اقتصاد ومال

مستقبل العراق يكمن في التنويع الاقتصادي!

على الرَّغم من إشادة "صندوق النقد الدولي"، بتمكّن العراق في العام 2025 من الحفاظ على الاستقرار الداخلي على الرَّغم من الاضطرابات في المنطقة وحالة الضبابيّة العالمية، إلّا أنّه توقّع أن تُعرقل قيود التمويل وانخفاض إيرادات النفط الإنفاق المالي، ممّا سيلقي بظلالٍ إضافيةٍ على النشاط الاقتصادي. وقد أدّى التوسّع المالي الكبير في السنوات الأخيرة، إلى تزايد مواطن الضعف في العراق، ممّا فاقم الانخفاض الأحدث في أسعار النفط، وفق التقرير الصادر عن المجلس التنفيذي للصندوق بعد اختتام مشاورات المادة الرابعة.

مستقبل العراق يكمن في التنويع الاقتصادي!

لقد بلغ عدد سكان العراق 46.118.793 نسمة، وذلك وفقًا لنتائج التعداد السكّاني العام لعام 2024 الذي أعلنته وزارة التخطيط العراقية في فبراير/شباط 2025، مع ناتج محلّي إجمالي يبلغ 254.6 مليار دولار في عام 2024. وتُظهر البيانات الأخيرة استمرار معدّل الفقر عند 23% وفق بيانات عام 2014، ما يشير إلى الحاجة للمزيد من الإصلاحات البنيوية والتنموية. وتنخفض مساهمة قطاعات الصناعات التحويلية والزراعية في توليد النّاتج المحلّي الإجمالي استنادًا إلى التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2024، إذ تساهم الزراعة والصيد والغابات بنسبة 3.2% في توليد الناتج المحلّي الإجمالي للعراق، والصناعات التحويلية بمقدار 3.4%، في حين تساهم الصناعات الاستخراجية بنسبة 44.8%، والتشييد بـ7.6%، والكهرباء والغاز والماء بـ2.3%، والتجارة بـ9%، والنقل بـ11.3%، والتمويل بـ1.4%، والإسكان بـ6.2%، والخدمات الحكومية بـ17.3%، وأخيرًا الخدمات الأخرى بـ4.7%.

انضباطُ المالية العامة والإصلاحاتُ الهيكلية عاملان بالغا الأهمية للحدّ من مَواطن الضعف في الاقتصاد العراقي

وهذا يمثل خللًا هيكليًا في الاقتصاد العراقي، إذ إنّ مساهمات القطاعات السلعية منخفضة جدًا في توليد الناتج المحلّي الإجمالي، وهذا يؤدّي إلى تعميق مشكلة الاقتصاد العراقي، الذي لا يرى نموًّا حقيقيًا في القطاعات الإنتاجية، إنّما يرى نموًّا في عائدات الحكومة النفطية نتيجة تحسّن أسعار النفط خلال عامَيْ 2021 و2022. وأثَّرت التَّقلُّباتُ التي شهدتها سوق أسعار صرف العملات الأجنبية، وخفضُ حجم الإنتاج النفطي، على زخم النموّ في العراق. كما يُمكن أن تؤدّي خطط السلطات العراقية التوسّعية في المالية العامة إلى تَفاقُم مستوى التَّضخُّم على المدى القصير، وإلى فرض مخاطر كبيرة على استقرار الاقتصاد الكلّي في المدى المتوسط (3 سنوات)، إذ يُعَدُّ انضباطُ المالية العامة والإصلاحاتُ الهيكلية واسعة المدى عاملَيْن بالغَيْ الأهمية للحدّ من مواطن الضعف في الاقتصاد العراقي.

ويُنتظر أن تسجّل المالية العامة للعراق تراجعًا ملحوظًا، إذ يُقدّر العجز في الموازنة العامة بنحو 4.2% من الناتج المحلّي الإجمالي في 2024، ليتّسع إلى 7.5% في 2025. يأتي ذلك في ظلّ انخفاض الإيرادات النفطية من 36% من الناتج في 2024 إلى 31% في 2026، مقابل ارتفاع في الإنفاق العام من 43.5% إلى 43.8% خلال الفترة ذاتها، لا سيما في بند الأجور والمعاشات. وتسعى الحكومة العراقية لتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، الذي يشكّل أكثر من 90% من إيرادات الدولة، حيث تمّ اتخاذ خطوات لتعزيز القطاعات غير النفطية مثل الزراعة والصناعة والسياحة والتجارة، إلى جانب إجراءات لتحسين بيئة الأعمال وتقديم ضمانات للقطاع الخاص.

على الرَّغم من ذلك، ما زال النفط يشكّل المصدر الرئيس للإيرادات والصادرات في العراق، إذ يُتوقّع أن يبلغ متوسط إنتاج النفط الخام 3.9 ملايين برميل يوميًّا في 2024، ويرتفع إلى 4.1 ملايين برميل في العامَيْن التاليَيْن. أمّا الصادرات النفطية فستبلغ 3.4 ملايين برميل يوميًّا في 2024، لترتفع إلى 3.5 ملايين في 2025 و2026. وبحسب تقديرات الصندوق، فإنّ عائدات النفط مرشحة للتراجع من 99.2 مليار دولار في 2024 إلى 84.2 مليار دولار في 2025 ثم إلى 79.2 مليارًا في 2026، متأثرةً بانخفاض الأسعار التي تراجعت من متوسط 80.6 دولارًا للبرميل في العام الماضي، إلى 65.9 دولارًا للبرميل في العام الجاري، و62 دولارًا للبرميل في العام المقبل.

الأهمّ تحييد القطاعات المتصلة بالنموّ الاقتصادي والثروة الوطنية عن ساحة السجالات السياسية

إنّ المسألة الجديرة بالاهتمام تكمُن في معالجة الفساد وإصلاح الاقتصاد العراقي ومعالجة التحدّيات، مع وضع أُسسٍ متينةٍ للنهوض بمختلف قطاعات الاقتصاد العراقي وإيجاد الأرضية الصلبة لإطلاق خططٍ تنمويةٍ هادفةٍ تتجاوز أخطاء الحكومات السابقة، التي ركّزت على الاعتماد الكلّي على النفط كمصدر أساسي لإيرادات الدولة. وينبغي أن تسعى الحكومة إلى دعم كلّ جهد حكومي للنهوض بالاقتصاد العراقي وتأمين المستقبل، والأهمّ من ذلك تحييد القطاعات المتصلة بالنموّ الاقتصادي والثروة الوطنية عن ساحة السجالات السياسية، وبذلك يمكن أن تواصل الحكومة خطواتها الجدّية لمكافحة الفساد المالي والإداري وتهيئة المناخات المناسبة للاستثمار في مختلف القطاعات.

وفي الختام، وفي مسار تنويع الاقتصاد، يمثّل الاستثمار خطوةً محوريةً في مسار تنويع الاقتصاد العراقي وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات. كما يمثّل الاستثمار فرصةً حقيقيةً للتنويع الاقتصادي في قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة والطاقة المتجدّدة بما يفتح آفاقًا جديدة للنموّ الاقتصادي ويوفّر فرص عمل واسعة للشباب، إذ إنّ ذلك يوفّر بيئةً استثماريةً مستقرّةً وشفافةً ويعزّز الشراكة بين القطاعَيْن العام والخاص. وسيكون ذلك بدايةً لمرحلةٍ جديدةٍ يضع فيها العراق نفسه على خريطة الاستثمار الإقليمي والدولي، بما يخدم التنمية المُستدامة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن