وجهات نظر

«G 7» أم «C 7»؟ .. قوة متراجعة تنهب اقتصاد العالم

البيئة الاقتصادية الدولية هي الوسط التاريخي الذي تتحرك فيه وتتفاعل معه الاقتصادات العربية. ومن المهم للدول العربية أن تدرك التغيّرات التي تجري في الاقتصاد العالمي واتجاهاته وتراتب القوى القائدة فيه كأساس معرفي لإدارة علاقاتها الاقتصادية الدولية بصورة تحقق مصالحها وتعظم استفادتها وتقلّل المخاطر التي يمكن أن تتعرّض لها من تلك البيئة.

«G 7» أم «C 7»؟ .. قوة متراجعة تنهب اقتصاد العالم

هناك صورة انطباعية كرّسها الإعلام الغربي تاريخيًا حول قيادة الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة للاقتصاد العالمي، وتلك الصورة كانت مبنيّة على أساس موضوعي حتى نهاية ستينيات القرن العشرين، لكنها فقدت القواعد التي تستند عليها تدريجيًا ولم يعد لها أي أساس موضوعي حاليًا.

ومن المفارقات أن تلك الدول أنشأت ما تسميه مجموعة «الدول الصناعية السبع الكبرى» عام 1973 في سياق محاولاتها للسيطرة على أزماتها والحفاظ على هيمنتها في وقت تتداعى فيه مقوماتها. لقد أصبح مسمى «الدول الصناعية السبع الكبرى» (الولايات المتحدة، واليابان، وألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، وكندا) أو ما تطلق على نفسها G 7، مجرد أكذوبة حاليًا. وهي أكذوبة لأن ناتج الصناعة التحويلية للصين وهي خارج هذه المجموعة، يزيد عن مجموع نظائره في الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا مجتمعين فكيف تكون تلك الدول هي الدول الصناعية الكبرى؟!! أما كندا فهي أقل من مقاطعة صينية متوسطة في السكان والناتج بما يجعل وجودها في مجموعة تدعي أنها الدول الصناعية الأكبر عالميًا مجرد طرفة.

الناتج المحلّي الإجمالي الأمريكي مقدّر له أن يبلغ 26855 مليار دولار في العام الحالي

وقد ضمّت تلك المجموعة روسيا عام 1997 وغيّرت اسمها إلى مجموعة الثمانية. وفي عام 2014 تم إخراج روسيا من المجموعة والعودة لمسمى الدول الصناعية السبع الكبرى. وسواء بالنسبة لعملية الضم أو الطرد كان الهوى السياسي هو الحاكم وليس الحقائق الاقتصادية الموضوعية، وبدا الأمر على درجة من الخراقة لا تليق بمجموعة تسمي نفسها بـ«السبعة الكبار».

الناتج المحلي الإجمالي الياباني يبلغ نحو 6457 مليار دولار وفقًا لتعادل القوى الشرائية

ولأن البيانات هي الحكم في كون تلك الدول هي الأكبر صناعيًا من عدمه سنذهب إلى قاعدة بيانات تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي في أبريل 2023 والتي تشير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي مقدّر له أن يبلغ 26855 مليار دولار في العام الحالي سواء وفقًا لسعر الصرف أو وفقًا لتعادل القوى الشرائية. ووفقًا لبيانات هيكل الاقتصاد التي ينشرها تقرير مؤشرات التنمية في العالم الذي يصدره البنك الدولي فإن الصناعة التحويلية تسهم بنحو 12% من الناتج الأمريكي أي أن الناتج الصناعي يعادل 3223 مليار دولار عام 2023.

أما الناتج المحلي الإجمالي الياباني فيبلغ نحو 4410 مليار دولار وفقًا لسعر الصرف السائد، ونحو 6457 مليار دولار وفقًا لتعادل القوى الشرائية، وتبلغ حصة الصناعة التحويلية اليابانية نحو 18% أي ما يعادل 794 مليار دولار وفقًا لسعر الصرف السائد، ونحو 1162 مليار دولار وفقًا لتعادل القوى الشرائية في العام نفسه.

ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي الألماني نحو 4309 مليار دولار وفقًا لسعر الصرف السائد، ونحو 5546 مليار دولار وفقًا لتعادل القوى الشرائية، وتبلغ حصة الصناعة التحويلية منه نحو 21% أي ما يعادل 905 مليار دولار وفقًا لسعر الصرف، ونحو 1164 مليار دولار وفقًا لتعادل القوى الشرائية في العام المذكور.

أما الناتج المحلي الإجمالي البريطاني فيبلغ 3159 مليار دولار وفقًا لسعر الصرف السائد، ونحو 3847 مليار دولار وفقًا لتعادل القوى الشرائية، وتبلغ حصة الصناعة التحويلية منه نحو 11% أي ما يعادل 348 مليار دولار وفقًا لسعر الصرف، ونحو 423 مليار دولار وفقًا لتعادل القوى الشرائية في العام الحالي.

ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي لفرنسا نحو 2924 مليار دولار وفقًا لسعر الصرف، ونحو 3873 مليار دولار وفقًا لتعادل القوى الشرائية. وتبلغ حصة الصناعة التحويلية منه نحو 11%، بما يعادل نحو 322 مليار دولار وفقًا لسعر الصرف، ونحو 426 مليار دولار وفقًا لتعادل القوى الشرائية.

ناتج الصناعة التحويلية للدول الست نحو  6941 مليار دولار وفقًا لتعادل القوى الشرائية 

ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي لإيطاليا نحو 2170 مليار دولار وفقًا لسعر الصرف، ونحو 3196 مليار دولار وفقًا لتعادل القوى الشرائية، وتبلغ حصة الصناعة التحويلية منه 17%، أي ما يعادل 369 مليار دولار وفقًا لسعر الصرف، ونحو 543 مليار دولار وفقًا لتعادل القوى الشرائية.

وبذلك تكون قيمة ناتج الصناعة التحويلية للدول الست نحو 5961 مليار دولار وفقًا لسعر الصرف السائد، ونحو 6941 مليار دولار وفقًا لتعادل القوى الشرائية في العام الحالي 2023.

الناتج المحلي الإجمالي الصيني أكبر بنحو 6160 مليار دولار عن نظيره الأمريكي

أما الناتج المحلي الإجمالي الصيني فيبلغ مقدرًا بالدولار نحو 19374 مليار دولار وفقًا لسعر الصرف السائد، ونحو 33015 مليار دولار وفقًا لتعادل القوى الشرائية، وهذا هو الناتج الحقيقي وهو أكبر بنحو 6160 مليار دولار عن نظيره الأمريكي. وتبلغ حصة الصناعة التحويلية منه نحو 30% أي ما يعادل 5812 مليار دولار وفقًا لسعر الصرف السائد، ونحو 9905 مليار دولار وفقًا لتعادل القوى الشرائية. وبناءً على تلك البيانات، فإن ناتج الصناعة التحويلية الصينية يبلغ نحو 97,5% من مجموع النواتج المناظرة في الدول الست المذكورة وفقًا لسعر الصرف، بينما يزيد بنحو 2964 مليار دولار على مجموع النواتج الصناعية للدول الست المذكورة مجتمعةً وفقًا لتعادل القوى الشرائية.

ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي المقدر للعام الحالي وفقًا لسعر الصرف نحو 3737 مليار دولار في الهند، ونحو 2081 في البرازيل، ونحو 2063 مليار دولار في روسيا، ونحو 1663 مليار دولار في المكسيك، ونحو 1392 مليار دولار في إندونيسيا، ونحو 1062 مليار دولار في السعودية، ونحو 1029 في تركيا. أما الناتج المقدر وفقًا لتعادل القوى الشرائية فيبلغ للدول المذكورة بالترتيب نحو 13033، 4020، 4989، 3126، 4399، 2301، 3573 مليار دولار في العام الحالي. وكما هو واضح فإن الناتج الهندي وفقًا لتعادل القوى الشرائية يزيد عن مجموع النواتج المحلية الإجمالية لألمانيا وبريطانيا وفرنسا معًا.

وفي السياق نفسه، بلغت قيمة الصادرات الصينية من السلع الصناعية نحو 3146 مليار دولار عام 2021، مقارنةً بنحو 1079 مليار دولار صادرات صناعية أمريكية، ونحو 648 مليار دولار صادرات صناعية يابانية، ونحو 2071 مليار دولار صادرات صناعية من الاتحاد الأوروبي لدول خارجه وفقًا لبيانات منظمة التجارة العالمية في تقريرها عن إحصاءات التجارة العالمية (تقرير عام 2022). كما تفوّقت الصين بشكل كاسح في تصدير السلع عالية التقنية منذ 15 عامًا. وعلى سبيل المثال تشير بيانات تقرير مؤشرات التنمية في العالم الصادر عن البنك الدولي إلى أن قيمة صادراتها من السلع عالية التقنية بلغت نحو 406 مليار دولار عام 2010، مقارنةً بنحو 158 مليار دولار صادرات ألمانية، ونحو 146 مليار دولار للولايات المتحدة، ونحو 122 مليار دولار صادرات يابانية عالية التقنية.

ما تسمى بالدول «الصناعية السبع الكبرى» لا هي الأكبر صناعيًا ولا زراعيًا

وحتى بالنسبة لقطاع الزراعة فإن القيمة المضافة في هذا القطاع في إجمالي العالم، بالأسعار الثابتة لعام 2015، بلغت نحو 3596 مليار دولار عام 2020 وفقًا للتقرير الإحصائي السنوي لمنظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو). وبلغت القيمة المضافة في هذا القطاع نحو 1142 مليار دولار في الصين تعادل 31,8% من الإجمالي العالمي، وبلغت في الهند 441 مليار دولار تعادل 12,3% من الإجمالي العالمي. وبلغت نحو 332 مليار دولار في أوروبا بأكملها تعادل 9,2% من الإجمالي العالمي، وبلغت نحو 207 مليار دولار في الولايات المتحدة تعادل 5,8% من الإجمالي العالمي، وبلغت نحو 39 مليار دولار في اليابان تعادل 1,1% من الإجمالي العالمي في عام 2020. وهذا يعني أن هذه الدول مجتمعة (الولايات المتحدة وأوروبا واليابان) تعادل نصف الناتج الزراعي الصيني، ونحو مرة وثلث قدر الناتج الزراعي الهندي.

والخلاصة ببساطة أن ما تسمى بالدول «الصناعية السبع الكبرى» لا هي الأكبر صناعيًا ولا زراعيًا. ولم تعد تملك الأساس الموضوعي للهيمنة وفرض السياسات الاقتصادية على باقي دول العالم بحيث تبدو مساعيها في هذا الشأن جنونًا غير واقعي تستحق عليه أن تسمى Crazy 7 أي C 7 بدلا من G 7.

وصحيح أنها ستبقى بين الكبار في الاقتصاد العالمي، لكنها لم تعد الأكبر ولن تسترجع ذلك الموقع، وعلى الدول العربية أن تدرك وهي تدير علاقاتها الاقتصادية الدولية حقيقة تراجع الهيمنة الغربية على القطاعات الإنتاجية في الاقتصاد العالمي. وعليها أن تدرك أيضًا أنّ مركز الثقل الاقتصادي العالمي اتجه إلى آسيا، وفي قلبها العملاقان الصيني والهندي، إضافةً إلى كوريا الجنوبية وإندونيسيا وتايلاند وماليزيا وفيتنام وتركيا وروسيا التي أصبحت مصالحها الاقتصادية آسيوية أكثر من أي وقت مضى بسبب الحصار الاقتصادي الغربي لها والمرشح للاستمرار لفترة طويلة. كما أنّ الدول الناهضة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وفي المنطقة العربية مرشحة بدورها لتعزيز دورها وفعاليتها في الاقتصاد الدولي.

التغيير يمكن أن يتسارع إذا سعّرت الدول العربية نفطها بوحدة حقوق السحب الخاصة أو بسلّة عملات لا يهيمن عليها الدولار

لكن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة ما زالت تهيمن على القطاع المالي العالمي وعلى وضعية عملاتها بقيادة الدولار كعملات احتياط دولية تمكّنها من نهب باقي دول العالم مقابل مجرد أوراق لا رصيد لها من الذهب ولا غطاء لها من الإنتاج. والمؤكد أن المعركة الكبرى الدائرة حاليًا لتغيير النظام الاقتصادي الدولي وبناء نظام أكثر منطقية وعدلًا هي تلك المتعلقة بتغيير النظام النقدي الدولي ومؤسساته. وذلك التغيير يمكن أن يتسارع إذا انضمّت الدول العربية المصدّرة للنفط للمساعي الدولية لإنجازه عبر تسعير نفطها بوحدة حقوق السحب الخاصة وما يعادلها من عملات شركائها التجاريين أو بسلّة عملات لا يهيمن عليها الدولار، وتغيير هذا النظام يستحق أن يكون موضوعًا لمقالة قادمة. 

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن