قضايا العرب

أين يقف العرب من الذكاء الاصطناعي؟

في حين تسعى الدول المتقدمة إلى امتلاك كل أدوات الذكاء الاصطناعي، لا تزال دول عربية تفتقد لأدنى مقوّمات التكنولوجيا... وبعضها لا يتوافر لديه الإنترنت بشكل دائم ولا حتى أدوات التواصل.

أين يقف العرب من الذكاء الاصطناعي؟

في الآونة الاخيرة، أصبح الذكاء الاصطناعي الشغل الشاغل لغالبية حكومات الدول المتقدّمة، فالكلّ مدرك أنّ العالم يقف عند فجر حقبة جديدة، ستغيّر حياة البشر والطريقة التي يعيشون ويعملون فيها، على مستويات التعليم والصحة والتجارة والبيئة والأمن وفي عدد كبير من المجالات والقطاعات، مع الإقرار بأنّ مخاطر هذه الحقبة لا تزال مجهولة أيضًا.

ويقول هنري كيسنجر: "نحن محاطون بالعديد من الآلات التي قد لا نعرف تفكيرها الحقيقي؟"، في إشارة إلى صعوبة تقدير تبعات هذا التطور، وذلك في مقابلة نشرت في صحيفة "واشنطن بوست"، علمًا أنّ كيسنجر قضى أعوام حياته وهو يفكّر في مخاطر الأسلحة النووية.

حكومات عربية تتباطأ في تبنّي الذكاء الاصطناعي... وتفاوت كبير في القدرة والإرادة

وعلى مر التاريخ، كان الذكاء الاصطناعى حاضرًا في الخيال العلمي. فقد بحث الإنسان عن اختراع يحاكي العقل البشري، في نمط تفكيره، محاولًا إيجاد تفسير منطقي لمفهوم الذكاء الاصطناعي، لكن في العام 2018 أصبح الخيال حقيقة، إذ شكّلت هذه السنة نقلة كبرى للذكاء الاصطناعي بعدما نمت هذه التكنولوجيا وباتت تدخل في صلب غالبية القطاعات. بمعنى أنّ هذا الذكاء خرج من مراكز البحوث ومن صفحات الروايات، وبات في كلّ تفاصيل حياتنا اليومية.

أما في الوطن العربي، فيؤخذ على بعض الحكومات العربية تباطؤ وتيرة تبني الذكاء الاصطناعي، وكأنه انفصال عن الواقع بمستويات مختلفة، إذ يتفاوت التعاطي الجدي مع هذا الحدث بين بلد وآخر، كلّ حسب قدراته المادية ومسعاه الحثيث نحو امتلاك أدوات هذا التطور، ويختلف الأمر كذلك في حال كان يعاني حربًا على أرضه أو يعيش سلامًا مزيفًا.

ووفق المؤشر العالمي للذكاء الاصطناعي من Tortoise Intelligence تحتل السعودية والإمارات وقطر والبحرين المراتب الأولى عربيًا، إذ احتلت السعودية المرتبة 26 والإمارات 34 وقطر 47 والبحرين 51، فيما حلّت تونس في المرتبة 54 والمغرب 56، أما مصر فاكتفت بالمرتبة 59 عالميًا في القائمة التي ضمت 62 بلدًا.

يشرح الخبير في التحول الرقمي رودي شوشاني لـ"عروبة22" كيف يظهر التفاوت بشكل كبير بين الدول العربية، وتحديدًا على مستوى دول الخليج، الإمارات العربية المتحدة والسعودية وقطر والكويت والبحرين وعُمان والدول الأخرى، إذ إن إقتصاد المجموعة الأولى مبنيّ على النفط وبالتالي لديها القدرة والإرادة على مستوى الإنتاج ومواكبة متطلبات العصر. وهذا ما أظهرته أيضاً دراسة الإسكوا الصادرة في حزايرن/ يونيو 2022، والتي حملت عنوان "أتُفوِّت المنطقة العربية قطار الثورة الصناعية الرابعة: المهارات العربية لا تزال حبيسة الماضي".

"النفط الجديد" هو التكنولوجيا والمعلومات... والذكاء المعرفي والاصطناعي هما أساس المستقبل

ويقول: "قادة الإمارات، على سبيل المثال، يحصدون اليوم جهد سنين سابقة، بنوا خلالها أرضية صلبة من بنى تحتية أساسية وسياحة وإقتصاد، حتى أنهم ذهبوا أبعد من الذكاء الاصطناعي إلى مجال الفضاء. ومنذ العام 2018، يدركون أنّ المستقبل مبنيّ على البيانات والذكاء الاصطناعي، وأنّ "النفط الجديد" هو التكنولوجيا والمعلومات فأنشأوا وزارة الذكاء الاصطناعي". على اعتبار أن البيانات هي أساس المعلومة والأخيرة هي أساس المعرفة، والذكاء المعرفي والاصطناعي هما أساس المستقبل.

وكذلك تسير السعودية على خطى الإمارات، بوتيرة متسارعة، فهي اليوم، وخلال سنة واحدة قفزت 4 سنوات إلى الأمام، حسبما يقول شوشاني. فعلى سبيل المثال اعتمدت السعودية العام الماضي، استراتيجية المدن الذكية وبدأت بإدخال الذكاء الاصطناعي إلى مناهجها... وغير ذلك الكثير من الأمور.

وبوتيرة أقل تعمل دول الخليج الأخرى، كل بحسب قدراته وتطلعاته المستقبلية على تطوير الذات، أما الدول العربية الأخرى فلا يمكن إعتبارها حتى في المرتبة الثالثة بعد الإمارات والسعودية ودول الخليج الأخرى، كونها بعيدة جدًا على مستوى الأداء، وفق ما يؤكد شوشاني.

الإقتصاد المستقبلي هو إقتصاد رقمي وإذا بقيت الدول العربية على ما هي عليه فستكون منفصلة عن هذا الواقع

وماذا بالنسبة إلى لبنان؟ يرد شوشاني: "لدينا في لبنان طاقة بشرية هائلة، تمتلك غالبيتها خبرات وذكاء، لكن لا يوجد استثمارات نتيجة غياب الاستقرار السياسي والحرب الإقتصادية الراهنة. ولا بد من لفت الإنتباه كذلك إلى الدول الأخرى التي تعيش حروبًا واقتتالًا مثل سوريا واليمن والسودان، أو تعاني أزمات إقتصادية وإنسانية تجعل منها دولاً تبحث عن قوت يوم الشعب لديها، على شكل هبات ومساعدات، ليس أكثر".

ويختم: "الإقتصاد المستقبلي هو إقتصاد معرفي (رقمي) وفي حال بقيت هذه الدول على ما هي عليه، فستكون منفصلة عن هذا الواقع وبعيدة كل البعد عمّا يحصل من تطوّر على مستوى الثورة الصناعية الرابعة"، محذرًا من خطورة عدم توافر هذا التطور على مستوى التعليم الجامعي، الأمر الذي يزيد الواقع التعليمي والتربوي سوءاً في عالمنا العربي.  

(خاص عروبة22 - إعداد حنان حمدان)

يتم التصفح الآن