ربما يكون غني عن البيان أنّ الموقف الأفريقي الراهن هو نتيجة فشل عربي وفاعلية إسرائيلية حققت الكثير من النجاحات في أفريقيا خلال العقود الماضية. وقد يكون غني عن البيان أيضًا أنّ الأداء العربي لم يكن موفّقًا على الإطلاق في التعامل مع الكتلة الأفريقية في أعقاب اتفاقية كامب ديفيد، إذ إنّ ركون الرئيس المصري الأسبق أنور السادات إلى تقدير أنّ السلام مع إسرائيل قد تحقّق بتلك الاتفاقية، فضلًا عن الانخراط العربي في التطبيع مع إسرائيل من ناحية، وإهمال أفريقيا من ناحية أخرى، خصوصًا بعد غياب الرئيس الليبي معمر القذافي عن الساحة، قد أنتج في الأخير هذا التجاهل الأفريقي للقضايا العربية.
في هذا السياق، فإنّ القمة العربية الإسلامية قد نجحت في كسر الجمود الأفريقي، وكذلك ضمنت توافق قطاع أفريقي لا بأس به لمطالبات وقف الاعتداء على غزّة، وذلك من دول مثل نيجيريا وتشاد والسنغال وجيبوتي والصومال وجزر القمر، وهي دول ممثّلة لجزء من الكتلة المسلمة الأفريقية التي تتجاوز ثلاثمائمة مليون مواطن أفريقي مسلم بالقارة السمراء.
قد توافق الأفارقة هنا على نقاط أساسية برزت في البيان الختامي للقمة التي طالبت بـ"حل شامل" يضمن وحدة غزّة والضفة الغربية كدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، طبقًا لخطوط الرابع من يونيو/حزيران ١٩٦٧، ورفضت اتجاهات السياسيات الإسرائيلية في تقسيم الصف الفلسطيني سعيًا وراء تصفية القضية.
وكذلك انحازت هذه الكتلة الأفريقية للمطالب المتعلّقة بمخاطبة المحكمة الجنائية الدولية بشأن الإنتهاكات ضد الإنسانية التي تجري في غزّة، وتوثيقها عبر لجان متخصّصة.
الكتلة الأفريقية في الأمم المتحدة عامل لا بد من الانتباه له لضمان دعم القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية
وبطبيعة الحال، تمثّل عضوية نيجيريا في لجنة التواصل مع العالم المنبثقة عن القمة بشأن "حل الدولتين" خطوة مهمة في جعل دولة ممثلة عن أفريقيا نشطة مع المجهودات العربية والإسلامية الراهنة لجعل الحرب على غزّة هذه المرّة مدخلًا لمخاطبة القضايا النهائية في القضية الفلسطينية سعيًا وراء تدشين دولة فلسطينية ذات سيادة واقعية تقوم بوظائفها الطبيعة في مغايرة واضحة ومطلوبة لنموذج اتفاق أوسلو الذي لم يكن إلا التحاقًا شاذًا بالسيناريو الإسرائيلي للتعامل مع الوجود الفلسطيني طبقًا لمصالح الدولة العبرية فقط دون أي اعتبار للمصالح الفلسطينية والعربية.
وإذا كانت هندسة المملكة العربية السعودية للحدث موفّقة بلا شك فيما يتعلق بالحضور الأفريقي للقمة العربية الإسلامية، على الرغم من تأجيل القمة العربية الأفريقية التي كان مقررًا عقدها في التوقيت نفسه، وذلك تحت ضغط أحداث غزّة، فإنّ العمل العربي في أفريقيا يحتاج في هذا التوقيت لدفعة كبيرة بعد عقود من الإهمال، ذلك أنّ الكتلة الأفريقية التصويتية في الأمم المتحدة وباقي المنظمات الدولية تشكل عاملًا لا بد من الانتباه له على الصعيد العربي، لضمان دعم قضاياه المشتركة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
في هذا السياق، وكنتيجة للقمة ربما يكون مطلوبًا من الجامعة العربية أن تقوم بدور أكثر فاعلية فيما يتعلّق بضرورة ضمان دعم من نظيرها على المستوي الأفريقي أي الاتحاد الأفريقي لمناصرة حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة.
رغم الفاعلية الإسرائيلية في أفريقيا يملك الأفارقة إدراكًا جماعيًا بأنّ إسرائيل في التحليل الأخير هي دولة إحتلال
وقد يكون مطلوبًا أيضًا، وعلى الرغم من ضغط أحداث غزّة على الجميع، ألا يكون تأجيل السعودية للقمة العربية الأفريقية طويلًا، ذلك أنها آلية مطلوبة جدًا في هذا التوقيت لضمان زخم أفريقي جامع من القارة للحقوق الفلسطينية، فالأفارقة قد عانوا من الاحتلال الاستعماري والممارسات العنصرية، وهم بذلك ورغم النشاط والفاعلية الإسرائيلية في أفريقيا يملكون إدراكًا جماعيًا بأنّ إسرائيل في التحليل الأخير هي دولة إحتلال، وبذلك هم ينطلقون من منصة مناصرة للحقوق العربية والفلسطينية، للأسف لم يتم التعامل معها من الجانب العربي بآليات مناسبة.
أما على المستوى الشعبي وغير الرسمي، فإنه على المنظمات الحقوقية العربية التي تعمل في مجال حقوق الإنسان أن تكون فاعلة في هذه المرحلة دعمًا لحق الشعب الفلسطيني في الحياة التي هي أبسط حقوق الإنسان المستقر عليها طبقًا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما تقع على الشباب العربي مسؤولية التواصل مع نظرائهم الأفارقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي حشدًا وراء حق كل فلسطيني في الحياة الإنسانية الطبيعية تحت مظلة دولة مستقرّة وحدود آمنة.
وقد يكون من المناسب أن تستصحب الآليات المنبثقة عن القمة العربية الإسلامية معها المجهودات غير الرسمية من منظمات المجتمع المدني، ذلك أنّ نصرة الفلسطينين تحتاج إلى استحداث آليات وأدوات جديدة على الفاعلين الرسميين حتى يضمنوا أعلى درجة من التأثير الذي قد يساهم في إنجاح السياسيات المتوافق عليها في القمة العربية الإسلامية.
(خاص "عروبة 22")