إنّ تكلفة الحرب التي تخوضها إسرائيل في قطاع غزة، ستبلغ ما يصل إلى 200 مليار شيكل (العملة الإسرائيلية) أي ما يعادل 51 مليار دولار، حيث تقدّر التكاليف، التي تعادل 10% من الناتج المحلي الإجمالي، بالاستناد إلى احتمال استمرار الحرب من 8 إلى 12 شهرًا، مع اقتصارها على غزّة دون مشاركة كاملة من قبل الأطراف الأخرى، وكذلك على أساس العودة السريعة لنحو 350 ألف إسرائيلي تم تجنيدهم في قوات الاحتياط إلى العمل قريبًا، إذ إنّ نصف التكلفة ستكون في نفقات الدفاع التي تصل إلى نحو مليار شيكل يوميًا، وستتراوح تكلفة الخسائر في الإيرادات بين 40 و60 مليار شيكل أخرى، إلى جانب ما بين 17 و20 مليار شيكل ستتكبّدها إسرائيل على شكل تعويضات للشركات، ومن 10 إلى 20 مليار شيكل لإعادة التأهيل، وفقًا لصحيفة كالكاليست الإقتصادية الإسرائيلية.
هي المرة الأولى على الإطلاق التي يبيع فيها بنك إسرائيل النقد الأجنبي
وعقب اندلاع الحرب، خفضت وكالة "ستاندرد آند بورز" توقعاتها لتصنيف إسرائيل إلى سلبية، في حين وضعت وكالتا "موديز" و"فيتش" تصنيفات إسرائيل قيد المراجعة لاحتمال خفضها، وقد لجأ بنك إسرائيل للاحتياطي لأول مرة من أجل إنقاذ الشيكل، وسط تكلفة باهظة للحرب على غزّة، إذ باع بنك إسرائيل المركزي 8.2 مليار دولار من النقد الأجنبي، مما أدى إلى تراجع الاحتياطي إلى 191.2 مليار دولار. وهذه هي المرة الأولى على الإطلاق التي يبيع فيها بنك إسرائيل النقد الأجنبي، وأطلق برنامجًا بقيمة 30 مليار دولار لبيع النقد الأجنبي مع بداية الحرب لمنع حدوث تدهور حاد في سعر صرف الشيكل، إضافة إلى توفير ما يصل إلى 15 مليار دولار من خلال المقايضات.
ويُعد النقد الأجنبي الحالي لدى البنك المركزي الإسرائيلي عند أدنى مستوى يتم تسجيله منذ عام، على الرغم من أنه لا يزال مرتفعًا عن المتوسط الذي كان قد تم تسجيله خلال عام 2022، كما راجع بنك إسرائيل توقعاته للنمو للعام الحالي والعام التالي، إذ من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 2.3 % في عام 2023، و2.8% في عام 2024، نتيجة تداعيات الحرب، مقارنةً مع التقديرات السابقة التي أشارت إلى نمو بنسبة 3% لكلا العامين المذكورين.
وبالتزامن مع بيانات المركزي الذي كشف عن التحديات التي تعاني منها إسرائيل مع استمرار الحرب، حيث تستمر خسائر الجيش الإسرائيلي في الارتفاع، هناك الشق الاقتصادي الذي يكمن باحتمالية انزلاق الاقتصاد الإسرائيلي إلى ركود، مع استمرار الصراع واستدعاء أكثر من 360 ألف جندي احتياطي واضطرارهم للتخلي عن وظائفهم العادية، إذ قدّرت وزارة المالية الإسرائيلية وصول خسائر إسرائيل إلى 50 مليار دولار، نتيجة التكلفة الباهظة التي تحمّلتها نتيجة إستمرار عدوانها على غزة.
ووضعت مؤسسة "فيتش" أربعة سيناريوهات محتملة لتأثير حرب غزّة 2023 على الاقتصاد العالمي، والتي تناولت تأثير الأحداث على أسعار النفط والذهب والنمو الاقتصادي العالمي، ويتوقف كل سيناريو على مدة استمرار الحرب وفرص توسّع نطاقها لتشمل دولًا أخرى في المنطقة خارج حدود إسرائيل والأراضي الفلسطينية، وقد سلّطت "فيتش" الضوء على السيناريو الأساسي الأقرب للحدوث، والذي يرجح عدم اتساع رقعة الصراع، إذ تتوقع أن يمتد القتال لعدة أشهر، مع استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية، والاكتفاء باجتياح برّي محدود لقطاع غزّة، مع وجود أعمال عنف في الضفة الغربية وعلى الحدود اللبنانية، وفي حال هذا السيناريو، تتوقع "فيتش" تذبذب أسعار النفط بين 80 و95 دولارًا في أواخر عام 2023 وأوائل 2024، مع ارتفاع عوائد السندات الأميركية قصيرة وطويلة الأجل مدفوعة بالنمو والتضخم وتوجهات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بشأن أسعار الفائدة.
إنّ التطورات الأخيرة للتصعيد في غزّة تشكّل تهديدًا حقيقيًا للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، إذ إنّ تأثير الصراع، يمكن أن يقتصر في الوقت الحالي على إسرائيل وقطاع غزّة، ومصر، والأردن، بينما التداعيات على الاقتصاد الإسرائيلي ستكون كبيرة في ظل استدعاء نحو 360 ألف شخص للاحتياط أي ما يعادل 6.2% من السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 18 – 64 عامًا، وذكر التقرير أنه من المرجح أن يتم احتواء الصراع إلى حد كبير مما يحد من تأثيره الجغرافي والائتماني، وأشار إلى أنّ الخطر الرئيسي في حالة التصعيد هو احتمال حدوث صدمة في إمدادات الطاقة، والتي يمكن أن تفاقم التضخم وتؤثر على النشاط الاقتصادي، وبحسب "ستاندرد آند بورز غلوبال"، فإنّ الطلب على الملاذات الآمنة كالدولار والذهب قد ازداد منذ بدء التصعيد في غزّة، بحيث ارتفع الذهب بنسبة تزيد قليلًا على 4%، كما ارتفعت أسعار النفط بنحو 7%.
من الضروري إعادة صياغة العلاقة الاقتصادية الفلسطينية مع دولة الاحتلال باتفاقية مختلفة متوازنة
وفي تداعيات حرب غزّة على الاقتصاد الإسرائيلي، يكاد الركود يكون مضمونًا، إذ تركت الحرب جزءًا كبيرًا من الاقتصاد الإسرائيلي في طي النسيان، وحجم الضرر الاقتصادي الذي ستعاني منه إسرائيل سيعتمد على مدة بقاء جنود الاحتياط بعيدًا عن وظائفهم، علمًا أنّ الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل يبلغ 521.69 مليار دولار، كما أنّ صناعة التكنولوجيا في إسرائيل تواجه أزمة ستؤثر سلبًا على اقتصادها، مع تجنيد عدد كبير من الإسرائيليين الذين يعملون في هذا المجال في الخدمة العسكرية.
ومع غياب الملف الفلسطيني عن اهتمامات الأسرة الدولية، يواجه حل هذا الملف بعض العقبات والصعوبات التقنية والجغرافية واللوجستيه، والتي تتمثل في كيفية توفير التواصل بين غزّة والضفة الغربية، وهذه عقبة يمكن التغلّب عليها، من خلال قيام بنية الدولة القادرة على الإدارة بين الأطراف الفاعلة في الدولة الفلسطينية، إذ من الضروري إعادة صياغة العلاقة الاقتصادية مع دولة الاحتلال باتفاقية مختلفة متوازنة، بما يؤسّس لقيام الدولة الفلسطينية المستقلّة من خلال دعم المنتج الوطني والقطاعات الإنتاجية الفلسطينية المختلفة، والعمل على تنمية التبادل التجاري بين دولة فلسطين والدول العربيّة، وما توفّره من فرص واعدة للاقتصاد الفلسطيني، وهذا يتطلّب فتح الطريق أمام تنمية فلسطينية مستدامة واقتصاد وطني فلسطيني قادر على النمو والتطور وفق شروط وطنية، تمهيدًا لإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية بموجب مبادرة السلام العربية 2002، وحلّ الدولتين، على أساس حدود 4 يونيو حزيران 1967.