بحسب ما جاء على لسان مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد كايا كالاس، التي شددت على أن "الهدف ليس معاقبة تل أبيب، بل تحسين الوضع في غزة فعليًا". وبات من غير الواضح حجم الفرص والتهرب من المسؤولية و"اهداء" الوقت الذي ستمنحه الدول الاوروبية كما واشنطن لاسرائيل التي تسرح وتمرح وتقتل دون أي معاقبة أو محاسبة سواء في غزة او الضفة الغربية المحتلة التي تشهد بدورها على عمليات تهجير مُمنهجة واعتقالات تعسفية وقتل انتقامي بدم بارد سواء على يد القوات الاسرائيلية او قطعان المستوطنين.

فالمستوطنون هم "الادوات الخفية" للقوات الاسرائيلية التي توفر الحماية الامنية لهم بهدف الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين واعاثة الخراب والدمار في ممتلكاتهم وأرزاقهم. وبعد أيام من مطالبة واشنطن بالتحقيق العادل بمقتل أحد سكان الضفة الذي يحمل الجنسية الاميركية، قال السفير الأميركي لدى اسرائيل مايك هاكابي إنه طلب من إسرائيل التحقيق "بجدية" في هذه الواقعة، داعيًا الى "أن تكون هناك مساءلة عن هذا العمل الإجرامي والإرهابي"، على حدّ وصفه. وفي مؤشر آخر على تردي الاوضاع، نقلت صحيفة "يسرائيل هيوم" عن مصادر أنه تم اتخاذ قرار بسحب صلاحيات من بلدية الخليل، جنوبي الضفة، ونقلها للمجلس الديني بمستوطنة كريات أربع، موضحة أنها المرة الأولى التي تجرى فيها تغييرات كبيرة في الحرم الابراهيمي منذ عام 1994.

القضايا الرئيسيّة من غزة الى ايران كانت محور الصحف العربية الصادرة اليوم، حيث تطرقت في عناوينها وافتتاحياتها الى أبرز الوقائع. وهنا رصدٌ صباحي لأهم ما ورد فيها:

شددت صحيفة "الدستور" الأردنية على أن المؤتمر السعودي الفرنسي الذي يُعقد في نيويورك "يحمل العديد من الآمال في التأكيد الدولي على انه لا حل للقضية الفلسطينية الا عبر حل الدولتين وإقامة السلام العادل والشامل كمدخل حقيقي لاستقرار المنطقة والعمل على عودة القضية الفلسطينية الى صدارة العمل الدبلوماسي الدولي"، لافتة الى أن "الجهد السعودي والفرنسي يجب أن يشكل خطوات عملية لإنهاء الاحتلال ودعم قيام الدولة الفلسطينية لأن استمرار الاحتلال يعني استمرار القتل والدمار والخراب والتهجير وغياب الأمن والسلام في المنطقة".

ونبهت صحيفة "الجريدة" الكويتية الى أن مخطط "مدينة غزة الانسانية "يهدفُ إلى إنهاء الوجود الفلسطيني والدولة الفلسطينية، حيث سيكون الموت مصير مَن يبقى بمخيم الاعتقال فيها أو الترحيل، والطريق المتاح للترحيل في هذه الحالة سيكون عبر سيناء، وهو ما يشكّل تهديدًا لمصر واستقرارها وأمنها"، داعية النظام العربي الى أن يضع "ثقله بالكامل، وفي مقدمته مصر والسعودية والأردن وقطر، لجعل المفاوضات (الجارية حاليًا في الدوحة) حقيقية وتؤدي إلى هدنة يعقبها سلام دائم وإقامة الدولة الفلسطينية…وإلّا فإن العالم العربي سيكون بمواجهة مطامع الصهاينة التي ستقضم الدول العربية تباعًا، ولن تبقي للنظام العربي باقية"، بحسب تعبيرها.

من جهتها، أكدت صحيفة "الأهرام" المصرية أنه "ولما كانت سياسة استمرار الحرب في قطاع غزة تتعارض مع موقف الغالبية العظمى من دول العالم فإن تدويل القضية يكون في صالح الجانب العربي، ويزيد من عزلة إسرائيل أمام العالم، وقد يقلل من تمادي الولايات المتحدة في الانحياز الأعمى للموقف الإسرائيلي باستمرار الحرب"، مستدركة أن "إسرائيل دأبت على إخراج الصراع العربي الإسرائيلي من قاعات الأمم المتحدة وإدخاله دهاليز المفاوضات الثنائية التي تنفرد فيها بكل طرف عربي على حدة بعيدًا عن قرارات الشرعية الدولية (…) وهكذا تمكنت من ضرب عرض الحائط بجميع القرارات الخاصة بالقضية الفلسطينية".

وتحت عنوان "سوريا.. إما الدولة أو اللا دولة"، كتبت صحيفة "عكاظ" السعودية "بعض الأطراف في سوريا لا تزال تسلّم بفكرة ساذجة مفادها أن النظام في دمشق يمكن إسقاطه بسهولة وأن ثمة قوى دولية مستعدة للتدخل العسكري المباشر للإطاحة (بالرئيس أحمد) الشرع، وهي قراءة قاصرة لا تقرأ المسرح الدولي الجديد بدقة ولا تدرك حدود التبدلات الكبرى التي طرأت على حسابات الفاعلين الدوليين"، معتبرة أن سوريا اليوم أمام خيارين فإما "أن تحسم أمرها وأن تختار بين أن تكون دولة لكل أبنائها أو أن تستسلم لمصير الفوضى المزمنة، وما يحدث في السويداء يشير دون لبس أن دمشق حسمت قرارها".

صحيفة "الوطن" العُمانية، بدورها، أعربت عن اعتقادها بأن "ما تقوم به إسرائيل في فلسطين، وسوريا، ولبنان، وضربها لإيران، له أبعاد سياسية وهي تتطلع للمكاسب المستقبلية والتقسيم الجديد، لتعزيز طموحها لبناء نظام أمني قائم على رؤيتها وأهدافها وأحلامها مع الحفاظ على علاقاتها الاستراتيجيَّة بالولايات المتحدة الداعمة الرئيسة لها"، متسائلة "ما يحدث في المنطقة وفي بلاد الشام يوحي بأنَّنا أمام تغيير جديد لسايكس بيكو، فهل حان وقته وتنفيذه، أم للقادة العرب رأي آخر ومواجهة هذا التحرك الصهيوني الغربي الخفي..؟".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن