وجهات نظر

ماذا نفعل لدعم أهالينا في غزّة؟

تعوّدنا نحن العرب في دفاعنا عن حقوقنا المسلوبة أن نلهب الحناجر، وتعوّد الإسرائيليون الصهاينة أن يحرّكوا العقول غالبًا خلف الكواليس دعمًا لروايتهم المكذوبة بشأن وجودهم على الأراضي العربية والفلسطينية المغتصَبة، وتبشيرًا بمخططاتهم ليس في فلسطين وحدها ولكن على كل أرضينا من المحيط وحتى الخليج، وربما هذا ما يفسّر لنا ولو جزئيًا حجم الدعم الغربي لإسرائيل وأدواته السياسية والحربية.

ماذا نفعل لدعم أهالينا في غزّة؟

في هذا السياق، فإنّ قصف مستشفى المعمداني قد حرّك الشوارع العربية، ولكن نحو فعل منقوص غير مكتمل، حيث تحرّكت الجاليات العربية في العواصم العالمية في تظاهرات، كل فرد فيها يعتبر نفسه بعد أن تظاهر لعدة ساعات قد أرضى ضميره الإنساني وفعل ما هو مطلوب منه لدعم فلسطين وحقوق شعبها، ليعاود بعد ذلك استئناف حياته العادية، يشرب قهوته في الصباح ويذهب إلى عمله.

وإذا كان فعل التظاهر مطلوبًا ليرتفع الصوت العربي ضد الصهاينة في المجال العام العالمي، علينا أن نسأل أنفسنا بصراحة؛ هل نمارس هذا الفعل على وجه صحيح؟، ثم هل هو فعل أحادي لا يستتبعه أدوار أخرى؟، وهل هو فعل كافٍ يمكن أن يؤثّر في السياسيات العالمية الموالية لإسرائيل بوقاحة غير مسبوقة تجاهلت أبسط حقوق الإنسان التي بات من الواضح أنها إحدى آليات التوظيف لاستراتيجاتهم الجيوسياسية أكثر من كونها انحيازًا واقعيًا وذا مصداقية لحقوق الإنسان كهدف حضاري؟.

الملاحظ بدقة لمحتوى الهتافات العربية في التظاهرات التي جرت خلال الأيام الماضية يمكن أن يقول ببساطة إنها غير مدروسة، ومتكرّرة، وربما غير مفيدة بل مضرّة أحيانًا بالحقوق العربية الفلسطينية، ويمكن استخدامها من جانب إسرائيل ضدنا. ولأنني قد حضرت تظاهرة نقابة الصحفيين المصرية دعمًا لأهالي غزّة وللحقوق الفلسطينية بشكل عام، فيمكن أن نستخدم هذا النموذج كدراسة حالة قد تكون ممثلة لغيرها.

مضمون الرسالة ومناهج تعميمها عالميًا هو المهم في فعل التظاهر

أغلب الظن أنّ الدعوة للتظاهر من جانب النقابة لم تشكَّل لها لجنة مسؤولة، وإذا تم تشكيلها فغالبًا سيكون الأمر متعلقًا بالتأمين، واختيار أعضاء مجلس النقابة الحاضرين إلى جانب النقيب، وبالبيان الذي سوف يصدر عن النقابة غالبًا باللغة العربية.

أما الهتافات ومحتواها، فغالبًا ما يُترك - وهو الأهم – لمتطوّعين، هم نشطاء مخلصون يقولون ما اعتادوا عليه أو سمعوه مسبقًا ويملكون قدرات شخصية في الصوت العالي، من هنا سمعتُ محتوى للهتافات يمكن أن يُستغل سياسيًا لدعم المظلومية الصهيونية، واستخدامها سياسيًا ضد الحقوق العربية.

إذن مضمون الرسالة ومناهج تعميمها عالميًا بهدف تحقيق وظيفة ممارسة الضغوط على الصعيد العالمي هو المهم في فعل التظاهر، كما من المهم أن يكون فعل التظاهر هو أحد تجليات الفعل العربي المدني الذي لا بد وأن يخرج من نطاقَي التظاهر وتقديم المساعدات الإنسانية لرحاب أشمل وأوسع.

في سياق مقارن للفعل الصهيوني لترويج رواياته، خصوصًا تلك الأخيرة بعدم مسؤوليته عن قصف المعمداني، فإنه يدرس بدقة محتوى رسالته ومناهج التعبير عنها ومجالات وأساليب تمريرها، ذلك أنّ الإستراتيجيات الصهيونية الكبرى المتعلّقة بمنطقتنا، تملك حوامل غير رسمية، وتتحرّك في مفاصل تفكير أي مجتمع حول العالم ومجاله العام، وترتكن إلى منظمات ونقابات نشطة.

من هنا نجحوا في تصوير الفلسطينين كإرهابيين، ونجحوا في تقسيم بلادنا العربية، فإذا كان السودان قد انقسم رسميًا، فليبيا واليمن وسوريا والعراق قد انقسموا بلا علم ونشيد، وبمناطق نفوذ وقواعد عسكرية أجنبية.

إذن أدورانا كمدنيين عرب ننحاز إلى حقوق أهالينا في غزّة والجولان ولبنان والسودان، ونتحسب لمستقبل بلاد تبدو مستقرّة ولكنها مستهدفة كمصر، لا بد وأن تتعرّض لمراجعة من حيث الاهتمام بالمحتوى وتحديث الأدوات، ودراسة مجالات التأثير ونقاط الارتكاز التي يجب الاهتمام بها في عواصم مختارة مؤثّرة في منطقتنا.

وعودة لنقابة الصحفيين المصرية، كنموذج لدراسة الحالة، كنتُ أتمنّى أن تكون هناك لجنة أزمة متواصلة الانعقاد بشأن مجريات غزّة، وأن يكون على عاتق هذه اللجنة برنامج للتظاهرات، واختيار أشخاص لقيادة هذه التظاهرات مسؤوليين عن هتافات يتم هندستها مسبقًا لدعم الحقوق الفلسطينية، دون عبارات قد يُساء تفسيرها أو يتم استخدامها ضدنا، كما أنه مطلوب من هذه اللجنة التواصل مع نقابات الصحفيين المناظرة حول العالم باللغات الحيّة.

واجبات الأدوار المدنية هي في الاعتماد على طرائق العالم الحديث في التأثير ومحاولة تغيير السياسيات

أما على الصعيد العام، فإنّ الشباب العربي المقيم في الخارج عليه مسؤوليات كبرى يجب أن لا يتم اختزالها في التظاهر، ولكن من المطلوب أن تؤطّر بشكل منظّم ويكون لها دور فاعل مساند لحقوق الناس العادية في العيش الإنساني، وذلك بشروط منها:

أولًا؛ ألا تقع في فخ الاستقطابات والخلافات العربية التي ضيّعت القضية الفلسطينية، وأضعفت النظام العربي.

ثانيًا؛ تجاهل الإيدولوجيات العنفية التي ترى أنّ الرد على المظالم والانتهاكات الإسرائيلية يكون بالانتقام العنيف، وهو منهج سبق وأن تبنّته بعض التنظيمات الفلسطينية ومن بعدها الإسلامية، وكلاهما لم ينجحا لا في دعم الحقوق السليبة ولا في دعم الموقف العربي على الصعيد العالمي.

إن الدروس المستفادة من الصراع العربي الإسرائيلي تقول لنا إنّ الأدوار الرسمية لا بد وأن تسمح بأدوار المجتمع المدني العربي في دعم حقوق الفلسطنيين المسلوبة، وإنّ واجبات الأدوار المدنية هي في الاعتماد على طاقات الشباب النقية والاهتمام بمحتوى ما يقدّمون من حيث وضع الاستراتيجيات، وتحديد المناهج وتحديثها، واختيار نقاط الانطلاق المؤثّرة، فهذه هي طرائق العالم الحديث في التأثير ومحاولة تغيير السياسيات.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن