يأتي مؤتمر هذا العام كنقطة منتصف بين التوقيع على اتفاق باريس، وهي معاهدة دولية ملزمة قانونًا بشأن تغيّر المناخ اعتُمدت في مؤتمر الأطراف الحادي والعشرين في عام 2015، والعام المستهدف لتحقيق أول هدف مرحلي لخفض الانبعاثات المسبّبة لتغيّر المناخ، وهو 2030.
ووفق الهيئة الحكومية الدولية المعنيّة بتغيّر المناخ، زاد متوسّط درجة حرارة الأرض خلال القرن الماضي بمعدل 1.1 درجة مئوية، بسبب النشاط البشري وحرق الوقود الأحفوري، الذي يولّد انبعاثات كربونية تزيد من تركيزات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، مما يتسبّب في زيادة قدرتها على حبس الحرارة داخل الأرض، وهو ما يُعرف بالاحتباس الحراري.
يقول العلماء إنّ العالم يجب أن يحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض عند 1.5 درجة مئوية، ليتجنّب البشر أسوأ الكوارث المناخية، لذلك نصّ اتفاق باريس على ضرورة الحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة هذا القرن أقل بكثير من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة، ومواصلة الجهود للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية.
وخلال الأعوام القليلة الماضية، زادت حدة آثار تغيّر المناخ بشكل ملحوظ، وواجهت العديد من المناطق حول العالم موجات حر وجفاف غير مسبوقة وفيضانات كارثية وعواصف مدمّرة، بجانب التقلّص التدريجي للجبال والأنهار الجليدية والذي يُنذر بارتفاع قياسي في مستوى سطح البحر مما يهدّد مجتمعات كاملة بالنزوح وفقدان سبل الحياة والعيش.
وكشف تقرير أممي صدر هذا العام أنّ خطط البلدان لخفض الكربون غير كافية لتحقيق الهدف، وأنّ العالم ليس على المسار الصحيح لمعالجة أزمة المناخ.
وحذّر برنامج الأمم المتحدة للبيئة في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني من أنّ الكوكب يسير على الطريق نحو ارتفاع درجة حرارة كارثية تتراوح بين 2.5 درجة مئوية و2.9 درجة مئوية بحلول عام 2100، وهو ما يتجاوز بكثير هدف اتفاق باريس، وينذر بسيناريوهات مناخية كارثية، على حد وصف التقرير.
ستجلس البلدان هذا العام حول طاولة مفاوضات واحدة، لمحاولة اللحاق بهدف باريس وإبقائه على قيد الحياة، وهو ما يتطلّب قرارات استثنائية تتضمّن التخلّص التدريجي من الوقود الأحفوري والتحوّل السريع للطاقة النظيفة، بجانب تسريع إجراءات خفض الانبعاثات، وفق الخطط المتفق عليها مسبقًا، والتي تقضي بالتخلّص من 43% من الانبعاثات العالمية بحلول 2030، والوصول للحياد الكربوني أو الصافي صفر كربون بحلول 2050.
أول عملية تقييم عالمي
يركّز مؤتمر الأطراف الثامن والعشرون بشكل خاص على إعطاء الأولوية لأول تقييم عالمي لاتفاق باريس، وهي الآلية الرئيسة التي يقيّم العالم من خلالها التقدّم الجماعي الذي أحرزه نحو تحقيق أهداف وغرض الاتفاق ومعالجة أزمة المناخ.
تجرى عملية التقييم كل خمس سنوات، وتستمر لمدة عامين، وتمر بثلاث مراحل: المرحلة الأولى، جمع المعلومات، وقد بدأت في مؤتمر جلاسكو ببريطانيا COP26 في عام 2021، وفي منتصف العام التالي بدأت المرحلة الثانية التي تعتمد على التقييم الفني لهذه المعلومات، وتُسمى بالمرحلة التقنية أو الفنية.
في سبتمبر/أيلول، صدر تقرير تجميعي لنتائج المرحلة الفنية للتقييم العالمي، والذي كشف أنّ العالم بعيد كل البعد عن تحقيق هدفه المتمثّل في إبقاء ارتفاع درجة الحرارة العالمية عند 1.5 درجة مئوية لتجنّب بعض التأثيرات الأكثر كارثية لتغيّر المناخ.
وستُختتم المرحلة الثالثة للتقييم في "COP28"، والتي تُعرف بالمرحلة "السياسية"، وفيها تنظر الحكومات وتناقش نتائج المرحلة الفنية للتقييم العالمي، وما تعنيه هذه النتائج لتعزيز العمل المناخي، وذلك خلال سلسلة من الأحداث رفيعة المستوى على مدار فترة المؤتمر، وتتفاوض الحكومات في النهاية على قرار أو إعلان، أو الاثنين معًا، بما يتضمّن توصيات أو التزامات لدفع العمل المناخي الطموح للأمام، اعتمادًا على نتائج التقرير الفني.
الوقود الأحفوري وانتقال الطاقة
شكّل الوقود الأحفوري موضع خلاف في مؤتمرات المناخ الأخيرة، مع انقسامات حادة بين فريقين، الأول يقوده الاتحاد الأوروبي ويطالب بضرورة التخلص من الوقود الأحفوري، في مواجهة فريق آخر تقوده روسيا والسعودية ودول نفطية أخرى ترفض وضع بنود ملزمة للتخلص من الوقود الأحفوري.
يطالب الفريق الثاني، بدلًا من ذلك، بالتركيز على خفض الانبعاثات باستخدام تكنولوجيا لالتقاط الكربون من الهواء وتخزينه في باطن الأرض، وهي التقنيات التي تهاجمها الجماعات البيئية النشطة باعتبارها غير فعّالة ومجرد ستار لاستمرار استخراج النفط وحرقه.
زادت حدة هذه المعركة خلال مؤتمر شرم الشيخ السابق، ويرى الاتحاد الأوروبي وفريقه أنّ الوقود الأحفوري هو سبب الأزمة الرئيس ولا بد التخلص منه، بينما يرى الفريق الآخر أنّ مطالب التخلص من الوقود التقليدي غير واقعية وتعرّض أمن الطاقة العالمي للخطر، في ظل أزمة موجودة بالفعل.
في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، ستستمر هذه المعركة بلا شك، مع ترجيحات بأن يشمل النص النهائي لقرارات المؤتمر هذا العام، بنودًا تتعلق بالوقود الأحفوري، لكن لا يمكن توقع قوتها. ومن المرجح أيضًا أن يشمل النص النهائي بنودًا بشأن تسريع التحوّل في مجال الطاقة، وتحسين كفاءة الطاقة. وأشارت وكالة الطاقة الدولية إلى أنّ العالم يجب أن يضاعف قدراته في مجال الطاقة المتجددة ومعدل تحسين كفاءة استخدام الطاقة 3 مرات بحلول عام 2030. وبقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والإمارات العربية المتحدة، تدعم أكثر من 60 دولة الآن الالتزام بزيادة الطاقة المتجددة ثلاثة أضعاف بحلول 2030، وسيُطرح هذا الالتزام على باقي الدول في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين للتوقيع عليه.
الخسائر والأضرار
في مؤتمر "COP27" العام الماضي في شرم الشيخ بمصر، اتفقت الأطراف على إنشاء صندوق "الخسائر والأضرار" باعتباره إنجازًا كبيرًا في واحدة من أصعب المواضيع في مفاوضات المناخ العالمية. وتشير الخسائر والأضرار إلى العواقب السلبية التي تنشأ عن مخاطر تغيّر المناخ التي لا يمكن توقعها أو تجنبها، بينما يهدف الصندوق إلى تقديم المساعدة المالية للدول الأكثر عرضة للخطر والمتأثرة بآثار تغيّر المناخ.
كلفت الأطراف، عقب قرار التأسيس، لجنة انتقالية تتألف من ممثلين من البلدان المتقدمة والنامية، بالاجتماع خلال 2023، لدراسة ومناقشة ترتيبات وتفاصيل الصندوق، وإصدار توصيات للحكومات قبل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ (COP28)، بهدف تفعيل الصندوق في مطلع 2024.
وعقدت اللجنة 4 اجتماعات هذا العام، لكنها لم تنجح في حل الانقسامات العميقة بين الدول المتقدمة والنامية بشأن المقر الدائم للصندوق، والأهلية ومصادر التمويل.
لكن رغم الانقسامات، كتبت اللجنة توصياتها للمؤتمر بشأن الصندوق بعد اتفاق باهت بين الأطراف، وذلك في الاجتماع الخامس الإضافي في أبو ظبي مطلع نوفمبر/تشرين الثاني، الذي دعا إليه الدكتور سلطان الجابر، رئيس COP28.
وخرجت التوصيات متماشيةً لحد كبير مع رغبات الدول المتقدمة، فالمقر سيكون في البنك الدولي بشكل مؤقت لمدة أربع سنوات، والدفع للصندوق لن يكون إلزاميًا للدول الغنية بل طوعي، والبلدان النامية المعرّضة بشكل خاص للآثار الضارة لتغيّر المناخ هي المؤهلة فقط لتلقي الموارد من الصندوق، وليس كل الدول النامية.
ومن المتوقع أن تتجدّد الخلافات بشأن هذه البنود في مفاوضات COP28، وقد يخرج الشكل النهائي للصندوق مخالفًا لبعض التوصيات التي قدّمتها اللجنة، أو من غير المستبعد أن تعرقل الانقسامات تفعيله هذا العام. لكن المؤكد، أنّ نجاح المؤتمر هذا العام، أو فشله، يتوقف بشكل كبير على قرار تفعيل صندوق الخسائر والأضرار.
التكيّف
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإنّ 3.6 مليار شخص، أي ما يقرب من نصف سكان العالم، معرّضون بشدة لتأثيرات تغيّر المناخ. وسوف يستمر هذا العدد في الارتفاع طالما استمرت درجات الحرارة العالمية في الارتفاع.
وفي حين يتعيّن على العالم أن يتحرّك بسرعة للتخفيف من آثار تغيّر المناخ، فإنّ هذا وحده لن يكون كافيًا لحماية الأشخاص المتضررين منه بالفعل، فهناك أيضًا حاجة مُلحّة لزيادة جهود التكيّف مع المناخ، والتي تشير إلى التعديلات في النظم البيئية أو الاجتماعية أو الاقتصادية استجابةً للآثار الحالية والمتوقعة لتغيّر المناخ.
يهدف العالم إلى تركيز جهود البلدان على تعزيز القدرة على التكيّف وتعزيز المرونة والحد من التعرض لتغيّر المناخ، لكن لم يقدّم تعريفًا واضحًا للهدف في اتفاق باريس ولم يحرز تقدمًا يُذكر بشأن تحديده منذ ذلك الحين.
كما سيسعى الأطراف لوضع التكيّف في طليعة العمل العالمي في "COP28"، بعد سنوات من الاهتمام العالمي بالتخفيف وإجراءاته ومشروعاته وتمويله على حساب التكيّف. ولمعالجة ذلك، سيسعى الأطراف لتحقيق توازن في التمويل بين التكيّف والتخفيف، ومضاعفة تمويل التكيّف.
التمويل
تحتاج البلدان النامية إلى موارد مالية، فضلًا عن نقل التكنولوجيا وبناء القدرات، لمساعدتها على الحد من الانبعاثات، والتكيّف مع تغيّر المناخ ومعالجة الخسائر والأضرار.
على هذا النحو، فإنّ توفير وتعبئة التمويل المناخي يمثّل أولوية رئيسة للعديد من البلدان في المفاوضات. لذا من المرجّح أن تكون المناقشات والمفاوضات بشأن التمويل في مركز الاهتمام في "COP28" كعادة ما سبقه من مؤتمرات الأطراف.
في عام 2009، تعهّدت البلدان المتقدمة بدفع 100 مليار دولار سنويًا اعتبارًا من عام 2020 وما بعده للبلدان النامية من أجل مواجهة تغيّر المناخ، وهو ما لم يتحقق إلا بعد عامين من الموعد المحدد، وفق ما كشف المنتدى الاقتصادي العالمي قبل أيام من انعقاد "COP28".
كان للفشل في تحقيق الهدف في الوقت الفعلي تأثير سلبي على المفاوضات بشكل عام، نظرًا لأنّ العملية تعتمد إلى حد كبير على قدرة الحكومات على الثقة في أن يفي الآخرون بوعودهم.
سيعمل "COP28" على رأب هذا الصدع، وستواصل الحكومات مفاوضاتها حول هدف جديد لتمويل المناخ ليحلّ محل الالتزام بمبلغ 100 مليار دولار، بحلول عام 2025، وهو ما يُعرف بالهدف الكمي الجديد للتمويل.
ومن المتوقع التوصّل إلى مجموعة من الخيارات بشأن الهدف الجديد للتمويل في دبي، لوضعها أمام مؤتمر الأطراف العام المقبل، حتى يتمكن من التوصل بدوره إلى اتفاق نهائي على هذا الهدف.
(خاص "عروبة 22")