للحقّ، فإن كلام المسؤول، يجد له صدّى واسعًا وسط الأغلبيّة العربيّة. إذ تكرر أوساط واسعة اتهام الآخرين بالمسؤولية عن حالنا، وهي تذهب في التفاصيل إلى ما يقوله المسؤولون في تحديد الغرب باعتباره صاحب المسؤولية، ويفصلون على سبيل الدقة بتسمية كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، ويضيفون إسرائيل بوصفها ربيبة الغرب ومشروعه في قلب المشرق العربي، ولا ينسون في الحالات، التي يريدون فيها تحميل أطراف أخرى تهمة المسؤولية عن حال العرب، أن يصفوا تلك الأطراف بـ"العميلة" للغرب ولا سيما الولايات المتحدة، كما كانت تتم الإشارة إلى تركيا بوصفها دولة في "الناتو"، أو نظام الشاه في إيران الذي كان حليفًا معلنًا للولايات المتحدة.
التناغم العربي بين أغلب القادة والأكثرية في "مسؤولية الآخرين"، (نغمة) تكرّرت على مدار العقود الماضية، وتشارك فيها مسؤولون في أغلب الأنظمة وتقلّباتها من حكومات الاستقلال، وسلطات الانقلابات العسكرية وصولًا إلى الحكومات المنتخبة والأنظمة الوراثية، وشاركت قطاعات واسعة من الاتجاهات الأيديولوجيّة والسياسيّة العربيّة في الرأي ذاته والرؤية ذاتها، التي تبناها إسلاميّون ويساريّون وقوميّون وما بينهم.
تطوّرات عالمية عاصفة، غيّرت كثيرًا من الاعتقادات والتوازنات والخرائط والسياسات
قلّة من العرب في مستوى القادة ووسط الأكثرية، كان لهم رأي مختلف، كانوا لا يرون في الآخر السبب الأساسي، بل مجرد سبب محدود فيما صار الحال، وأنّ السبب الأساسي هو العرب أنفسهم بما هم عليه من بنية حضارية وفكرية وعلاقات، وبما لهم من سياسات وممارسات في المستويات الداخلية والخارجية، وهو موقف لم يحظَ بشعبية، بل إنه في بعض الأحيان، ونتيجة خصومات ما، كان مدعاة لاتهام أصحابه بما ليس فيهم.
لقد مضت عقود من الزمن العربي، استمرّ فيها الحال على ما كان عليه في إلقاء اللوم على الآخرين وتبرئة الذات، وهو حال أصبح من الصعب أن يستمرّ وسط موجة من تطوّرات عالمية عاصفة، غيّرت كثيرًا من الاعتقادات والتوازنات والخرائط والسياسات، وصاحبتها في البلدان العربية تطوّرات داخلية تجاوز أغلبها مستوى الكارثة متعددة الأبعاد على مدار سنوات العقد الماضي.
إتّجاه عربيّ بدأ يخرج من فكرة المظلومية والمؤامرات داعيًا إلى التنمية والتقدّم
ولأنّ العرب ليسوا خارج التاريخ، فكان لا بد وأن يتأثروا بالتطورات العالمية وتفاعلاتها، واستخلاص الدروس من تطوّرات بلدانهم، ولعل أحد أبرز النتائج تنامي وصعود اتجاه عربي له تعبيرات في أكثر من بلد، بدأ يخرج من فكرة المظلومية والمؤامرات ومسؤولية الآخر عن تردّي الأحوال، متجاوزًا تلك المقولات، داعيًا إلى التركيز على مسؤولية العرب وتعاونهم مع العالم من أجل إنقاذ شعوبهم ودولهم، والخروج إلى فضاءات التنمية والتقدّم وتوفير فرص حياة، تضمن حقوق الإنسان وكرامته.
اليوم، وكما تبدو الخارطة العربية، ثمة من يكرّس القديم في اتهاماته للآخر، يكرّر كلامًا وشواهد عن مؤامرات وتدخلات، ساعيًا إلى التغطية عمّا فعل ويفعل في سياق تبرير أطروحاته وسياساته وممارساته، وآخر يشق طريقًا جديدًا في فهم الآخر وفي صياغة مسارات وأساليب لائقة للتعامل معه بصورة موضوعية بهدف إخراج بلاده، والعرب عامة، من استعصاءات طال أمدها، أملًا في الانتقال إلى مكانة أفضل في خريطة العالم، مشاركًا وفاعلًا في حياة الإنسانية ومستقبلها.
(خاص "عروبة 22")