ثقافة

فوضى التعليم في مصر: حقائق وأرقام صادمة!

حنان حمدان

المشاركة

منذ عقود، تعاني مصر من تحديات تعليمية كبرى، على أكثر من مستوى وصعيد، أبرزها يتصل بنوعية التعليم وجودته، ما شكّل عائقًا أساسيًا أمام تطور قطاع التعليم ككل، وتخريج أجيال متعلّمة ومفكّرة ومثقّفة. 

فوضى التعليم في مصر: حقائق وأرقام صادمة!

بدايةً، يضم التعليم الأساسي في مصر بمراحله الثلاثة؛ الابتدائي والإعدادي والثانوي، 25 مليون فرد ما بين أساتذة وطلاب، موزعة كالآتي: 22 مليون طالب في التعليم الحكومي والخاص والدولي، 2 مليون طالب في التعليم الأزهري، وما يقارب مليونًا من المعلمين والإداريين.

ويعاني القطاع من مشاكل عديدة ومتنوعة، مثل ضعف التمويل، ندرة المعلمين الأكفاء في مختلف المراحل التعليمية، رداءة أسلوب التعليم، تردي أحوال المباني التعليمية، إكتظاظ طلابي، خلل في هيكلية الإدارة التعليمية وغيرها الكثير من الأمور، التي ساهمت على مدى السنوات الماضية في إحداث أزمة مركّبة في التعليم المصري، تراكمت تداعياتها تحت وطأة غياب أيّ مشروع جدّي لتطوير هذا القطاع ومعالجة أزماته وتحسين واقعه، إذ لطالما أضاء المواكبون لهذا الملف على معضلة وضع النظم التعليمية عشوائيًا من أجل تنفيذ رؤية وفلسفة ذاتية، ليست على مستويات موضوعية ترتقي في أهدافها إلى مستقبل وطن وشعب ودولة.

منصّة "عروبة 22" استعرضت هذا الملف مع الخبير التربوي والباحث في المركز القومي للبحوث التربوية، كمال مغيث، الذي يرى أنّ "أهمية جودة التعليم تكمن في تحقيق أهدافه، وهي أربعة، تبدأ بتحقيق المواطنة، بمعنى أن مصر دولة قديمة وعريقة ومتنوعة العناصر، يكون فيها الإنتماء الأول لمصر نفسها، والإنتماء العرقي والمذهبي (..) ثانوي".

يجب تطوير نظام "التعليم المهني" ليكون للتعليم مخرجات قابلة للتوظيف

ومن ثمّ ينتقل للحديث عن الهدف الثاني، وهو الإعداد للثقافة بمعناها العصري، أيّ أن يكون الطالب قادرًا على التعاطي مع قضايا ثقافية، ومعرفة فحواها، ومناقشتها، مثل الهجرة الشرعية، الثورة المعلوماتية (..)، أما الهدف الثالث، فإنه يتضمن الإعداد للرؤية العلمية والمنهج العلمي، مثلًا، كأن يتمّ التحدث عن الفقر كحالة إجتماعية لها أسبابها وظروفها ومن يتحمل مسؤوليتها، وليس التعاطي معها وكأنها أمر الله ومفروض على الناس".

وأخيراً، "أن يحقق نظام التعليم، المهني، بمعنى أن يكون للتعليم مخرجات قابلة للتوظيف فوراً، مثل أن يتمّ توظيف "إكس" من الطلاب فور تخرجه، ليس فقط في مصر وإنما في أسواق العمل الخارجية أيضًا".

ويسأل مغيث: "هل حققت جودة التعليم المصري هذه الأهداف؟"، قبل أن يستدرك بالإجابة: "من وجهة نظري، الإجابة هي صفر. هناك طلاب في مصر خريجو دبلوم فني، وبعد تعلم دام 12 سنة، لا يجيد بعضهم كتابة إسمه، للأسف".

الإنفاق على التعليم يشكل 4 في المئة من إجمالي الناتج المحلي

ولكن، كيف يمكن تغيير هذا الواقع؟ يشدد مغيث على أنّ المعلّم هو "المفتاح الرئيسي للعملية التعليمية"، وبالتالي يجب أن يصار إلى إعداده مهنياً بشكل جيّد ومن ثمّ تحسين واقعه كي يشعر بالرضا إجتماعيًا ومعنويًا، عبر رفع رواتب العاملين في القطاع وتحسين قدراتهم المعيشية، كون باقي الأمور يمكن أن تتحقق بشكل أسهل، كإدخال تغييرات على المناهج، والنظم التكنولوجية، وغيرها من الأمور.

ويتقاضى المعلم في مصر 1300 جنيه (أيّ حوالي 40 دولار أميركي) وهو راتب منخفض جداً، لا يوفّر لأي فرد، وليس فقط للمعلم، حياةً كريمة ومقبولة، ولا يمكّنه من تلبية أبسط احتياجاته الأساسية، حتى أنّ مغيث يصنّفه في خانة "أفقر معلمي الأرض".

على أنّ تحسين الواقع التعليمي يتطلب زيادة ميزانية القطاع. وفي هذا السياق ينص الدستور المصري على أن الإنفاق على التعليم يشكل 4 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، أيّ ما يعادل 380 مليار جنيه، بينما ما ينفق فعلاً، هو 190 مليار جنيه، أيّ نصف المخصص المنصوص عليه، ليس أكثر. وهذا ما يزيد من سوء الأوضاع التعليمية، لجهة إنخفاض الإنفاق على العاملين في القطاع، وعدم توافر الأبنية الكافية، والكثافة الطلابية في الفصول وغيرها الكثير من المشاكل.

وفي هذا السياق، يتحدث مغيث عن أن القطاع يعاني نقصاُ يقدر بـ400 ألف معلم، ما يعني عمليًا أن هناك 400 ألف فصل ينقصه معلمون. وهذا الشغور هو نتيجة تعليمات البنك الدولي الّذي منع التوظيف منذ العام 2014.

تكدّس طلابي مخيف في صف واحد بسبب ضعف القدرة الإستيعابيّة للمباني

وتحاول الإدارات التربوية تعويض هذا النقص من خلال، إدخال المجنّدين الى الصفوف أو الإستعانة بأولياء الأمور أو التعاقد على الساعة. وهنا تبرز مسألة لجوء الطلاب إلى الدروس الخصوصية للحصول على الخدمة التدريسية، عبر أساتذة يعملون على تدريس مجموعات طلابية نتيجة إنخفاض قيمة الرواتب التي يتقاضونها، فيلجأون إلى مثل هذه الوسائل من أجل تأمين مدخول مالي إضافي.

وتبرز كذلك أزمة من نوع آخر، على مستوى التعليم المصري، إذ يُرفّع من دون الخضوع لأي إمتحانات، طلاب الصفوف الأساسية لغاية المرحلة الرابعة إبتدائي، بهدف منح كرسي الدراسة لطلاب جدد، نظرًا إلى كون غالبية المدارس تعاني من تكدّس طلابي مخيف، يصل أحياناً إلى ما بين 90 و100 طالب في صف واحد، بسبب ضعف القدرة الإستيعابيّة للمباني مقارنةً بعدد الطلاب.

وكانت الهيئة القومية لضمان جودة التعليم قد تبنّت في مصر، بموجب قانون رقم 82 / 2006، "نموذجًا غربيًا تمّت ترجمته، وأسسًا ليبرالية... غير أنها بالنتيجة لم تتمكن من فعل أيّ شيء" يختم مغيث.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن