قضايا العرب

العمل العربي المشترك: "رتابة" وتباينات وتحديات جيوسياسة

المغرب - خديجة عليموسى

المشاركة

تحوّل المغرب إلى قبلة لعدد من الملتقيات والمؤتمرات والفعاليات العربية المتعددة والبارزة، فضلًا عن احتضانه لمقرات العديد من المنظمات العربية، ومنها المنظمة العربية للتنمية الصناعية والتقييس والتعدين، واتحاد دول المغرب العربي ومكتب تنسيق التعريب، وهو ما يُعزّز مكانته كمركز رئيسي للتعاون والتنسيق العربي، ويعكس التزامه القوي بتعزيز التعاون العربي، وفق رأي محللين، تساؤلات حول دلالة الاستضافة والاحتضان لهذه الهيئات، ومدى قدرة هذه المؤسسات على القيام بدور فعّال لحل عدد من المشاكل المرتبطة بالقضايا العربية في ظل الإكراهات والتحديات التي تعيشها جامعة الدول العربية.

العمل العربي المشترك:

تأتي استضافة المغرب لملتقيات وأنشطة عربية، واحتضانه لمقرات هيئات عربية في سياق عضويته داخل جامعة الدول العربية، كتكتّل إقليمي، ودعمه لجهود العمل العربي المشترك، وفي هذا الإطار، يوضح الكاتب والمحلل السياسي المختص في العلاقات الدولية إدريس لكريني، مدير مختبر الدراسات الدستورية وتحليل الأزمات والسياسات، أنّ "المغرب كان يدعو دائمًا، وعلى أعلى مستوى، إلى ضرورة إعطاء القمم العربية والعمل العربي المشترك فعالية وبراغماتية أكثر تليق بالإمكانات التي تستأثر بها الدول العربية وبحجم التحديات على المستويين الإقليمي والدولي".

ويبرز لكريني، في تصريحه لمنصة "عروبة 22"، أنّ احتضان المملكة المغربية لعدد من الملتقيات والمؤتمرات يأتي أيضًا "انسجامًا مع الدستور المغربي الذي يؤكد على الاهتمام بالدائرة العربية، وعلى مواكبته لقضاياها وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وهذا دليل على تشبّث المغرب بهذا الإطار العربي، كسبيل لكسب مجموعة من الرهانات الإستراتيجية في المنطقة، والتصدي لمجموعة من التحديات التي يمكن أن تواجه المنطقة، رغم الصعوبات المطروحة بهذا الخصوص".

من جانبه، يرى المحلّل السياسي محمد بودن، رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية، أنّ الدلالات التي تحملها استضافة المغرب لعدد من الفعاليات العربية المختلفة، تظهر في "التقدير الذي تحظى به المملكة المغربية على المستوى الدولي، وقدرتها على حشد الدعم على المستوى العربي، ما يجعل لها مكانة بارزة على مستوى قيادات التفاهمات والمواقف في قضايا ذات أولوية للفضاء العربي، وهذا مهم جدًا للعمل العربي المشترك".

ويلفت بودن، في تصريحه لمنصة "عروبة 22" إلى "توفّر المغرب أيضًا على بنيات للاحتضان لعدد من المنظّمات تخصّ عدة دوائر على المستوى الأممي والأفريقي والإسلامي والعربي، إلى جانب الثقة التي تحظى بها المملكة المغربية في محيطها العربي، والمواقف التي تبديها بخصوص عدد من القضايا، إلى جانب التجربة التي تمتلكها في العدد من المجالات التي تهتم بها منظّمات عربية متخصّصة أو تهم بعض القضايا الجهوية".

تأثير محدود.. ورتابة في القرارات

ويشدد المحلّل السياسي لكريني على أهمية احتضان المغرب للهيئات العربية وتنظيم مجموعة من المؤتمرات والملتقيات، خاصة تلك التي تواكب مجموعة من القضايا العربية المشتركة في إطار مجموعة من الأنشطة التي لها أبعاد أمنية وتجارية واقتصادية وسياسية وثقافية وسياحية، باعتبار ذلك يمكن أن يعزّز "دينامية القرارات التي تتخذ في إطار ميثاق جامعة الدول العربية، خاصة تلك التي تتعلق بجوانب التعاون في المجالات العسكرية والتجارية والجمركية والتعليم".

لكنه يرى في الوقت نفسه، أنه وبالرغم من هذه الحركية في إقامة المؤتمرات والملتقيات، يظل تأثير بعض الهيئات العربية محدودًا ولا يعكس بشكل كامل الوضع العربي العام وما يعتريه من أوضاع متشابكة ومعقّدة. إذ يظهر أن هذه الجهود المبذولة على مستوى الملتقيات والمؤتمرات التي يحتضنها المغرب، لا تمتلك تأثيرًا قويًا على حلّ عدد من المشاكل التي تعاني منها الدول العربية، ويبرز هذا التحدي بشكل جلي في ظل الإطار الذي يجمع بين هذه الدول، والإحالة على جامعة الدول العربية التي تواجه مجموعة من التحديات والإكراهات المتتالية.

وفي هذا السياق، يشير لكريني إلى أن النظام الإقليمي العربي بمكوّناته المختلفة الاقتصادية والسياسية والعسكرية شهد في العقود الثلاثة الأخيرة ترديًا غير مسبوق بسبب وجود مجموعة من الخلافات البينية العربية، بالإضافة إلى عدم فعالية ونجاعة جامعة الدول العربية في إرساء تكتل إقليمي قوي، على غرار ما حدث في الاتحاد الأوروبي، الذي يعيد نجاحه إلى قدرة بلدانه على طيّ صفحة الخلاف، ورهانها على المستقبل وتنازلها عن مجموعة من مظاهر السيادة لصالح المصالح التكاملية، وهذه الخطوات ساهمت في تعزيز الوحدة داخل الاتحاد، حيث تجاوز دوره حدود التنسيق والتعاون ليُصبح موحّدًا يحقق مكاسب اقتصادية وسياسية.

أما في المقابل، فيلاحظ أنّ جامعة الدول العربية تمثل محور الوضع الإقليمي الذي يعيش في ظل التراجع، وعلى الرغم من تأسيسها قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلا أنّها ما زالت تعاني من التخلف في مواكبة التطورات الدولية المتنوّعة.

ومن بين الأسباب التي جعلت تفعيل العمل العربي المشترك بعيد المنال مقارنةً مع الاتحاد الأوروبي، الطريقة التي يتم بها تسيير شؤون هذا الجهاز، إذ يقول لكريني: "على مستوى الاتحاد الأوروبي تتم المصادقة على القرارات بالأغلبية وتتاح المشاركة لكثير من الفاعلين غير الرسميين، أما على مستوى جامعة الدول العربية فالقرار لا زال مركزيًا، ويُتّخذُ على مستوى مؤتمرات القمة وعلى مستوى رؤساء الدول كما يُتّخذُ بالإجماع، وهو ما يُكرّس المركزية والرتابة".

ولا تقتصر مشكلات جامعة الدول العربية على طريقة اتخاذ القرارات أو الخلافات البينية فقط، كما يؤكد المحلل السياسي ذاته، بل تتعلق كذلك بعدم تنفيذ مجموعة من القرارات التي تم اتخاذها، سواءً على صعيد الهيئات التابعة لها أو غيرها، مما يجعل أداءها يفتقر إلى الحيوية والفاعلية.

وبدوره يؤكد المحلل السياسي بودن أنّ "الإشكالات التي يعاني منها بعض الدول العربية على المستوى القُطري تعيق مساهمتها في العمل العربي المشترك"، موضحًا أنّ "الوحدة العربية ليست محققة سياسيًا واقتصاديًا ولا أمنيًا، حيث تظهر التوافقات والاتصالات العربية بشكل غير منتظم، كما أن العديد من المتغيّرات الدولية تجعل تحقيق هذا المعطى أمرًا صعبًا في الوقت الحالي".

أما على مستوى اتحاد دول المغرب العربي، الذي تأسّس منذ حوالى 34 سنة (عام 1989) بهدف بناء تكتل قوي يجمع بين الدول المغاربية على أساس وحدة الدين واللغة والتاريخ المشترك، فإنّ هذا الإطار عانى من الجمود بسبب الخلافات بين الدول الأعضاء. إذ وعلى الرغم من الهدف النبيل لتكوين تحالف يوحّد المغرب العربي، إلا أنّ التعاون بين هذه الدول كان محدودًا للغاية، وفي هذا الإطار يقول بودن: "بالنسبة لاتحاد المغرب العربي، فإنّه في حالة جمود بسبب عدم التقاء جناحي الفضاء المغاربي، وسبب ذلك معروفٌ ويتعلّق بغياب الإرادة السياسية لدى دولة معروفة".

الرهان على "قضايا غير خلافية"

في ظل هذا الوضع المعقّد، يمكن الرهان على مجموعة من القضايا والملفات لإعطاء دينامية أكبر للعمل العربي المشترك، ومن بينها المجالات ذات الطابع الاقتصادي والتعليمي والبيئي، لأنّ عقد لقاءات علمية حول هذه القضايا يمكن أن يُسهم في تبلور أفكار ومخرجات وتوصيات تشعر صانعي القرار بضرورة اتخاذ مواقف ناجحة لتعزيز التعاون بشكل أكبر، يقول لكريني، الذي أشار إلى أنّ "هناك هدرًا تعاني منه المنطقة نتيجة عدم تفعيل مجموعة من القرارات، وعدم اتخاذ خطوات بنّاءة، إلى جانب عدم استثمار الإمكانات المتاحة من أجل خدمة قضايا المنطقة على المستوى الاستراتيجي".

كذلك، يشير بودن إلى أنّ "هناك إمكانات يمكن الرهان عليها تتمثل في التعاون الوثيق في القضايا التي لا تتأثّر بالخلافات السياسية، حيث يمكن أن تكون المساهمة عبرها فعّالة داخل الفضاءات الإقليمية مثل اتحاد المغرب العربي أو مجلس التعاون الخليجي أو تكتلات إقليمية أخرى".

إجمالًا، ورغم عمل المنظمات العربية الموازية التابعة لجامعة الدول العربية، فإنّ التحديات الجيوسياسية تظلّ ترخي بظلالها على كافة مجالات العمل العربي المشترك، التي سيظلّ عملها محدوداً في الزمن والمكان، رغم توفرها على أجندة تنفيذية ورؤى عمل.. وكل هذا لم ولن يجعلها فاعلة على مستوى قضايا التكامل العربي والوحدة العربية.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن