لا تقتصر العدالة المناخية بشكل عام على تسليط الضوء على مخاطر التغيّر المناخي، بل على الأزمات الإنسانية والاجتماعية التي يسبّبها. فهذا التغيّر يؤثّر على البيئة وبالتالي على المجتمعات، ما يفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية كنتيجة حتمية لما سبق. كما تتناول مبادئ المساواة والمسؤولية والمشاركة؛ الأبعاد الأساسية لمفهوم العدالة المناخية، بهدف مباشر هو تحقيق توازن مستدام بين حماية البيئة وتوفير حياة كريمة للجميع، مع التركيز على الضعفاء وأولئك الذين يعيشون في ظروف صعبة والأكثر تأثّرًا بالتغيّرات المناخية.
وتشمل جهود تحقيق العدالة المناخية تدابير للتكيّف مع تغيّر المناخ والحدّ من آثاره، وتعزيز مصادر الطاقة المستدامة والمنخفضة الانبعاثات، بالإضافة إلى توفير فرص العمل، وتعزيز المشاركة المجتمعية في صنع القرارات المتعلّقة بالمناخ، وتقديم الدعم للبلدان النامية التي تتأثّر بشكل غير متناسب بتغير المناخ.
على مدار أسبوع من شهر آب / أغسطس أقيم مخيّم العدالة المناخية في منطقة حمانا اللبنانية بنسخته الثانية، والذي ضمّ 450 ناشطًا وناشطةً من 100 دولة من العالم. ولوحظ تنوّع كبير في صفوف المشاركين، بين أميركا الجنوبية وأفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا؛ كما كان هناك ظهور ملفت لناشطين وناشطات عرب مهتمّين بالبيئة، إضافةً لندوات ونشاطات أقيمت بهدف وضع استراتيجيات ومطالب تهدف إلى دفع صنّاع القرار باتجاه اعتماد إطار منصف للعمل والتصدي لتغيّر المناخ.
شارك في المخيم شباب من مختلف أنحاء لبنان، بينهم ناشطون في مجال البيئة وطلاب وشباب في المجالات ذات الصلة. وتضمّن المخيّم ورش عمل ومحاضرات ومناقشات حول مواضيع مختلفة تتعلّق بالتغيّر المناخي، مثل الطاقة المتجددة والزراعة المستدامة والحد من انبعاثات الغازات وتكيّف المجتمع مع تأثيرات تغيّر المناخ، فضلًا عن تنظيم أحداث خارجية مثل الزيارات إلى المناطق المتضرّرة من تغيّر المناخ والتواصل مع الجمهور لرفع مستوى الوعي لديهم.
ومن أهمّ التحديات التي ناقشها المخيّم، التغيّرات في هطول الأمطار على مدار العام والحرائق المتعددة والتلوّث. ويعني ذلك التركيز على الأنشطة المرتبطة بالأحداث المناخية، ونسبة دول الجنوب التي تعاني من الخسائر، وسياسات التكيّف مع هذه الظواهر، وسبُل إيجاد التمويل اللازم للحدّ منها.
بيد أنّ أكبر فائدة للمخيم، بشهادة كثر، هي الشراكات التي تقود المشاركين إلى تلقي المطالب المشتركة من المخيّم وتطبيقها على العمل المناخي في بلدانهم.
وشدد المنظمون أيضًا على أن اختيار الجنوب العالمي كان خطوة متعمّدة للفت الانتباه إلى منطقة تتأثّر بشكل مباشر بالتهديدات المناخية التي تلوح في الأفق، فقد حان الوقت لتحقيق العدالة المناخية لمجتمعاتهم بشأن التطرّف المناخي الذي تعاني منه بلدان الجنوب، والشباب في هذه البلدان الذين يدفعون الثمن الأكبر للتلوّث العالمي.
وأقيم المعسكر في لبنان، لأن هذا البلد يعتبر من الدول المعرّضة للآثار السلبية للتغيّر المناخي ويؤثر ارتفاع درجات الحرارة وتضاؤل الموارد المائية وتغيّر أنماط هطول الأمطار فيه على الزراعة والبيئة واقتصاد البلاد. في ما تقاطعت المشاركات على أنّ الهدف الرئيسي هو التمسّك بالعدالة المناخية من أجل توفير منصة للشباب للتعبير عن آرائهم وأفكارهم حول تحديات المناخ والمطالبة باتخاذ تدابير أكثر عدلًا واستدامةً للحدّ من تأثير تغيّر المناخ.
وقد أضافت وسائل التواصل الاجتماعي سمة مميزة، حيث أصبحت التقارير عن الأحداث البيئية مجالًا مهمًا لمشاركة الأفراد المهتمين بالبيئة، ويأمل علماء البيئة والخبراء في المخيّم أن يتمّ النظر في مطالبهم ومقترحاتهم في قمّة المناخ المتوقع عقدها في الإمارات في نوفمبر المقبل بهدف مكافحة تغيّر المناخ. ومن أهم العبارات المنتشرة في المخيم (الاهتمام، الشجاعة، التعاطف، العدالة) حيث لم يكن الناس في الجنوب العالمي ليجدوا أنفسهم في مواجهة اللاعدالة المناخية لو التزم مسبّبو التلوّث في العالم هذه العبارات.
(خاص "عروبة 22")