قضايا العرب

هل "فرمل" ملف الأسرى الغربيين الاجتياح البرّي لغزّة؟

يبدو أنّ هذا السؤال بات بالفعل مطروحًا للنقاش، كمخرج من المأزق الإقليمي الراهن أكثر من مجرد كونه حرب معلومات مضلّلة، لتشتيت الأنظار عن الهجوم البرّي المحتمل لجيش الاحتلال الاسرائيلي.

هل

كجزء من "حرب الأعصاب"، وممارسة الضغوط العسكرية والنفسية، وصل يوآف غالانت، وزير الدفاع الاسرائيلي، فجر السبت الماضي إلى الحدود مع غزة، وتحدثت تقارير إسرائيلية عن أنه تابع من هناك تجهيزات الحرب، بالتزامن مع غارات جوية إسرائيلية على شمال قطاع غزة.

وبحسب مصادر مصرية وفلسطينية متطابقة، بدت خطة الحرب التي تشمل ثلاث مراحل ضد "حماس" في غزّة، وكشف عنها غالانت خلال اجتماعه مع أعضاء لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالكنيست الاسرائيلي "طموحة أكثر من اللازم"، ما يجعلها وإن تمّت، خطة شديدة التكلفة، وغير قابلة للتطبيق أو النجاح.

مع ذلك، فقد فتح إطلاق "حماس" سراح مواطنتين أمريكيتين تزامنًا مع بدء دخول المساعدات الإنسانية للقطاع، وأسيرتين إسرائيليتين لاحقًا لدواعي صحّية، بابًا للأمل نحو إمكانية حدوث إنفراجة كبيرة في الموقف المتأزّم.

بالطبع خضع الأسرى المفرج عنهم، وفق ما يؤكد مسؤول أمني طلب عدم ذكر اسمه، لفحوصات طبية ولاستجوابات مطوّلة، بحثًا عن "أي معلومة أمنية مفيدة"، يمكن استنتاجها لملاحقة "أشباح" العناصر العسكرية فى "كتائب القسّام"، لا سيما في ظل ما أثبتته "حماس" من براعة في إخفاء الآثار التى تدلّ على أماكن احتجاز الأسرى لديها في القطاع.

يرى مراقبون في تأجيل الغزو البرّي إشارات إلى "شيء ما يجري في الخفاء وخلف الكواليس"

وكتعبير عن الثقة المفرطة ربما، تحدثت حركة "حماس" بشكل صريح عن إمكانية إطلاق سراح بقية الأسرى المدنيين لديها، بحيث قالت نصًا فى بيانها المقتضب إنها "تعمل مع جميع الوسطاء لتنفيذ قرارها بإغلاق ملف المدنيين، في حال توفرت الظروف الأمنية المناسبة".

تعبير "الظروف الأمنية المناسبة"، قد يكون مقصودًا به نقل هؤلاء والإفراج عنهم مقابل دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية، لكنه يحمل فى طياته أيضًا مؤشرًا على أنّ "حماس" مستعدّة للمضي قدمًا في الحفاظ على ما حققته حتى الآن، دون المخاطرة بحرب طويلة غير مأمونة العواقب، بالتزامن مع عودة إسرائيل إلى وضع "أهداف متواضعة" لحربها على القطاع.

فمع إدراك وجود رهائن غربيين، تسعى حكوماتهم إلى تأمين إطلاق سراحهم، خشية التعرّض لانتقادات محلية، كونها فشلت في تحقيق ما نجح فيه الأمريكان، إذ تأمل فرنسا وإيطاليا وبريطانيا، في الإسراع بإطلاق سراح رعاياهم الأسرى، ولهذا قد يكون محتملًا أن يكونوا قد طلبوا من رئيس حكومة الاحتلال إفساح المجال أمام جهود الوساطة المصرية والقطرية وتأجيل العمل العسكري البرّي في القطاع، على حد تعبير مصدر فلسطينى مسؤول.

إذ ورغم حديث نتنياهو ووزير دفاعه عن قرب إعطاء "الضوء الأخضر" لقوات الاحتلال بالتقدّم لاجتياح غزة، لم يحدث شيء على الأرض، باستثناء استمرار الغارات الوحشية المستمرّة للطيران الاسرائيلي، وهو ما رأى فيه مراقبون إشارات إلى أنّ "ثمّة شيء ما يجري في الخفاء وخلف الكواليس".

وفي الإطار عينه أتى تصريح الرئيس الأميركي جو بايدن للصحافيين على متن رحلة العودة من تل أبيب إلى واشنطن عن وجوب تأجيل الغزو البرّي، تكهنات باحتمال إعطاء الأولوية الأميركية لعملية إطلاق الرهائن، إذ وردًا على طرح أحد الصحفيين السؤال التالي عليه: "هل يجب على إسرائيل تأجيل الغزو البرّي حتى تتمكن من إخراج المزيد من الرهائن؟"، أجاب بايدن بكلمة واحدة فقط: "نعم ". قبل أن يستدرك البيت الأبيض الموضوع بنفي صحة هذه المعلومات على اعتبار أنّ الرئيس الأميركي لم يفهم السؤال جيدًا.

غير أنّ تقارير أمريكية لفتت فى المقابل إلى أنّ تلميح بايدن في هذا الصدد كان صحيحًا، معتبرةً أنّ "نفي البيت الأبيض الربط بين تأخير العملية العسكرية الاسرائيلية في غزة وتحرير الرهائن الإسرائيليين والأمريكيين والغربيين الذين تحتفظ بهم "كتائب القسام"، يعكس حالة من الفوضى في إدارة بايدن لا أكثر".

وبحسب ما كشفته صحيفة "تليغراف" البريطانية، فقد كشف بايدن للصحفيين المرافقين له خلال عودته من إسرائيل عن أنّ الجيش الأمريكي ناقش مع جيش الاحتلال "ما إذا كان هناك أي بديل متاح للهجوم البري"، ونقلت عن الرئيس الأميركي قوله إنه كان صريحًا مع إسرائيل عندما قال إنّ "سمعتها على المحك".

تدرك إسرائيل عواقب "الانتقام الجنوني" ما قد يجعلها ربما تكتفي بالتدمير المنهجي الواسع للقطاع

بايدن الذى يعتبر أول رئيس أمريكي يزور إسرائيل أثناء حروبها، حذّر من فشل اجتياح غزّة بريًا بقوله "لو ذهبنا وفشل هذا، إذن كما تعلمون، سيقال إنّ الولايات المتحدة فشلت، وفشلت رئاسة بايدن. وما إلى ذلك، وهو ما سيكون انتقادًا مشروعًا".

بالاضافة الى ذلك، برزت تحذيرات وتهديدات مبطّنة وجّهتها مصر بشكل مباشر أو من خلال وسطاء توافدوا على تل أبيب مؤخرًا، ومفادها باختصار أنّ استمرار مساعي إسرائيل لتهجير الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية، قد تعني نهاية معاهدة السلام المبرمة عام 1979، وما يعنيه ذلك من احتمال توسيع دائرة الحرب. كما وجهت أطراف عربية فاعلة أخرى مثل السعودية والإمارات، تحذيرات للغرب من تبعات وتداعيات استمرار الحرب الاسرائيلية على غزّة.

في محصلة المشهد المعقّد، صحيح أنّ إسرائيل تعرّضت للإهانة العلنية من الفلسطينيين، لكنها أيضًا تدرك عواقب الانتقام الجنوني، ما قد يجعلها ربما تكتفي بالتدمير المنهجي الواسع الذي حققته حتى الآن فى غزة، دون المجازفة بالاجتياح البري.. وارتكاب "حماقة استراتيجية كبرى" أخرى ستكون نتائجها وخيمة عليها.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن