أظهرت عملية "طوفان الأقصى" مدى الدعم الذي تقدّمه الحكومات الغربية لإسرائيل إلى درجة إرسال الأساطيل وحاملات الطائرات تحسّبًا لأيّ توسّع للقتال يهدّد وجود إسرائيل. بالمقابل تصاعد التأييد الشعبي في الغرب نفسه للفلسطينيين ودعوة المتظاهرين إلى وقف العدوان الذي هو اغتيال متعمّد للأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين عامة.
ردود فعل الشارع العربي تُظهر مدى اتساع الهوة بين العرب وبين حكوماتهم
وأظهر "طوفان الأقصى" العجز غير المحدود لجامعة الدول العربية التي لم تستطع أن تفعل سوى إصدار بيان، ولم يتجرّأ بعض الدول التي تقيم علاقات مع إسرائيل على دعوة سفرائها للتشاور في إجراء شكلي لا يقدّم ولا يؤخّر. أما الجماهير العربية التي خرجت في تظاهرات احتجاج ودعم وغضب، فإنّ مظاهراتها وغضبها لا يغيّران في قرارات الحكومات العربية التي تكتفي بالاستنكار. ومع ذلك فإنّ ردود فعل الشارع العربي تُظهر مدى اتساع الهوة بين العرب وبين حكوماتهم.
ومن جهة أخرى، طرحت عملية "طوفان الأقصى" التساؤلات حول ما إذا كان قرار العملية قد اتُّخذ داخل غزّة، دون علم أيّ طرف أو دولة، أو أنه اتُّخذ بالتنسيق مع جهة ما أو دولة ما. كان ملفتًا للانتباه أنّ الإدارة الأميركية سارعت منذ اليوم الأول إلى الإعلان بأن ليس ثمّة ما يُثبت أنّ إيران كانت على علم بالعملية، في الوقت نفسه الذي وجّهت فيه الإدارة الأميركية تحذيرات من توسيع رقعة الحرب، وأرسلت أساطيلها لحماية إسرائيل، ولردع من يفكّر بمؤازرة الفلسطينيين أو إشعال جبهات أخرى. في هذا السياق طُرحت التساؤلات حول موقف محور الممانعة والمقاومة، وحول شعار "وحدة الساحات"؟
إحدى الأفكار التي طُرحت بعد العدوان الإسرائيلي على غزّة والكلام عن تهجير الفلسطينيين، هو اعتبار ما يحدث نكبة تذكّر بنكبة عام 1948، وهو تشبيه غير صحيح.
نكبة عام 1948 كانت نكبة للدول العربية التي اتّخذت قرارًا بتشكيل جيش الإنقاذ بعد إعلان الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين في نوفمبر عام 1947، ولم تستطع جيوش مصر والأردن ولبنان وسوريا والعراق والعربية السعودية أن تنتصر على العصابات الصهيونية، وأن تمنع تنفيذ قرار التقسيم وأن تمنع إعلان دولة إسرائيل، في 15 أيار عام 1948، والمفارقة أن الدول آنذاك وقّعت اتفاقيات هدنة مع الكيان الإسرائيلي، بينما الشعب الفلسطيني كان ينزح بعشرات الآلاف إلى الدول المجاورة التي انهزمت أمام العصابات الصهيونية.
ومنذ ذلك الحين، صادرت الدول العربية القضية الفلسطينية التي كانت تتسلّح وتقمع شعوبها بانتظار لحظة التحرير. إلا أنّ هزيمة 1967 كشفت عجز الأنظمة العربية عن الوفاء بوعودها، بل أورثت الأجيال اللاحقة الهزيمة المدوّية التي نعاني من نتائجها حتى اليوم.
ما حدث في غزّة يُثبت أن ليس للفلسطينيين سوى أن يستعيدوا قضيّتهم بأنفسهم.. والمطلوب وحدة الموقف الفلسطيني
وإذا كان الفلسطينيون قرّروا أن يأخذوا زمام قضيّتهم بيدهم بعد عام 1967، فإنّ الأنظمة العربية قرّرت محاصرة المقاومة الفلسطينية، واتّخذ الرئيس أنور السادات حرب 1973، لاستعادة سيناء وتوقيع معاهدة سلام. أما الرئيس السوري حافظ الأسد، فكانت مشاركته في حرب 1973، تهدف إلى تدعيم نظام حكمه وتفرّغه لحرب لبنان ومطاردة منظمة التحرير الفلسطينية.
وإزاء تخلّي الأنظمة العربية عن القضية الفلسطينية عبر اتفاقيات سلام: كامب ديڤيد وأوسلو ووادي عربة، إضافة إلى الدول الأخرى، فإنّ القضية أُلبست ثوبًا إسلاميًا بعد أن تراخى الثوب العربي. فكانت الأسلمة مثل العوربة ليست إلا شعارات للمتاجرة بالقضية الفلسطينية.
إنّ ما حدث في غزّة ويحدث، يُثبت أن ليس للفلسطينيين سوى أن يستعيدوا قضيّتهم بأنفسهم بعيدًا عن الحكومات العربية أو الإسلامية، التي لم تفعل سوى المقايضة والمفاوضة واستغلال شعار تحرير فلسطين وتحرير القدس من أجل تحقيق مكتسبات على حساب الشعب الفلسطيني.
ما يحدث في غزّة هو أنّ الفلسطينيين وحدهم الذين يقدرون على تحقيق مقاصدهم والمطلوب هو وحدة الموقف الفلسطيني.
(خاص "عروبة 22")