صحافة

"المشهد اليوم"…رفض دولي وعربي لإحتلال غزّة وتل أبيب تشتعل بالمظاهراتدمشق "غاضبة" بعد مؤتمر لأقليات سوريا برعاية "قسد" ولبنان يرفض "الاملاءات" الايرانية

ناشطون إسرائيليون يحتجون على الأزمة الإنسانية بغزة ويطالبون بوقف الحرب وإطلاق سراح الرهائن (د.ب.أ)

لا تزال خطة الحكومة الاسرائيليّة احتلال قطاع غزة تثيرُ العديد من ردود الفعل الرافضة والمندّدة بهذه الخطوة وتداعياتها على حياة الأسرى الاسرائيليين المحتجزين لدى حركة "حماس" من جهة واطالة أمد الحرب ودخولها مرحلة اكثر تعقيدًا من جهة ثانية. فسيلٌ من المواقف صدرت مع تبني "الكابينت" الاسرائيلي هذا القرار الذي يجسد مطامع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو واعضاء حكومته من اليمين المتطرف. ولكن اللافت كان حجم الرفض الداخلي الذي عكسه تظاهر الاسرائيليين واحتشادهم في تل أبيب مطالبين بإنهاء الحرب وابرام صفقة تبادل.

في وقت هدّدت أمهات الرهائن بملاحقة نتنياهو قانونيًا في حال اصراره على التصعيد العسكري، متهمين اياه بـ"تلطيخ يداه بدماء المخطوفين والجنود"، داعين إلى "إضراب عام يشل الاقتصاد الإسرائيلي"، للضغط على الحكومة من أجل تحرير ذويهم من الأسر. المشهد نفسه كان في عدد كبير من العواصم العربية والغربية حيث خرج المئات للدعوة الى وقف حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني وإدخال المساعدات الإنسانية بعد تحكم تل أبيب بكل معابر القطاع ومنافذه واخضاعه عمدًا الى الحصار والتجويع الممنهج ما ادى الى وفاة ما يزيد عن 212 فلسطيني جلّهم من الأطفال لعدم توفر الحليب والمكملات الغذائية المطلوبة. دون أن نغفل استهداف الساعين للحصول على طعام بفتح النيران بشكل مباشر عليهم بالقرب من مراكز التوزيع التابعة لـ"مؤسسة غزة الانسانية" التي تحولت الى "أفخاخٍ للموت".

ويترافق ذلك أيضًا في ظل استمرار سرقة ونهب المساعدات وبيعها بأسعار خيالية في الأسواق عبر وجود "مجموعات" تعمل خصيصًا في هذا المجال "بدعم اسرائيلي" مما يعمق معاناة الفلسطينيين ويزيدها صعوبة. وكان المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، لفت الى أن إجمالي الشاحنات التي دخلت قطاع غزة هي 1115 شاحنة فقط من أصل 7800 شاحنة مفترضة؛ أي ما يعادل 14٪ من الاحتياجات الفعلية، وقد تعرضت معظمها للنهب والسطو ضمن سياسة ممنهجة لـ"هندسة التجويع والفوضى". توازيًا، يسعى الوسطاء في مصر وقطر للتوصل الى حل جديد يعيد احياء المفاوضات بعد "افشالها" مؤخرًا، حيث تطرح افكار جديدة لاعادة اسرائيل و"حماس" الى طاولة المباحثات وتفادي التطبيق الرسمي لخطة احتلال غزة بالكامل، على الرغم من ان القطاع بأكثر من 75% منه هو تحت سيطرة القوات الاسرائيلية نتيجة العمليات العسكرية وأوامر الاخلاء التي ارتفعت وتيرتها في الآونة الاخيرة.

ولكن الخوف في الخطة المطروحة الآن هو أعمق من تكريس الاحتلال الى المشاركة في التطهير العرقي حيث ستؤدي هذه العملية الى استهداف مليون فلسطيني سعيًا وراء تكريس سياسة ما تسميه تل أبيب بـ "الهجرة الطوعية". وكانت "حماس" اعلنت خلال اليومين الماضيين، وبصورة متكررة على لسان اكثر من قيادي لديها، بأنها مستعدة للعودة الى المفاوضات وعقد صفقة تؤدي الى تسليم جميع الرهائن مقابل وقف الحرب ولكن ذلك لا يزال بانتظار موقف اسرائيل التي ترفض المهادنة. وفي سياق متصل، ذكر موقع "أكسيوس" أن المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، التقى رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في إيبيزا الإسبانية، لمناقشة خطة إنهاء الحرب في غزة وإطلاق سراح جميع المختطفين، مشيرًا إلى أن تقديم مقترح جديد لحل دبلوماسي شامل ينهي الحرب، قد يؤدي إلى تأخير خطة إسرائيل لاحتلال مدينة غزة. ونقل الموقع عينه عن مصدر مشارك في المفاوضات، قوله إن قطر والولايات المتحدة تعملان على صياغة مقترح لصفقة شاملة سيتم عرضه على الطرفين خلال الأسبوعين المقبلين.

وفي موقف جديد، انقلب وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش على نتنياهو، معتبرًا أن قرار احتلال غزة من أجل إعادة حركة "حماس" إلى طاولة المفاوضات "يُعد حماقة وأمرًا غير منطقي". وقال "للأسف، للمرة الأولى منذ بداية الحرب أشعر أنني لا أستطيع أن أتحمل هذا القرار أو أن أدعمه. لقد فقدت الثقة بأن رئيس الوزراء يستطيع أو يريد قيادة الجيش لتحقيق ذلك". ويعتقد سموتريتش "المتطرف" ان قرار الاحتلال هو اكثر للضغط منه للحسم، خاصة أنه من "دعاة" ابادة الفلسطينيين وتكريس احتلال كامل وشامل وتعزيز سياسة الاستيطان. من جهتها، أفادت "القناة 13 الإسرائيليّة" أن الحكومة ستُصدّق اليوم الأحد على تجنيد عشرات الآلاف من جنود الاحتياط من اجل قيادة المعركة المقبلة.

هذا وكشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن قادة الأجهزة الأمنية المختلفة في إسرائيل، أبدوا خلال جلسة "الكابينت" رفضهم لخطة احتلال القطاع وأن المعارضة لم تكن من رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير فحسب؛ بل امتدت لتشمل عددًا من كبار قادة الاجهزة الامنية، ذوي المناصب الرفيعة والحساسة. وهذا بدوره يزيد الضغوط الملقاة على عاتق الحكومة الاسرائيليّة التي تواجه نيران الضغط الداخلي والرفض المُتزايد للخطة المطروحة وعواقبها. وقد يكاد أبرز مثال على ذلك هو اقدام ألمانيا، أحد أهم حلفاء اسرائيل في أوروبا، على الاعلان بشكل رسمي عن تجميد تصدير أسلحة قد تستخدم في حرب غزة. ويحذر كُثر من مخاطر "العزلة" وتزايد النقمة على اسرائيل والتي باتت تلاحق مواطنيها في كل مكان حيث "عرّت" حرب غزة زيف الدعاية الاسرائيليّة وجردتها من كل ما روجته على مدار سنوات طويلة.

الوضع المتفاقم في غزة كما الضفة الغربية التي تشهد تكثيفًا لهجمات المستوطنين على الفلسطينيين يواكبه ما يجري على الصعيد اللبناني لجهة نزع سلاح "حزب الله" الذي يطغى على ما عداه من ملفات وقضايا، خاصة ان الحزب يقف اليوم امام مفترق طريق حاسم فإما أن يسلم سلاحه ويقبل بهيمنة الدولة على قرار الحرب والسلم ويتحول، كما غيره من الاحزاب، الى حزب سياسي أو يرفض ويقرر المغامرة بنفسه والبلد وجره الى اتون نفق مظلم. وبحسب التصريحات الصادرة عن مسؤولين في الحزب، فإن الأخير يرفض الموضوع جملة وتفصيلًا ويسيرُ نحو اعلاء سقف المواجهة مع الحكومة ورئيسها نواف سلام. وكان الموقف الصادر عن رئيس كتلة "حزب الله" محمد رعد، مساء الجمعة، واضحًا في هذا الاطار حيث اعتبر أن "تسليم السلاح يعني الانتحار... والقرار خطير على مستوى البلد"، مشيرًا الى أن قرار الحكومة "مرتجَل فرضته الإملاءات وليس قرارًا سياديًا ونُزعت عنه الميثاقية الوطنية".

وزادت تصريحات مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، علي أكبر ولايتي، الطين بلّة لانها ابرزت محاولات طهران المتكررة للتدخل في الشأن اللبناني كما في الفترة الماضية متجاهلة ان الظروف لم تعد كما كانت بل طرق عليها الكثير من المتغيرات. وكان ولايتي اعلن أن بلاده تعارض قرار الحكومة اللبنانية بنزع سلاح "حزب الله"، وأن طهران لا تزال تدعم "المقاومة" في لبنان. وهو ما استدعى موقفًا واضحًا من وزير الخارجية يوسف رجي الذي قال "مستقبل لبنان وسياساته قرارات يتخذها اللبنانيون وحدهم بعيدًا عن أي إملاءات أو ضغوط خارجية". ويتزامن هذا السجال السياسي مع تقديم الجيش اللبناني شهداء جدد خدمة للوطن حيث سقط 6 عسكريين وأصيب عدد آخر أثناء كشف وحدة من الجيش على مخزن للأسلحة من مخلفات "حزب الله" وعملها على تفكيك محتوياته في وادي زبقين - صور.

في الملف السوري، استعرت الخلافات بين الحكومة السورية و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) وذلك بعد مؤتمر الحسكة (سمي ايضًا بمؤتمر الأقليات)، والذي عُقد يوم الجمعة تحت اسم "وحدة موقف المكوّنات" وجمع 500 شخصية قيادية، عربية وكردية وسريانية وأيزيدية وتركمانية وشركسية، بجانب ممثلين عن الادارة الذاتية وقيادات دينية من الدروز والمسيحيين والعلويين. وهذا الاجتماع "المشبوه" من حيث التوقيت وبظل ما يحدث في سوريا من تطورات أمنية دفع بالحكومة السورية الى الاعلان عن عدم مشاركتها في الاجتماعات المقررة في باريس بين وزير الخارجية أسعد الشيباني وبين القائد العام لقوات "قسد" مظلوم عبدي. وموقف دمشق يأتي مع شعورها بالخطر من هذا الاجتماع الذي اعتبرت أنه يسعى لـ "تدويل الشأن السوري، واستجلاب التدخلات الأجنبية، وإعادة فرض العقوبات"، داعية "قسد" إلى الانخراط الجاد في تنفيذ اتفاق 10 آذار/ مارس و"حصر الحوار بين السوريين في العاصمة دمشق باعتبار ذلك (العنوان الشرعي والوطني) للتفاوض".

على المقلب الآخر، خطف الاتفاق الذي وقّعته أرمينيا وأذربيجان الجمعة في البيت الأبيض برعاية أميركية الانظار حيث لاقى ترحيبًا دوليًا كبيرًا واشادة بالدور الاميركي "الجامع". وقد أعلنت العديد من العواصم عن ترحيبها بهذه الخطوة وأبدت أملًا في تعزيز أجندة السلام، كموسكو وانقرة وباريس ولندن كما المفوضية الاوروبية. فيما برز موقف طهران التي أعربت عن "قلقها من الآثار السلبية لأي تدخل خارجي بالقرب من حدودها المشتركة"، وذلك في اشارة واضحة الى ما تضمنه الاتفاق من خطط لإقامة منطقة عبور تربط أذربيجان بجيب نخجوان عبر أرمينيا، تُعرف باسم "ممر زنغزور" وهو ما لطالما عارضته ايران باعتباره يؤدي الى تغيرات جيو استراتيجية لن تكون بمنأى عنها.

ودوليًا ايضًا، أثار الرئيس الاميركي دونالد ترامب مجددًا جملة من المخاوف بعد اعلانه عن استبعاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من القمة التي ستجمعه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا، الجمعة المقبل للبحث في انهاء الحرب الاوكرانية. وقد نُظر الى هذا التصريح على أنه بمثابة "تهميش" لكييف واهمية دورها في تقرير مصير البلاد ما دفع زيلينسكي الى الاعلان عن "رفض أي قرار يهدف للتنازل عن الأراضي للمحتل". وكان عدد من القادة الأوروبيين سارعوا الى رفض المسار المُتخذ معلنين أن "مسار السلام في أوكرانيا لا يمكن تقريره دون مشاركة كييف و"دون وقف لإطلاق النار أو تقليص للعمليات العدائية". يُذكر ان الخطة التي يُحكى عنها والتي قدمها بوتين إلى المبعوث الأميركي الخاص سيتف ويتكوف في اجتماع عُقد بموسكو الأربعاء الماضي، تتطلب من أوكرانيا التنازل عن إقليم دونباس الذي تسيطر روسيا على معظمه وكذلك عن شبه جزيرة القرم.

وفي جولة الصحف العربية الصادرة اليوم اليكم ابرز ما ورد فيها:

علّقت صحيفة "الخليج" الاماراتية على قرار احتلال غزة بالقول إن "القرار الإسرائيلي المتهور، لم يكن مفاجئًا لأن الزمرة المتطرفة الحاكمة في تل أبيب لم تشفِ غليلها من العدوان، ولم تحقق أهدافها المعلنة باستعادة من بقي من الرهائن وكسر صمود الفلسطينيين المتشبّثين بأرضهم"، مشيرة الى أن "وقف التهور الإسرائيلي وكبح عدوانيّته مسؤولية المجتمع الدولي الذي لا يجب أن يظل متفرجًا على ما يجري. والكرة الآن في مجلس الأمن، الذي سيعقد اجتماعاً في أجواء سياسية ساخنة اليوم، لبحث خطة اجتياح غزة، رغم أن النتيجة الأقرب ستكون عدم اتخاذ قرار بوقف هذه الخطة بسبب ازدواجية الموقف الأمريكي".

صحيفة "الوطن" القطرية، من جهتها، وضعت القرار الإسرائيلي بإعادة احتلال قطاع غزة وتهجير السكان إلى الجنوب، بمثابة "جريمة جديدة في طريقها لأن تضاف إلى سلسلة جرائم الاحتلال في الضفة والقدس، ويجب وقفها فورا من جانب المجتمع الدولي"، معتبرة أن "مجلس الأمن يبدو في هذا الوقت العصيب المكان المناسب والمرجعية الأفضل لتحرك المجتمع الدولي، واتخاذ قرارات حاسمة بموجب الفصل السابع، كما أن التحرك السياسي يجب أن يكون على المستويات كافة، خاصة بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، لحشد المواقف الدولية والإقليمية".

وتحت عنوان "المجزرة الجديد"، كتبت صحيفة "الأهرام" المصرية " "احتلال غزة يعني فعليًا وفاة حل الدولتين طبقًا للمفهوم الإسرائيلي وتأكيدا لرؤية اليمين الإرهابي المتطرف في الحكومة الإسرائيلية بزعامة سموتريتش وبن غفير"، مشددة على أن نتنياهو "لن يتوقف عن خطته الدموية طالما استمرت الحماية الأمريكية الكاملة، والدعم "الترامبي" غير المسبوق…فترامب أعطى الضوء الأخضر إلى نتنياهو ليعيث فسادا في غزة، وربما أماكن أخرى، والعالم يكتفي بالإدانات والبيانات".

أما صحيفة "الدستور" الأردنية، فلفتت الى أن "السلطة السياسية في سوريا الجديدة، تواجه العديد من المعضلات والتحديات، وفي أبرزها القدرة على أن تكون سلطة معبرة عن الكل السوري، وهذه من أهم ما يسعى إليه الأشقاء في مصائرهم المقبلة، بأن تكون سلطة عقلانية مدنية ممثلة لجميع السوريين"، لكنها اضافت "هناك فجوات كبيرة بين المكونات التي تريد الحفاظ على بقاء نفوذها وما حققته من تمايز لها في العهد السابق عن المجتمع السوري، وهناك الفلول وملاحقهم الذين يشكلون عائقا كبيرا في إطفاء الجروح، كما وهناك رهانات القوى الإقليمية من أجل مصالحها، ومن أجل أن يكون لها قدم في الخارطة الجديدة".

في سياق مختلف، رأت صحيفة "البلاد" البحرينية أن "أي تفاهم أمريكي – روسي يضع سقفًا للتوتر، ويعيد ترتيب الأولويات، وفي مقدمتها: أمن الممرات البحرية، واستقرار أسواق الطاقة، وتقليص مخاطر الانزلاق في ساحات النزاع المتشابكة"، موضحة أن هذه القمة التي ستُعقد في ألاسكا يوم الجمعة المقبل "لن تكن مجاملة بروتوكولية، بل محاولة لإعادة صياغة قواعد الاشتباك؛ بخطوط تواصل تمنع سوء الفهم، واتفاقات تُدار بمنطق المصالح لا بعاطفة اللحظة. فنحن أمام فرصة لتوازن جديد، تتجاور فيه المنافسة المنضبطة مع التعاون المحسوب، بعيدًا عن القطيعة أو التبعية"، وفق تعبيرها.

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن