وجهات نظر

أزمة المياه وانعكاساتها على الدول العربية

يشير تغيّر المناخ إلى التحوّلات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس، ويمكن أن تكون هذه التحوّلات طبيعية، بسبب التغيّرات في نشاط الشمس أو الانفجارات البركانية الكبيرة، ولكن منذ الأزل، كانت الأنشطة البشرية هي المحرّك الرئيسي لتغيّر المناخ، ويرجع ذلك أساسًا إلى حرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز. ينتج عن حرق الوقود الأحفوري انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تعمل مثل غطاء ملفوف حول الأرض، مما يؤدي إلى حبس حرارة الشمس ورفع درجات الحرارة، مما أثّر على الدول العربية وإنعكس على إقتصادياتها.

أزمة المياه وانعكاساتها على الدول العربية

تعاني الدول العربية من أزمة مياه وسوء الإدارة والهدر، وهناك نوعان رئيسيّان من الهدر، الهدر الضروري الذي لا يقدّم قيمة مضافة ولكنه ضروري لإنجاز الأمور بجودة عالية، والنوع الثاني من الهدر المحض هو الذي لا يقدّم قيمة مضافة وغير ضروري، ويواجه العالم أزمة مناخية حادة، إذ تتعرّض دول المنطقة العربية، بشكل خاص لإجهاد مائي شديد، ومخاطر مائية عالية، وسوف يزداد الوضع سوءًا، بسبب عوامل العرض والطلب على المياه، مثل ازدياد عدد السكان والتنمية الاقتصادية الكثيفة الاستخدام للموارد، وتتفاقم بسبب تغيُّر المناخ ، إذ من المتوقع أن يتأثّر ما يقرب من 7 مليارات شخص بندرة المياه النظيفة بحلول سنة 2050. 

ويعكس تقرير عن تقييم مخاطر ندرة المياه، صدر عن معهد الموارد العالمية، الأزمة المائية غير المسبوقة التي تُلقي بثقلها على دول كثيرة، إذ تُشير المعلومات إلى أنّ 25 دولة، تضم ربع سكان العالم، تتعرّض لإجهاد مائي مرتفع للغاية سنويًا، وبينما يعاني أكثر من نصف سكان العالم من الإجهاد المائي لمدة شهر واحد على الأقل في السنة، ستطول المعاناة نحو 60% من السكان سنة 2050.

الأرقام الفردية للدول العربية تكشف عن حقائق خطيرة

ونظرًا لمحدودية الموارد، من المتوقع أن يؤدي النمو السكاني والتنمية الاقتصادية المتسارعة إلى استهلاك المزيد من المياه، مع كثير من الهدر وقليل من الإدارة الرشيدة، ومع تغيُّر المناخ واتساع الجفاف، سيعاني مجمل البشر من أزمة مائية غير مسبوقة، وتُعرَف ندرة المياه بأنها نقص كمّي أو نوعي في إمدادات المياه، مُعبّرًا عنها بنسبة استهلاك الإنسان للمياه إلى الإمدادات المُتاحة، وخلال السنوات القليلة الماضية، زاد استخدام المياه عالميًا بمعدل ضعف النمو السكاني، واليوم، يعاني نحو ثلثي سكان العالم من ندرة حادة في المياه مرّة واحدة على الأقل سنويًا.

وتواجه الدول العربية أزمة حادة في توفير متطلّباتها من المياه العذبة، إذ تراجع معدّل حصّة المواطن العربي من المياه العذبة بنحو 50%، وهذا يعني أنّ معظم الدول العربية، انحدرت دون عتبة الفقر المائي لنصيب الفرد من الماء العذب، الذي حدّدته الأمم المتحدة بـ1000 متر مكعب سنويًا من المياه السطحية والجوفية المتجدّدة، وعلى خطورة المعدل العام، فالأرقام الفردية للدول العربية تكشف عن حقائق خطيرة، إذ إنّ موارد المياه العذبة المتجدّدة في معظمها تقلّ عن هذا كثيرًا.

ويُشير المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)، إلى أنّ المنطقة العربية من بين أكثر المناطق عُرضة للإجهاد المائي، نظرًا لمحدودية مواردها المتجدّدة، والإفراط في استغلال المصادر المتاحة، مما يضع 18 دولة عربية في فئة ندرة المياه، بينما تقع 14 دولة عربية ضمن الأكثر ندرة بالمياه عالميًا، وقد حذَّر المنتدى من هذا الوضع، ومن أنّ الواقع ازداد سوءًا أكثر من المتوقع نتيجة تسارع آثار التغيُّر المناخي، الذي فاقم تحديات النمو السكاني المطرد، والاعتماد على الموارد المائية المشتركة أو العابرة للحدود، وضعف الحوكمة المائية وسوء الإدارة، وبين الأولويات العربية معالجة المياه العادمة وإعادة استخدامها، إذ لا تتعدى نسبة المعالجة اليوم 60%، تتم إعادة استخدام نصفها فقط ويذهب الباقي هدرًا.

إنّ الزراعة هي القطاع الأكثر استهلاكًا للمياه والمساهم الأكبر في ندرة المياه العذبة، إذ تأخذ ما يقرب من 70%، في حين يستهلك القطاع الصناعي والاستخدامات المنزلية 22% و8 % من السحب المائي على التوالي، ويشير تقرير صدر أخيرًا عن اللجنة العالمية لاقتصاديات المياه إلى أنّ أكثر من 700 مليار دولار من الإعانات الحكومية التي تذهب إلى الزراعة والمياه كل عام، تسهم غالبًا في زيادة الاستهلاك المفرط للمياه، لأنها تتوجّه في معظمها نحو زيادة الإنتاج بدلًا من إدارة الطلب وتعزيز الكفاءة.

انخفضت مساحة المراعي الطبيعية في الدول العربية عام 2021 بحوالى 1.6% مقارنةً بعام 2020

وتخلص دراسة نشرتها مجلة cleaner production مطلع هذه السنة، إلى أنّ التجارة الدولية تخفّف من ندرة المياه بالنسبة لـ2.2 مليار شخص في الدول ذات الدخل المرتفع والمتوسط، ولكنها تفاقم ندرة المياه بالنسبة لـ2.1 مليار شخص في الدول ذات الدخل المنخفض، ويمكن تحقيق ذلك من خلال اختيار المزروعات الملائمة واعتماد ممارسات موجّهة نحو الحفاظ على المياه، مثل أنظمة الري الذكية، إلى جانب معالجة مياه الصرف الصحي للحصول على مياه صالحة لأغراض الري، وفي هذا العصر، يمكن لاستخدام إنترنت الأشياء وحلول الزراعة الدقيقة أن يسهم في التخفيف من تغيُّر المناخ ويقلّل البصمة المائية، وأيًا تكن الممارسات الزراعية الجديدة، يجب توخي الحذر في الحفاظ على جودة التربة، فضلًا عن جودة إنتاجية الأغذية الزراعية وسلامتها.

واستنادًا إلى التقرير الإقتصادي العربي الموحّد لعام 2022، بلغت المساحة الزراعية الكلّية في الدول العربية خلال عام 2021 حوالى 75.2 مليون هكتار، تمثّل 38.2 % من المساحة القابلة للزراعة، ويمثّل شح المياه أحد العوامل التي تحد من إمكانية استغلال معظم مساحة الأراضي القابلة للزراعة، إذ بلغت مساحة المراعي الطبيعية في الدول العربية في عام 2021 حوالى 379.8 مليون هكتار، وذلك بانخفاض بحوالى 1.6 % مقارنةً بعام 2020، فيما بلغت مساحة الغابات حوالى 37.9 مليون هكتار بزيادة تقدّر بحوالى 0.3 % عن عام 2020، كما شهدت مساحة الغابات في الدول العربية انحسارًا سنويًا ينجم معظمه عن التوسّع الزراعي والقطع الجائر للأشجار والتصحّر، وضعف برامج تنمية الغابات وحمايتها.

وأخيرًا، تعاني الدول العربية ندرة المياه، حيث لم يتجاوز متوسط حصّة الفرد من المياه المتجدّدة في عام 2021 حوالى 600 متر مكعب، ويتزايد هذا التحدي عامًا بعد عام بسبب النمو السكاني، وتراجع مخزون المياه وعوامل أخرى. من المرجح أن تواجه أوضاع المياه في الدول العربية مزيدًا من التحديات بسبب التأثيرات المتوقعة لتغيّر المناخ الذي سيؤثر على أنماط درجات الحرارة والأمطار وتدفقات الأنهار، كما ارتفعت قيمة الفجوة الغذائية العربية بين عامي 2019 و 2020 من حوالى 42.1 مليار دولار أمريكي إلى حوالى 44.1 مليار دولار أمريكي.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن