ثقافة

"ترند" و"ترويقة" و"ترويسة": تحديث اللغة أم تهديد الهويّة؟

مرّة جديدة، تقود إجازة لجنة "الألفاظ والأساليب"، بمجمّع اللغة العربية في القاهرة، استخدام بعض المصطلحات الجدل، بين مؤيّد لهذا المسار على اعتبار أنها أصبحت مصطلحات شائعة، ورافض له، من منطلق أنها دخيلة على اللغة العربية.

قبل نحو عام، كان سبب الجدل إجازة استخدام كلمات "استعبط" و"يستعبط" و"استعباط" العامية، المتداولة بين المصريين، لوجود أصل عربي صحيح لها. أما اليوم، فمصدره كلمة "ترند" وجمعُها "ترندات"، التي أجاز المجمّع استخدامها، السبت الماضي، إلى جانب كلمات أخرى، منها "ترويقة" و"ترويسة" و"ترهّل" و"ترميز".

في هذا الإطار، عرّف المجمّع كلمة "ترند" بأنها موضوع ساخن جديد يُثار على منصّات التواصل الاجتماعي، فينتشر بسرعة في فترة زمنية قصيرة، ويهتمّ به الجمهور، ويتداولونه بالحديث فيه والتعليق عليه، ويتبادلون الأخبار عنه بكثرة، وجمعُه "ترندات".

أما كلمة "ترويقة"، فيُقصد بها ما يؤكل ويُشرب في الصباح على الريق، وتمّت إجازتها بسبب كونها من الفعل "روق" وعلى وزن "تفعيلة"، وتتميّز بكثرة الاستعمال والصحّة اللغوية، والاختصاص بدلالة اجتماعية اكتسبتها من ممارسات الناس في تفاعلاتهم اللغوية اليومية.

بينما كلمة "ترويسة"، يُقصد بها كلمة رئيسية أو عنوان رئيسي يُذكر في رأس الصفحة لإبراز مضمون ذي أهمية خاصة. في حين أنّ معنى كلمة "ترهّل"، هو تراخٍ أو ضعف في أداء الواجب، دون أن يكون ذلك ناشئًا عن قلّة الموارد أو الإمكانات البشرية وغيرها، بل كثيرًا ما يكون مصحوبًا بالزيادة فيها.

أما "ترميز"، فهي كلمة تُستخدم في مجال الحاسوب والبرمجيات، وتعني: إدخال رموز معيّنة للدلالة على أشياء محدّدة، بحيث يكون لكلّ دلالة رمزٌ معيّن. وأوضح المجمّع أنّ الترميز مصدر مأخوذ من الرمز، أي الإشارة والكلام الخفي، ثم استُعير الرمز في الكلام المحدّث لمعنى الإشارة الدالة على معنى أو شيء بعينه، ومن هذا المعنى أُخذ الترميز، أي عملية تحويل النصوص أو البيانات إلى رموز.

جدل داخل المجمّع وخارجه

منذ لحظة الإعلان عن المصطلحات العربية الجديدة، تحوّل الأمر إلى مادة سجالية بين الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث رأى البعض من المحزن أنّ مؤسسة مثل مجمّع القاهرة تلجأ إلى التسهيل حدّ التفريط في المجال اللغوي. أمّا الأمين العام للمجمّع الدكتور عبد الحميد مدكور، فأوضح أنّ كلمة "ترند"، نوقشت مناقشة مطوّلة في لجنة الألفاظ والأساليب بالمجمّع، فتعدّد الرأي حولها ما بين موافق ورافض، وحدث الأمر نفسه عند العرض على مجلس المجمّع.

ولفت مدكور إلى أنه بعد مناقشات طويلة ما بين قبول ورفض، تغلّب الرأي الذي وافق على تقبّلها، وكان من أسباب تقبّلها أنه لا توجد كلمة واحدة تعبّر عن مضمون هذه الظاهرة المركّبة، التي ساقتها وسائل التواصل الاجتماعي، ثم إنّ اشتهار هذه الكلمة - فضلًا عن سرعة تداولها - قد أعطى هذه الكلمة قوة تمنحها فرصة كبرى للانتشار، موضحًا أنّ اللغة العربية كانت قد تقبّلت قديمًا وحديثًا كلمات من هذا النوع، جاءت إليها من الفارسية واليونانية والسريانية وغيرها، ولا بد أنّ القيّمين تردّدوا بادئ الأمر لكنهم عادوا فتقبّلوا كثيرًا منها، وظهرت الكتب التي تبحث ظاهرة "الدخيل".

اللغة "بنت الحياة"... وما يهدّد الهوية هو الجمود الفكري

حول هذا الموضوع، تؤكد مؤسسة ورئيسة مجمّع اللغة العربية في لبنان الدكتورة سارة ضاهر، لـ"عروبة 22"، التأثير الإيجابي لهذا المسار، نظرًا إلى أنّ "اللغة هي بنت الحياة، وبالتالي لا يمكن وضعها في قالب مقفل، لأنّ ذلك سيقود إلى نتائج سلبية".

وإذ تلفت إلى أنّ "العصر يفرض شروطه على اللغة، لا سيما أنّ أفكار الأشخاص واهتماماتهم مختلفة"، تؤكد ضاهر على أنّ "الموضوع صحي على عكس ما يظنّ البعض، باعتباره يجعل اللغة العربية قادرة على مواكبة الشباب العربي، نظرًا إلى أنّ الذي يساهم في إدخال المصطلحات الجديدة على قاموسنا هُم الناس أنفسهم واستخدامهم لها".

وانطلاقًا من ذلك، ترفض ضاهر الحديث عن الأمر "يهدّد الهوية العربية"، إنما تشير إلى أنّ ما يهدّد الهوية هو الجمود الفكري، "فلا يمكن ألا نفكّر ولا ننتج ولا نخترع، وفي الوقت نفسه ألا نقبل أن نستحدث بعض الكلمات".

لكل مجمّع معاييره.. و"البداية دائمًا تكون من الناس"

أما بالنسبة إلى المعايير التي يتمّ على أساسها إدخال المصطلحات الجديدة، فتوضح ضاهر أنّ ذلك يتم "وفق معايير علمية"، بحيث يكون "لكل مجمّع معاييره، سواء على أساس القياس أو على أساس الاستخدام"، وتضيف: "البداية دائمًا تكون من الناس، فحتى القوانين تبدأ على شكل أعراف بين الناس ثم تتحوّل مع الوقت إلى قوانين".

تجدر الإشارة إلى أن مجمّع اللغة العربية في القاهرة تأسّس في ديسمبر/كانون الأول من العام 1932 في عهد الملك فؤاد الأول، ونصّ مرسوم إنشائه على أن يتكوّن من 20 عضوًا من العلماء المعروفين بتبحّرهم في اللغة العربية، نصفهم من المصريين، ونصفهم الآخر من العرب والمستشرقين. ويتولّى المجمّع وضع المعاجم اللغوية، وبحث قضايا اللغة ووضع المصطلحات العلمية واللغوية وتحقيق التراث العربي.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن